07 اغسطس 2024
أين الحقيقة في "الساعات الأخيرة"؟
لم تتوقف ردود الأفعال على فيلم "الساعات الأخيرة" الذي أذاعته قناة الجزيرة في نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي. وهو ما يشير إلى أن مصريين كثيرين ما زالوا يبحثون عن حقيقة ما حدث، وأسباب فشل ثورة 25 يناير ونجاح الانقلاب، خصوصاً أن شيئاً مماثلاً تكرّر في منتصف فبراير/ شباط، بعد محاضرة ألقتها سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة إبان الثورة المصرية، آن باترسون، في مراكز أبحاث في واشنطن، إذ أثار تقييمها أداء حكومة الرئيس محمد مرسي اهتماماً واسعاً. كما أثار كتاب "في أيدي العسكر" لديفيد كيرباتريك، مراسل صحيفة نيويورك تايمز في القاهرة، خلال سنوات الثورة المصرية، اهتماماً مماثلاً بعد عرض بعض محتواه باللغة العربية في نهاية العام الماضي.
لا يعكس اهتمام المصريين الواضح بتلك الشهادات فقط أهمية محتواها، ولكنه يعكس أيضاً شوق المصريين لمعرفة ما حدث من منابر جديدة ومختلفة وذات مصداقية، ورغبتهم في تخطي ما تعرضوا له من غسيلٍ للدماغ من وسائل الإعلام الموالية للنظام، وبعض وسائل الإعلام المعارضة التي امتهنت التبرير. ولذلك لا ينشغل هذا المقال بتقييم فيلم "الساعات الأخيرة" في حد ذاته، وإنما المقارنة بين ما ورد فيه من شهادات مهمة، وما صدر حتى الآن من شهادات أخرى، كمحاضرة السفيرة الأميركية وكتاب ديفيد كيرباتريك، فما الذي تتفق عليه الشهادات الثلاث؟ وأي مشهدٍ ترسمه للانقلاب وأسبابه الرئيسية؟ لعلنا نقترب ولو قليلاً من حقيقة ما جرى.
أولاً: تفيد المصادر الثلاثة بأن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لم تفعل ما يكفي لدعم التحول الديمقراطي، أو لمنع الانقلاب العسكري. إذ تذهب مصادر مختلفة، في مقدمتها كتاب ديفيد كيرباتريك وكتاب آخر لبن رودز، مساعد أوباما وكاتب خطاباته، (العالم كما هو)، إلى أن تلك الإدارة كانت منقسمة منذ يومها الأول تجاه الثورة المصرية، إذ دعم أوباما وبعض مساعديه من الشباب الثورة والتغيير، وعارضهما كبار مساعديه، وخصوصاً المؤسسات الأمنية والاستخبارات.
فضلت دوائر الأمن والاستخبارات الأميركية دائماً الوضع القائم، والعمل مع الديكتاتوريات، ومصالح إسرائيل التي عارضت الثورة والتغيير بقوة. وهنا ذكرت السفيرة باترسون بوضوح، في محاضرتها، أن علاقة مصر بإسرائيل مثلت محور سياسة أميركا تجاه مصر منذ عقود. ولعل المحور الثاني كان العلاقة مع الجيش المصري، بحكم أنه أكثر مؤسسة مصرية وعربية
استثمرت فيها الولايات المتحدة منذ "كامب ديفيد". وهذا يعني أن سياسة أميركا تجاه الثورة والانقلاب دارت حول أولويتين، حماية مصالح إسرائيل وضمان العلاقة مع الجيش المصري. أما دعم الثورة والتحول الديمقراطي فلم يمثّلا أولويةً لإدارة أوباما، لأسباب كثيرة، كتراجع اهتمام أميركا بالشرق الأوسط ومساعداتها الاقتصادية لمصر، كما أشارت باترسون، أو انشغال أوباما بالقضايا الداخلية، كما ذكر بن رودز.
