اعتداء لندن يجدد أيام الرعب: مراجعة الاستراتيجية الأمنية لمحاولة وقف المهاجمات

لندن
avata
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.
05 يونيو 2017
D510147D-3CB7-472B-88B3-E8F9540455A1
+ الخط -
دقائق قليلة كانت كافية لتحويل سهرة المواطنين في لندن إلى ليلة رعب، عاشها البريطانيون الذين أرادوا تمضية مساء السبت وهم يشاهدون المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا على شاشات كبيرة في مطاعم ومقاهي مدينتهم أو في ساحاتها العامة. فقد قتل سبعة أشخاص في اعتداء نفذه ثلاثة مهاجمين من خلال دهسهم لحشد على جسر في لندن، بواسطة شاحنة صغيرة، ثم بطعن المارة، قبل أن تتمكن الشرطة البريطانية من قتل المعتدين. وأثار هذا الاعتداء حالة هلع في صفوف المدنيين ليل السبت الأحد، خوفاً من احتمال شن اعتداءات أخرى، بعدما تكرر مشهد العمليات الإرهابية في أقل من ثلاثة أشهر في البلاد، دون أن تساهم الإجراءات الأمنية المشددة في الوقاية من الهجمات التي يقف وراءها تنظيم "داعش".

وواقع الحال أن تعرض بريطانيا إلى ثلاثة اعتداءات إرهابية منذ 22 مارس/آذار من العام الحالي، وإفشال الأجهزة الأمنية لعدد آخر من المخططات الإرهابية، يعني أن ما قاله الرئيس الجديد لإدارة مكافحة الإرهاب البريطانية، ماكس هيل، لصحيفة "صنداي تليغراف" في فبراير/شباط الماضي، لم يكن ضرباً في المجهول، بل يقيناً بأن بريطانيا باتت مستهدفة من إسلاميين متشددين، وأنها تواجه أخطر مستوى من التهديدات الإرهابية منذ هجمات "الجيش الجمهوري الأيرلندي" في لندن في سبعينيات القرن العشرين، كما قال هيل. أما المعلومات التي توفرت عن منفذ هجوم مانشستر في 22 مايو/أيار 2017، سلمان عبيدي، العائد من معسكرات التدريب ومن محاور المعارك في ليبيا، فتؤكد مخاوف الجهات الأمنية البريطانية التي حذرت مراراً من خطر "الجهاديين" البريطانيين العائدين من جبهات القتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية وليبيا.

وعلى الجانب الآخر من المواجهة بين بريطانيا والإرهاب، لم يخف تنظيم "داعش"، الذي تبنى اعتداء مانشستر الانتحاري قبل أسبوعين، تهديده لبريطانيا التي ظهرت على خريطة وزعها إعلام "داعش" نهاية العام الماضي، كساحة لهجمات "الذئاب المنفردة" التي يخطط التنظيم لتنفيذها ضمن خطة لـ"الهيمنة على أوروبا بحلول عام 2020".

ويبدو أن ذئاب "داعش" تختار أهدافها البريطانية بعناية لتشكل ضغطاً على المستوى السياسي البريطاني من جهة، ولإرهاب الرأي العام من جهة أخرى. فبعد استهداف مبنى مجلس العموم، "رمز الديمقراطية" البريطانية، الواقع في قلب "المربع السياسي" للمملكة المتحدة، حيث مقر مجلسي العموم واللوردات، ومقر مكتب وإقامة رئيسة الحكومة تيريزا ماي، ومقر الوزارات السيادية، والكثير من المصالح السياسية والأمنية، وما في كل ذلك من دلالات سياسية، تأتي الهجمات على "جسر ويستمنستر"، و"جسر لندن" وكلاهما بالقرب من برج ساعة "بيغ بن"، ودولاب "عين لندن"، ثم الاعتداء على مسرح "مانشستر إيرينا" و"بورو ماركت"، كتهديد إرهابي مباشر للمواطن البريطاني العادي، وللسياح الأجانب الذين يتوافدون إلى بريطانيا بالملايين سنوياً.

واعتقلت الشرطة البريطانية، أمس الأحد، 12 شخصاً عقب مداهمات في حي باركينغ بشرق لندن، على صلة باعتداء السبت، بحسب بيان للشرطة. وجاء في البيان أن التحقيق في هجوم ليلة (السبت) المروع في لندن يتقدم بسرعة، فيما تواصل شرطة المدينة التحقيق في ما حدث.

المواجهة المفتوحة
في أول رد فعل علني لها، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، عزم بلادها على مواجهة الفكر المتطرف الإرهابي. وقالت بعد ساعات من هجوم مساء السبت، إنه يتوجب على بريطانيا مراجعة استراتيجيتها المتعلقة بملف مكافحة الإرهاب، مؤكدةً على ضرورة أن يشمل ذلك "كل الملاذات الآمنة للإرهاب على الإنترنت وعلى الأرض كذلك". وأضافت أن ما جرى منذ مارس/آذار الماضي يستدعي "مراجعة شاملة لاستراتيجية الوقاية الأمنية" التي اعتمدتها الأجهزة المعنية منذ عام 2005، وتقوم على إجراءات وقائية لمنع الأفراد من الانضمام للمنظمات الإرهابية أو المنظمات المتطرفة، بما فيها منظمات اليمين المتطرف، وتعزيز إجراءات الحماية ضد الهجمات الإرهابية، ومعالجة آثار أي هجوم إرهابي في حال وقوعه بشكل سلس وهادئ.


