أيمن الصياد ونظّارات الحياد

14 سبتمبر 2016

الصياد.. لا يسمّي السيسي والإشارة دائماً إلى "الإخوان|

+ الخط -
المراجعات مطلوبة من الجميع، وخصوصاً ممن يتصدّرون المشهد الإعلامي والثقافي في بلادنا، ويتناول هذا المقال مواقف الكاتب الصحفي المصري، أيمن الصياد، المستشار السابق للرئيس محمد مرسي، نموذجاً على ما يمكن تسميتها مواقف معسكر الحياد السياسي في مصر، المعسكر الذي يقسم القوى السياسية المصرية إلى فريقين رئيسيين، الإخوان المسلمين وقوى النظام القديم، ويرفض الانحياز لأيٍّ منها. فلعل أبرز ما يميز كتابات الصياد حرصه على إعلان حياده السياسي، والتزامه بقيم الديمقراطية والثورة، حيث يقدم نفسه مسلماً ليبرالياً ينتقد "الإخوان" من ناحية ونظام حسني مبارك وورثته من ناحية أخرى، أو كما يقول: "هل يعنى الرفض لسياسات الإخوان المسلمين، "وأجندتهم" وطريقتهم في الحكم، الانحياز بالضرورة إلى دولة مبارك القمعية البوليسية؟ وبالعكس، هل يعنى رفضك للدولة القمعية أن لا بديل أمامك غير الإخوان المسلمين؟ ... كيف سنتعامل مع ما تفشى من داء "إدانة الحياد"". (وأسئلة أخرى... غائبة، صحيفة الشروق، 25 أغسطس/ آب 2013).
استقال أيمن الصياد من منصبه مستشاراً للرئيس مرسي، في نهاية عام 2012، معلنا رفضه "ضيق أفق الإخوان"، وعجزهم عن بناء التوافق السياسي، في وقتٍ يرفض فيه الأوليغاركية التي تحكم مصر، أو تحالف الفساد والقمع والسلطة. (المصريون الخمسة، "الشروق"، 18 مايو/ أيار 2014).
وقبل تناول مواقف الصياد بشكل نقدي، يجب التأكيد على أن ما تنشغل به هذه السطور هو موقفه من قضية الديمقراطية بالأساس، وليس موقفه من شخص أو جماعة أو تيار، وإنما مدى التزامه بمبادئ الديمقراطية والحياد التي يرفعها، ويعتمد الحكم هنا على مقالات الصياد في صحيفة الشروق المصرية من يناير/ كانون الأول 2011 وحتى أوائل يونيو/ حزيران 2014، أو من بداية الثورة وحتى انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر.
وفي البداية، تجب الإشادة بمواقف كثيرة للصياد، وفي مقدمتها تمسكه بالديمقراطية وبمطالب ثورة يناير. وتحسب للصياد، أولاً، مواقفه النقدية في أثناء حكم مرسي، فمقالاته قبل الانقلاب مليئة بالنصائح المهمة للإخوان المسلمين، وكان ممكناً أن تعالج أزماتٍ كثيرة، حيث أكد دوماً على أفكار مثل ضرورة الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية، ورفض حروب الهوية، وأهمية بناء التوافق السياسي، وعدم الركون لنتائج صناديق الاقتراع، والتسريع بإجراءات العدالة الانتقالية، بما تتضمنه من كشف للحقائق ومحاكمات وتعويضات وإصلاح مؤسسي ومصالحة. (في لزوم ما كان يلزم ... واجب الوقت الضائع، 24 فبراير/ شباط 2013). يحسب له أيضا تحذيره "الإخوان" والمثقفين من استدعاء العسكر للعملية السياسية، حيث كتب في 19 مايو/ أيار 2013 مقالا بعنوان "تفتيش حرب … قراءة في التفاصيل"، عن دعوة وزير الدفاع في حينه، عبد الفتاح السيسي، عدداً من القوى السياسية للحوار معها، ومحذرا من "مثقفين ربما للمرة الأولى في التاريخ يستدعون فيها العسكريين للحكم (!)".
دعم الصياد فكرة انتخابات رئاسية مبكرة على حكم الرئيس مرسي مخرجاً سياسياً، وتجنباً لصدام سياسي رآه قادماً، وانتقد مختلف مشاهد العنف السياسي والانقسام والإجراءات الاستثنائية والانتهاكات التي تعرّض لها أعضاء جماعة الإخوان، بعد انقلاب "3 يوليو"، وطالب دوماً بالرجوع إلى العملية السياسية.
في المقابل، وقع الصياد في الأخطاء التالية: أولا: كتاباته مليئة بإشاراتٍ إلى تجارب دول
كأوكرانيا وإسبانيا وجنوب أفريقيا، وقضايا مثل التوافق السياسي، ودخول العالم عصراً جديداً، هو عصر الشباب والإنترنت. ومع ذلك، لا يمتلك تعريفاً واضحاً لعملية التحول الديمقراطي ومتطلباتها المختلفة، ويخلط، بشكل متكرّر، بينها وبين عمليات مهمة، لكنها جزئية، كالعدالة الانتقالية خصوصاً، والتي يستخدمها الصياد في كتاباته مرادفاً للتحول الديمقراطي.
