سارع الرئيس التركي المنتخب، رجب طيب أردوغان، إلى تنفيذ وعوده بتحويل منصب رئاسة الجمهورية إلى منصب غير بروتوكولي، مستخدماً صلاحياته، وفق الدستور الحالي، إلى حدها الأقصى. فقد تم الإعلان، أمس السبت، عن جدول للزيارات الرئاسية إلى الخارج، بعد أن يتسلم أردوغان المنصب الرئاسي في 28 من أغسطس/آب المقبل. سيقوم الرجل بزيارة إلى نيقوسيا، عاصمة قبرص التركية، وبعد أقل من ثلاثة أيام على التنصيب، سيغادر إلى باكو، العاصمة الأذرية لمقابلة الرئيس، إلهام علييف، مما يعد سيراً على التقاليد الرئاسية التركية.
وتحتل قبرص التركية أهمية بالغة في السياسة الخارجية التركية، ليس فقط لأنها تشكل قضية قومية بالنسبة إلى الأتراك، بل أيضاً لأنها تعتبر واحدة من أكبر القضايا العالقة بين تركيا وحلفائها الغربيين، وعائقاً رئيسياً في وجه مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، التي ما زالت تسير ببطء شديد.
أما بالنسبة إلى أذربيجان، وبعيداً عن كونها الحليف القومي للجمهورية التركية، كون الأذريين ينتمون إلى مجموعة الشعوب التركية، فلا يزالون يخوضون حرباً شرسة ضد أرمينيا، المدعومة من إيران، حول إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، حيث تجددت الاشتباكات بين الجيشين في وقت سابق من الشهر الجاري، فأظهرت فيها تركيا دعماً واضحاً للحكومة الأذرية، واستقبلت جرحى الجيش الأذري على أراضيها لعلاجهم.
أما عن التدخل الأهم لرئاسة الجمهورية في السياسة الخارجية، فسيكون من خلال اجتماع حلف شمال الأطلسي، المزمع انعقاده في مقاطعة ويلز، في المملكة المتحدة، في الرابع من سبتمبر/أيلول المقبل. ومن المتوقع أن يعقد أردوغان العديد من اللقاءات مع العديد من قيادات دول الأطلسي، تتناول ازدياد نفوذ تنظيم "القاعدة" في سورية والعراق، بما يشكله تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، من تهديد كبير لدول المنطقة، واحتجازه 49 مواطناً تركياً إثر اجتياحه القنصلية التركية في الموصل منذ يونيو/حزيران الماضي. كما سيشارك أردوغان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في نيويورك بين 21 و26 سبتمبر/أيلول المقبل.
وقد مثلت سياسة أردوغان الخارجية، بعد ثورات الربيع العربي، وعلى جميع المستويات، تحولاً كبيراً وخروجاً جذرياً عن المبادئ الراسخة للسياسة الخارجية التركية، التي تميل إلى إعطاء الأولوية للحذر وعدم التدخل والمواءمة مع الموقف الغربي، فتحولت تركيا نتيجة مواقفها من مشاكل وقضايا الشرق الأوسط، من "سياسة صفر مشاكل مع الجوار" إلى سياسة "صفر جوار من دون مشاكل"، فأصبحت علاقاتها متوترة مع معظم دول الجوار، لذلك من المتوقع أن تتخذ الرئاسة مواقف أقل حدة لتخفيف التوتر في ظل التمدد الكبير لتنظيم "داعش" في سورية والعراق.
وبحسب مراقبين، فإن أردوغان، بعد أن كان لاعباً أساسياً في السياسة الخارجية، خلال رئاسته للوزراء، سيغدو مكتبه في رئاسة الجمهورية أكثر انخراطاً في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية. فمن الطبيعي أن تشكل المخاوف الداخلية خيارات السياسة الخارجية، ولكن أردوغان استخدم في رئاسة الوزراء قضايا السياسة الخارجية لدفع أجندته المحلية، كما فعل أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة قبل الانتخابات الرئاسية. ومن المرجح أن تعود الأمور إلى طبيعتها في حسم خيارات السياسة الخارجية، بعد أن أصبح أرودغان رئيساً للبلاد، وخصوصاً أن الشؤون الخارجية لا بد أن تكون من صلاحيات النظام الرئاسي، الذي يسعى إليه الرئيس الجديد.
ويتربع الانضمام إلى الاتحاد الأوربي على قائمة الأجندة الخارجية، بعدما أجرت حكومة أردوغان العديد من الإصلاحات للتقرب من الاتحاد الأوروبي، في الكثير من المستويات، بل واستطاعت فتح ملف المفاوضات، وإن كانت تجري ببطء، واتخذت مواقف كسرت فيها الكثير من المسلمات، فيما يخص أهم القضايا الخلافية، كاعتذار أردوغان لأحفاد الأرمن عن المجزرة، التي ارتكبت في حقهم في عام 1915، أثناء الحرب العالمية الأولى. لذلك، من المنتظر أن تتحرك الرئاسة بفعالية أكبر على المستوى الخارجي والداخلي، للدفع بالمزيد من الاصلاحات في سبيل الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.