لذا يمكن القول إن إدارة أوباما لم تفعل الكثير لدعم الثورة أو وقف الانقلاب، وإن عارضه أوباما كمبدأ. ولا تتوفر معلومات كافية بشأن طبيعة العلاقة بين المؤسسات الأمنية والاستخباراتية الأميركية ونظيراتها المصرية قبل الانقلاب، ولا عن علاقة الجيش المصري بقوى إقليمية دعمت الانقلاب، كالسعودية والإمارات وإسرائيل، وماذا فعلت تلك القوى، الحليفة للولايات المتحدة تحديداً، لدعم الانقلاب.
ثانياً: تشير المصادر المختلفة إلى الدور الكبير الذي لعبه قادة الجيش المصري، وخصوصاً عبدالفتاح السيسي، في الانقلاب العسكري. إذ ذكرت السفيرة الأميركية أنها شعرت بأن مرسي أخطأ في اختيار السيسي وزيراً للدفاع، بسبب خطورة الأخير. وقالت إن قادة الجيش المصري هم من أطاحوا حسني مبارك، ولم يمانعوا رحيل وزير الدفاع حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان، لأن قادة الجيش الأصغر سناً كانوا يريدون الحراك الأعلى والترقي في المناصب. وهنا تشير كتابات عديدة، نشرت منذ الثورة عن "جمهورية الضباط"، إلى رغبة قادة الجيش المصري في الوصول إلى السلطة، والفوز بمزيد من المزايا، بعد تهميشهم في أواخر عهد مبارك.
تعاون قادة الجيش المصري شهوراً مع القوى الإقليمية المعادية للثورة، كالسعودية والإمارات وإسرائيل، وتواصلوا مع الدوائر الأمنية الغربية، بعيداً عن أعين مرسي. ونجحوا في خداعه ومستشاريه إلى آخر لحظة. ساعدتهم على ذلك ثقة مرسي الكبيرة باللواء عبد الفتاح السيسي، إذ يذكر كيركباتريك أن مرسي كان يعتقد دائماً أنه قادر على احتواء السيسي، على الرغم من تحذير بعض مساعديه والرئيس الأميركي له.
ثالثاً: لعبت المعارضة المصرية، بقيادة جبهة الإنقاذ، دوراً مؤسفاً في تبرير الانقلاب العسكري
وإنجاحه، إن لم تتواطأ معه بشكل واعٍ. ويوجه كيرباتريك انتقاداتٍ هي الأشد لقادة المعارضة، وفي مقدمتهم، محمد البرادعي، والذي يتهمه كيرباتريك بالعلم بالانقلاب العسكري، والتعاون معه، والسعي إلى إسكات الأصوات المعارضة له داخل جبهة الإنقاذ.
ويقول دايفيد ميللر، مسؤول ملف مصر في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال سنوات الثورة، في فيلم "الساعات الأخيرة"، إن وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، كان يثق بالبرادعي وقدراته، والمعلومات التي يقدمها له، وإن البرادعي أخبر كيري قبل الانقلاب أن "حكومة مرسي خطر على المجتمع المصري"، كما سعى البرادعي إلى إقناعه بعد الانقلاب بأنه يمثل "فرصة للإصلاح السياسي". وهذا يعني، إذا افترضنا عدم تواطؤ البرادعي الواعي مع الانقلاب العسكري، أن ثقة بعض المصريين والمسؤولين الغربيين به، وبقدرته على الحكم على الأمور، ساهمت في تشويه وعيهم بما يحدث في مصر.
رابعاً: تؤكّد المصادر المختلفة على ضعف قدرة الرئيس مرسي ومستشاريه على التعامل مع الأوضاع وتحدّياتها، إذ ذكرت السفيرة الأميركية بوضوح أن "مشكلة مرسي.. كانت أنه لم يدرك ما يفعله! لمّا أصبح تحت ضغط تقوقع على نفسه وسط مجموعة معزولة، ولا تمتلك الخبرة من المستشارين. كثيرون في الحكومة الأميركية شعروا بالإحباط منه، لأنه كان مغروراً وغير كفء ومعزول"، وهو ما ذكره كيرباتريك في كتابه مرّات، إذ أشار إلى أن كيري سعى
إلى تحذير مرسي من خطورة ما يحدث، ولكنه شعر بأن مرسي لا يفهمه، ولا يقدّر خطورة ما يحدث. كما حذر أوباما مرسي بشكل غير مباشر من الانقلاب العسكري، ولكن مرسي طمأنه بأنه قادر على التعامل مع السيسي. وذكر خالد العطية، وزير خارجية قطر السابق، لفيلم "الساعات الأخيرة"، أنه حذّر مرسي من سعي دولة خليجية إلى إدخال أسلحة متطورة مضادة للطائرات للجماعات المسلحة في سيناء، وأن مرسي أخبره بأنه قادر على التعامل معها.