ويقصد الصياد بالعدالة الانتقالية إجراء تحقيقٍ شاملٍ في أخطاء النظام السابق، ينتهي بإصلاح مؤسسي ومحاكمات ومصالحة سياسية، وهي، بدون شك، آلية مهمة، تساعد في التحول الديمقراطي كآلية مثل الانتخابات وكتابة الدستور، لكنها لا تتم في فراغ، فالتحول الديمقراطي عملية مجتمعية أكبر وأشمل بكثير، تتطلب مثلاً العمل على تحييد الخارج، حتى لا يقضي على التحول الديمقراطي، وبناء مؤسسات حكومية مهنية ومحايدة، وتطوير مؤسسات سياسية جادة كالأحزاب، وتحرير المجتمع المدني، وتحقيق بعض العدالة والمساواة الاقتصادية وعلاج مشكلات الناس العاجلة، وترسيخ حكم القانون.
ونظرا لأن أيمن الصياد لا يتناول التحول الديمقراطي بهذا التعريف الأشمل والأهم، تجده يركّز على قضايا مهمة، لكنها جزئية، ثم على نقد مواقف "الإخوان" منها، واعتبارهم المسؤول الأول عن فشل الثورة في تحقيق أهدافها، في حين يصمت، بشكل محير، عن بعض أهم متطلبات التحول الديمقراطية الأخرى، وكأن نظارات الحياد التي يرتديها ترى قضايا بعينها، ولا ترى أخرى. لا يتحدث الصياد، مثلا، عن دور دول خليجية في الانقلاب على التحول الديمقراطي في مصر، ولا يتناول، بأي نقد جاد، القوى السياسية المدنية، وعجزها عن تنظيم أنفسها، ولا يتحدّث عن قضايا إعادة توزيع الثورة والمساواة الاقتصادية شرطاً للديمقراطية، إلا في معرض حديثه عن الفساد، حتى قضية أساسية كإخراج الجيش من العملية السياسية لم يتناولها إلا نادراً في مقالاتٍ قبل الانقلاب العسكري وليس بعده، وحتى الانتخابات الرئاسية التي أتت بالسيسي رئيساً.
ثانيا: يبدو الصياد أيضاً في مقالاته وكأنه يمارس نوعاً من الرقابة الذاتية، فلا يظهر اسم السيسي في مقالاته، ولو مرة واحدة بعد الانقلاب وحتى توليه الرئاسة، ولا يتحدّث بشكل مباشر عن أي دور سياسي تلعبه القوات المسلحة. ولذلك، لو كنت متابعاً مقالاته من دون أن تعرف كثيرا عما يجري في مصر، فستخرج منها برؤيةٍ قاصرةٍ للأحداث، فلن تقرأ اسم السيسي، أو عن دور القوات المسلحة المتزايد في السياسة، ولا عن مشاركة قوى سياسية مدنية في ترتيبات "30 يونيو"، من دون أي ضماناتٍ تذكر لضمان التحول الديمقراطي.
ثالثاً: يرفض أيمن الصياد تسمية ما حدث في 30 يونيو/ حزيران 2013 انقلاباً عسكرياً، ويرى الجدل بشأن طبيعة ما حدث بيزنطياً لا طائل من ورائه (ماذا بعد؟ البيزنطيون الجدد، 14 يوليو/ تموز 2013). كما ساوى بين تدخل المجلس العسكري في 25 يناير وتدخله في 30 يونيو (أسئلة الإخوان الغائبة، 11 أغسطس/ آب 2013)، ودعم المشاركة في حكومة حازم الببلاوي، والاستمرار فيها حتى بعد مذبحة ميدان رابعة العدوية (في البحث عن المشترك، 1 سبتمبر/ أيلول 2013). كما أيد العملية السياسية التي قادت إلى دستور لجنة الخمسين، واعتبر الاستفتاء على الدستور "صك شرعية على خارطة الطريق" (نتائج النتائج ... ما بعد الأرقام، 19 يناير 2014).
وهكذا، يبدو حياد أيمن الصياد منقوصاً، إذ يتجاهل السياق العام الذي تجري فيه عملية التحول الديمقراطي في مصر، ودور فاعلين رئيسيين، كالخارج والسيسي والجيش والقوى المدنية، في الوقت الذي دعم فيه، من باب الواقعية، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، سلطة 3 يوليو والاستمرار فيها حتى بعد مذبحة ميدان رابعة، ومن دون أي ضماناتٍ للتحول الديمقراطي، مكتفيا بالتركيز على مثالياتٍ، مثل رفض الشعب العودة إلى ما قبل 25 يناير، وتحذير السلطة الجديدة من الإفراط في القمع، والتي عادة ما يسميها بأسماء مبهمة، مثل الدولة الأمنية والبوليسية، من دون الحديث بوضوح عمن يقود النظام الجديد، في الوقت الذي لا يتردّد فيه عن الحديث عن "الإخوان المسلمين" بالاسم، وتحميلهم المسؤولية الأولى عما وصلت إليه مصر.