قبل نحو أسبوع من مغادرة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، البيت الأبيض، وحلول دونالد ترامب مكانه، تعيش واشنطن أجواء مؤرقة ومرتبكة. المغادر حضوره النوعي سيُفتقد، وغيابه سيترك حالة من الفراغ، يعكسها رصيد شعبيته الذي يتعدى 55 في المائة حالياً، حسب استطلاعات رأي أخيراً، وهي نسبة قلما تمتّع بها رئيس في أيامه الأخيرة. الآتي، إن نجا من فضيحة الوثائق، إن ظهر أنها صحيحة، حول تورطه التجاري مع القيادة الروسية، يحيط به، كما بإدارته، الالتباس والحذر مع الكثير من علامات الاستفهام، ولو أنه استحق من جانب سائر الأطراف، منحه الفرصة، طالما أن رئاسته أمر واقع لا جدال فيه.
بين الأول وأفول مرحلته، والثاني واقتراب زمانه، فوارق كبيرة في الشخصية والمقاربة والأسلوب. والأهم في مفهوم الحكم لقوة عظمى، واستطراداً في السياسات والتوجهات. لهذا يسود اللحظة الانتقالية الراهنة نوع من الترقب المشوب بالقلق المشروع. فأوباما، أقله هادئ ومعروف، أما ترامب، في المقابل، فإنه غير واضح. وبإفصاحه عن توجهاته، الملتبسة بكل حال، عبر "تويتر"، يترك المجال للتراجع، جرياً على عادته. وهو لم يواجه الصحافة، بصورة مؤتمر صحافي منذ نحو ستة أشهر. الالتزام الصريح ليس من طبعه. ثم إن "كوابحه الذاتية رخوة، وارتقى إلى موقع يعطيه سلطات قصوى"، على ما قال أحد المعلقين. وهنا سبب آخر وجيه للحذر والخشية. صحيح أنه أحاط نفسه بشخصيات تستطيع لجم التهور، مثل وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، لكن مجمل التعيينات تشير إلى نيته تكثيف الصلاحيات والسلطات في البيت الأبيض، أي في المجموعة القريبة منه، والتي أثارت منذ البداية الكثير من التساؤل، بل الريبة.
ومع كل يوم يمضي، تتزايد المؤشرات إلى أنه يجري تنظيم وتشكيل البيت الأبيض، خلال عهد ترامب، بشكل يكون فيه أقرب إلى تركيبة مكتب أعماله الرئيسي في المبنى الذي يحمل اسمه في مانهاتن في نيويورك: رئيس تنفيذي محاط بمدراء موثوقين، يرفعون التقارير والمقترحات والخلاصات لتأخذ الموافقة من رأس الهرم، ومركزية ترفدها فروع يطمئن لها. وهذه صيغة لا تستقيم في إدارة ماكينة حكومية عملاقة، تسيرها بيروقراطية، وتحكمها هرمية مختلفة تقوم على المراقبة والمساءلة. وهنا يكمن التوجس من تصوراته، والبعض يقول من هلوساته وميله للتفرد، واتخاذه قرارات تعكس رغبته في التمايز والخروج على المألوف، من دون امتلاك مشروع متكامل للتغيير الهادف.
آخر خبطاته، كانت في تعيين صهره، جاريد كوشنر، في منصب كبير مستشاري البيت الأبيض، فقط لأنه "أقرب" الموثوقين إليه. خبرته عقارية لا أكثر، ورثها عن والده، وهي أبعد ما تكون عن السياسة، ناهيك عن شؤون الحكم وصناعة القرار في بلد بحجم ووزن أميركا. ويقال إن مهمته الرئيسية ستكون متابعة الملف الفلسطيني - الإسرائيلي والشرق الأوسط! بالتأكيد ما كان ليحتل هذا المنصب، لو أنه كان يحتاج إلى موافقة الكونغرس. والاستغراب الذي أثاره هذا التعيين لا ينطلق فقط من عامل القرابة، فهناك سوابق أميركية من هذا النوع. الرئيس جون كنيدي عيّن شقيقه روبرت وزيراً للعدل. التحفظات في حالة كوشنر، أنه لا يملك شيئاً من مواصفات الموقع الذي جرى تفصيله على مقاسه، إلا إذا كان وضعه كواحد من البطانة الداخلية للرئيس، هو الشرط المطلوب لهذه الترقية، أو ربما إذا كانت الغاية من التعيين تدريب صهر ترامب على الرئاسة، وتهيئته لخوض معركتها بعد انتهاء ولاية عمّه. ومثل هذا التفكير ليس بعيداً عن خيال الرئيس المنتخب، وخصوصاً أن هناك عائلات توارثت، أو حاولت توارث، الرئاسة، عبر الانتخابات، مثل كنيدي وبوش وكلينتون. رئاسة ترامب، التي يجري تدشينها في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، من طراز غير مسبوق، تصح فيها كل التوقعات التي يتداولها المراقبون مع وضع أيديهم على قلوبهم.