وهذا يعني أن مرسي واجه ظروفاً صعبة للغاية. حكومة أميركية لم تفعل الكثير لمساعدته أو منع الانقلاب عليه، ونخبة عسكرية تآمرت ضده بالتعاون مع خصوم الثورة الإقليميين، ومعارضة تواطأت ضده بوعي أو بغير وعي، وساعدت على تقسم المصريين. ولكن مرسي نفسه ساعد الانقلاب بضعف قدراته، وضعف خبرات مساعديه، وبانغلاقه على نفسه، وفشله في إدارة الصراع السياسي، خصوصاً مع المؤسسة العسكرية، والتي خدعته إلى درجة أن مرسي كان آخر من يدرك، ضمن فريقه الرئاسي أن انقلاباً عسكرياً يدار ضده. فلم يدرك ذلك إلا ليلة الثاني من يوليو/ تموز 2013، بعد أن اتصل اللواء محمد العصار بعصام الحداد مساعد مرسي ليخبره بضرورة رحيل الرئيس، كما أكد فيلم "الساعات الأخيرة" وكتاب "في أيدي العسكر".
ولعل المطلوب هنا ليس إدانة طرف وتبرئة آخر. المطلوب هو الحقيقة وفهم ما حدث، وشجاعة الاعتراف بالأخطاء، وتحمّل مسؤوليتها من جميع الأطراف المعنية بالتغيير في مصر، فلعل ذلك يساعد على استعادة بعض الثقة المفقودة.
أولاً: تفيد المصادر الثلاثة بأن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لم تفعل ما يكفي لدعم التحول الديمقراطي، أو لمنع الانقلاب العسكري. إذ تذهب مصادر مختلفة، في مقدمتها كتاب ديفيد كيرباتريك وكتاب آخر لبن رودز، مساعد أوباما وكاتب خطاباته، (العالم كما هو)، إلى أن تلك الإدارة كانت منقسمة منذ يومها الأول تجاه الثورة المصرية، إذ دعم أوباما وبعض مساعديه من الشباب الثورة والتغيير، وعارضهما كبار مساعديه، وخصوصاً المؤسسات الأمنية والاستخبارات.
فضلت دوائر الأمن والاستخبارات الأميركية دائماً الوضع القائم، والعمل مع الديكتاتوريات، ومصالح إسرائيل التي عارضت الثورة والتغيير بقوة. وهنا ذكرت السفيرة باترسون بوضوح، في محاضرتها، أن علاقة مصر بإسرائيل مثلت محور سياسة أميركا تجاه مصر منذ عقود. ولعل المحور الثاني كان العلاقة مع الجيش المصري، بحكم أنه أكثر مؤسسة مصرية وعربية
لذا يمكن القول إن إدارة أوباما لم تفعل الكثير لدعم الثورة أو وقف الانقلاب، وإن عارضه أوباما كمبدأ. ولا تتوفر معلومات كافية بشأن طبيعة العلاقة بين المؤسسات الأمنية والاستخباراتية الأميركية ونظيراتها المصرية قبل الانقلاب، ولا عن علاقة الجيش المصري بقوى إقليمية دعمت الانقلاب، كالسعودية والإمارات وإسرائيل، وماذا فعلت تلك القوى، الحليفة للولايات المتحدة تحديداً، لدعم الانقلاب.
ثانياً: تشير المصادر المختلفة إلى الدور الكبير الذي لعبه قادة الجيش المصري، وخصوصاً عبدالفتاح السيسي، في الانقلاب العسكري. إذ ذكرت السفيرة الأميركية أنها شعرت بأن مرسي أخطأ في اختيار السيسي وزيراً للدفاع، بسبب خطورة الأخير. وقالت إن قادة الجيش المصري هم من أطاحوا حسني مبارك، ولم يمانعوا رحيل وزير الدفاع حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان، لأن قادة الجيش الأصغر سناً كانوا يريدون الحراك الأعلى والترقي في المناصب. وهنا تشير كتابات عديدة، نشرت منذ الثورة عن "جمهورية الضباط"، إلى رغبة قادة الجيش المصري في الوصول إلى السلطة، والفوز بمزيد من المزايا، بعد تهميشهم في أواخر عهد مبارك.
