"وول ستريت جورنال": الملك سلمان يرفض التطبيع قبل حل القضية الفلسطينية وولي العهد متحمس
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الجمعة، عن وجود خلافات داخل الأسرة الملكية السعودية، ولا سيما بين العاهل السعودي الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان، بشأن التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الصحيفة، في تقرير، إن الملك سلمان "أصيب بالذهول" عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم 13 أغسطس/آب الماضي، عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، في حين لم يبدُ بن سلمان متفاجئا بالخطوة.
ونقلت الصحيفة نفسها عن مراقبين أن بين سلمان يرحب بهذه الخطوة، التي من شأنها تجاوز ما يراه الأمير صراعاً مستعصياً يحول دون الدخول مع إسرائيل في شراكة تجارية، كما يحول دون الاستفادة منها للوقوف ضد إيران.
كما نقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر سعودية قولها إن محمد بن سلمان فضّل عدم إخبار والده بالاتفاق المزمع بين الإمارات وإسرائيل، خشية أن يعرقل الملك الاتفاق، بعد أن يعلم أنه لن يقدم شيئاً يذكر للدفع نحو حل القضية الفلسطينية، إذ من شأن رفض الملك أن يعرقل الاتفاق برمته، خاصة وأنه الوصي على أقدس الديار الإسلامية، والمتحكم في أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.
أصيب الملك بالذهول حين أعلن الرئيس الأميركي أنباء الاتفاق الإماراتي مع إسرائيل، في حين لم يكن ولي عهده متفاجئاً
وبحسب الصحيفة، فإن الملك الغاضب من ضآلة ما تم الحصول عليه مقابل الاتفاق الإماراتي؛ وجّه وزير خارجيته لإعادة تأكيد التزام المملكة بإقامة دولة فلسطينية، وذلك من دون الإشارة إلى الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي. كما كتب الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، مكرراً الموقف ذاته، وملمّحاً إلى أنه كان على الإماراتيين الضغط على الإسرائيليين للحصول على مزيد من التنازلات.
ورأى مراسلو "وول ستريت جورنال"، في التقرير نفسه، أنه في حال أقدمت السعودية على التطبيع قبل حل القضية الفلسطية فسيكون ذلك بمثابة زلزال في المنطقة، ومن شأنه أن يقلب موقفا عربيا استمر لعقود.
وتتحدث الصحيفة نفسها عن ضغوط إدارة ترامب لجمع السعودية وأبرز حلفاء واشنطن في المنطقة وخصوم إيران مع إسرائيل بهدف تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية وتخفيف عزلة إسرائيل، خاصة مع اتجاه واشنطن نحو تقليص وجودها العسكري في المنطقة.
وفي هذا السياق، يقول يوئيل جوزانسكي، المدير السابق لمكتب إيران والخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، للصحيفة: "على إسرائيل أن تنتظر... إنها مسألة وقت... القضية ليست الثمن الذي يطلبه السعوديون، فالثمن يتم التفاوض بشأنه مع البيت الأبيض، وليس مع إسرائيل".
كذلك يرى ديفيد رونديل، وهو دبلوماسي أميركي سابق عمل في المملكة العربية السعودية، أن الوقت في مصلحة إسرائيل.
وعن علاقات الرياض وتل أبيب، تؤكد "وول ستريت جورنال" أن المملكة حافظت طوال ثلاثين عاماً تقريباً، على اتصالات سرية متواترة وغير رسمية مع إسرائيل، تتعلق في معظمها بالقضايا الأمنية، خاصة ما يتعلق بالشأن الإيراني، كما حافظت في الوقت ذاته على مواقفها العلنية الداعمة للقضية الفلسطينية، إذ يعد الملك سلمان واحداً من الداعمين الكبار للفلسطينيين، وعلى مدى عقود ضخ مليارات الدولارات للفلسطينيين، وسعى نحو إقامة علاقات شخصية طيبة مع معظم قادتهم.
أخبر محمد بن سلمان كوشنر أن أقصى ما يمكن أن يفعله في الوقت الحالي هو دفع البحرين إلى توقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل
كما تذكر الصحيفة أنه عندما تولى ترامب منصبه في عام 2017، أرسل الملك سلمان له رسالة يقول فيها إنه يؤمن بحق إسرائيل في الوجود، ولكنه يؤمن بحق الفلسطينيين في الوجود أيضاً، وفي أن تكون لهم دولتهم الخاصة. وفي مكالمة هاتفية مع الرئيس ترامب في 6 سبتمبر/أيلول الجاري، كرر الملك سلمان رغبته في حل القضية الفلسطينية، وأشار إلى المبادرة العربية التي تدعمها السعودية، والتي تتعهد بإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل فور تحقيق الأخيرة شروط المبادرة المتمثلة في الانسحاب من الأراضي المحتلة.
على نقيض الملك سلمان، ترى الصحيفة أن ولي عهده الأمير محمد، والبالغ من العمر 35 عاماً، يبدي "انفتاحاً غير عادي" تجاه إسرائيل، خاصة في القضايا المتعلقة بالأمن والتجارة، بحسب "وول ستريت جورنال".
إذ بعد وقت قصير من إطاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف، بدأ محمد بن سلمان بممارسة الضغوط بشكل خاص على القادة الفلسطينيين، لقبول نسخة أولية من خطة ترامب المسماة "صفقة القرن"، بحسب مسؤولين عرب. وقد رفض الفلسطينيون، وفقا للصحيفة، هذه الضغوط لأن من شأن الخطة أن تهدد التطلعات الفلسطينية لإقامة دولة.
كما تنقل "وول ستريت جورنال" عن مستشارين ودبلوماسيين أجانب أن محمد بن سلمان اقترح في أكتوبر/تشرين الأول 2017، عند الإعلان عن خطط بناء مدينة نيوم، أن تلعب إسرائيل دوراً كبيراً في تطوير نيوم، مع استثمارات محتملة في التكنولوجيا الحيوية والأمن السيبراني. ويذكر جوزيف ويستفال، سفير الولايات المتحدة لدى المملكة العربية السعودية من 2014 إلى 2017، للصحيفة، أن بن سلمان يرى في التواصل مع إسرائيل أمراً "عملياً ومطلوباً". في موقف يعاكس موقف الملك المريض منذ عدة سنوات.
كذلك تكشف الصحيفة نفسها أن إدارة ترامب الحريصة جداً على الدفع بالمزيد من الحلفاء لتوقيع اتفاقات مشابهة للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي قبل الانتخابات؛ دفعت في سبيل ذلك كوشنر إلى زيارة المملكة العربية السعودية للضغط على الملك وولي عهده في اجتماع ضمهم في الأول من سبتمبر/أيلول في نيوم، وفي هذا الاجتماع أكد بن سلمان لكوشنر أن الملك لن يقبل باقتراحه بشأن إبرام اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل.
وفي ضوء رفض الملك، أخبر الأمير محمد بن سلمان كوشنر أن أقصى ما يمكن أن يفعله في الوقت الحالي هو دفع البحرين إلى توقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بحسب مصادر الصحيفة. كما وافق بن سلمان في الاجتماع ذاته على فتح المجال الجوي السعودي أمام الرحلات الجوية من إسرائيل وإليها.
وتخلص الصحيفة إلى أنه لن يكون من السهل على المملكة العربية السعودية أن تسوّق لأي تطبيع في العلاقات مع إسرائيل، في ظل وجود أجيال من السعوديين تمت تربيتهم على كره إسرائيل، من خلال الكتب المدرسية وخطباء المساجد ووسائل الإعلام.