تعاون قادة الجيش المصري شهوراً مع القوى الإقليمية المعادية للثورة، كالسعودية والإمارات وإسرائيل، وتواصلوا مع الدوائر الأمنية الغربية، بعيداً عن أعين مرسي. ونجحوا في خداعه ومستشاريه إلى آخر لحظة. ساعدتهم على ذلك ثقة مرسي الكبيرة باللواء عبد الفتاح السيسي، إذ يذكر كيركباتريك أن مرسي كان يعتقد دائماً أنه قادر على احتواء السيسي، على الرغم من تحذير بعض مساعديه والرئيس الأميركي له.
ثالثاً: لعبت المعارضة المصرية، بقيادة جبهة الإنقاذ، دوراً مؤسفاً في تبرير الانقلاب العسكري
ويقول دايفيد ميللر، مسؤول ملف مصر في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال سنوات الثورة، في فيلم "الساعات الأخيرة"، إن وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، كان يثق بالبرادعي وقدراته، والمعلومات التي يقدمها له، وإن البرادعي أخبر كيري قبل الانقلاب أن "حكومة مرسي خطر على المجتمع المصري"، كما سعى البرادعي إلى إقناعه بعد الانقلاب بأنه يمثل "فرصة للإصلاح السياسي". وهذا يعني، إذا افترضنا عدم تواطؤ البرادعي الواعي مع الانقلاب العسكري، أن ثقة بعض المصريين والمسؤولين الغربيين به، وبقدرته على الحكم على الأمور، ساهمت في تشويه وعيهم بما يحدث في مصر.
رابعاً: تؤكّد المصادر المختلفة على ضعف قدرة الرئيس مرسي ومستشاريه على التعامل مع الأوضاع وتحدّياتها، إذ ذكرت السفيرة الأميركية بوضوح أن "مشكلة مرسي.. كانت أنه لم يدرك ما يفعله! لمّا أصبح تحت ضغط تقوقع على نفسه وسط مجموعة معزولة، ولا تمتلك الخبرة من المستشارين. كثيرون في الحكومة الأميركية شعروا بالإحباط منه، لأنه كان مغروراً وغير كفء ومعزول"، وهو ما ذكره كيرباتريك في كتابه مرّات، إذ أشار إلى أن كيري سعى
وهذا يعني أن مرسي واجه ظروفاً صعبة للغاية. حكومة أميركية لم تفعل الكثير لمساعدته أو منع الانقلاب عليه، ونخبة عسكرية تآمرت ضده بالتعاون مع خصوم الثورة الإقليميين، ومعارضة تواطأت ضده بوعي أو بغير وعي، وساعدت على تقسم المصريين. ولكن مرسي نفسه ساعد الانقلاب بضعف قدراته، وضعف خبرات مساعديه، وبانغلاقه على نفسه، وفشله في إدارة الصراع السياسي، خصوصاً مع المؤسسة العسكرية، والتي خدعته إلى درجة أن مرسي كان آخر من يدرك، ضمن فريقه الرئاسي أن انقلاباً عسكرياً يدار ضده. فلم يدرك ذلك إلا ليلة الثاني من يوليو/ تموز 2013، بعد أن اتصل اللواء محمد العصار بعصام الحداد مساعد مرسي ليخبره بضرورة رحيل الرئيس، كما أكد فيلم "الساعات الأخيرة" وكتاب "في أيدي العسكر".
ولعل المطلوب هنا ليس إدانة طرف وتبرئة آخر. المطلوب هو الحقيقة وفهم ما حدث، وشجاعة الاعتراف بالأخطاء، وتحمّل مسؤوليتها من جميع الأطراف المعنية بالتغيير في مصر، فلعل ذلك يساعد على استعادة بعض الثقة المفقودة.