أما الخطة الشاملة التي وضعتها أجهزة الأمن البريطانية على مراحل تصاعدية خلال السنوات الخمس الأخيرة، فتركز أساساً على تعقب المتشددين من أعضاء التنظيمات الإرهابية المتشددة، وتمتد إلى كل من يدعم أو يتبنى الأفكار والأهداف الأيديولوجية للجماعات الإرهابية. وتتضمن الخطة إجراءات عدة من بينها إغلاق المساجد التي تحرض على التطرف، ووقف الإذاعات والقنوات التلفزيونية التي تروّج للفكر المتطرف. ويضاف إلى ذلك إجراءات من قبيل تشديد الرقابة على المهاجرين إلى بريطانيا، وحظر المنظمات المتطرفة ومنح أجهزة الأمن صلاحية أوسع لرصد الاتصالات، وتخزين بيانات المشتبه فيهم في إطار خطوات أسرع، واتخاذ إجراءات أشمل لتتبّع حركة الإرهابيين وإحباط هجمات محتملة، وإغلاق المكاتب والمقرات التي يشتبه في تحريضها على التطرف وتبني أيديولوجية الكراهية.

قلق من ذئاب "داعش"
ويقول المراقبون إن تنوع الأساليب، التي نفذت بها الاعتداءات الأخيرة، وتنوع الأدوات التي استخدمها الإرهابيون، من الدهس بالسيارات إلى الطعن بالسكاكين، وصولاً إلى الأسلوب الانتحاري بالأحزمة المتفجرة، لفت أجهزة الأمن البريطانية إلى جانبين خطيرين في ما حدث خلال الثلاثة أشهر الماضية. في ما يتعلق بالجانب الأول، كشفت التحقيقات عن أن منفذي الاعتداءات، بما في ذلك اعتداء مانشستر، نفذوا عملياتهم بشكل منفرد، وبوحي "من الإرهاب العالمي دون تنسيق أو تخطيط مع آخرين". وإذا ما تأكد ذلك في التحقيقات بشأن هجوم لندن الأخير، فهذا يعني أن تنظيم "داعش" قد نجح بإطلاق "ذئابه المنفردة"، بعيداً عن عيون رادارات الاستخبارات البريطانية.

أما الأمر الآخر الذي أثار قلق الأجهزة الأمنية البريطانية، فهو "أدوات الجريمة"، السيارات والسكاكين، وهي أدوات "مدنية" متوفرة في الأسواق، وبمقدور أي شخص تحويلهما إلى أدوات قتل وإرهاب، بوحي من الأفكار الإرهابية، أو بتقليد أعمال إرهابية وصلت إلى شوارع لندن، بعدما ضربت شوارع باريس وبروكسل. وربما هذا ما دفع رئيسة الوزراء، ماي، للدعوة أمس الأحد، إلى مراجعة "الاستراتيجية الأمنية" مع ضرورة التركيز على كيفية حماية الشباب البريطاني من الأفكار المتطرفة التي باتت "توحي" لهم "إلكترونياً" لارتكاب جرائم مثل اعتداء مساء السبت.

وكانت الأجهزة الأمنية البريطانية، التي تنبّهت إلى خطر تفشي الأفكار المتطرفة، قد تبنّت خلال الأعوام الأخيرة استراتيجية لمنع تسرب "الوحي الإرهابي" إلى الشباب البريطاني عبر القنوات الإلكترونية، تقوم على أساس مراقبة دقيقة وشاملة لمستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وحل "شيفرات" الرسائل المكتوبة، ومراقبة المحادثات الصوتية المتبادلة بين المشتبه بضلوعهم في نشاطات إرهابية. كما تسلحت الأجهزة الأمنية البريطانية بسلّة قوانين تجبر شركات الاتصالات على جعل هواتفها أقل أمناً، لكي تتمكن أجهزة الاستخبارات من التنصت عليها. كما منح القانون أجهزة الحكومة سلطة إجبار شركات مثل "آبل و"غوغل" على المساعدة في اختراق هواتف الأشخاص. كما يُجبر التشريع الجديد شركات خدمة الإنترنت على الاحتفاظ بمعلومات مفصلة عن تصفح المستخدمين لمواقع الإنترنت طيلة عام كامل.

لماذا بريطانيا؟
قد يكون الكيل طفح بعد تزايد الهجمات الإرهابية في بريطانيا، كما قالت ماي، أمس الأحد، لكن الأكيد أن بريطانيا باتت فعلاً بحاجة إلى مراجعة شاملة لاستراتيجيتها الأمنية التي تواجه انتقادات كونها تركز على مؤسسات الدولة الرئيسية مثل التعليم، والرعاية الصحية، والشرطة، وزيادة المراقبة، دون الاعتراف بالسبب الرئيسي لاستهداف بريطانيا، وهو الانخراط في العمل العسكري في الخارج، كما تقول الكاتبة في صحيفة "إندبندنت"، فيونا دي.‏ وهو الرأي الذي يتفق معه زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، جيرمي كوربين، الذي يرى أن الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها بريطانيا هي نتيجة تدخلاتها العسكرية في الخارج. ويرى كوربين أن "الحرب على الإرهاب التي تشنها بريطانيا هي ببساطة لا تنفع، فنحن بحاجة إلى وسيلة أكثر عملية للحد من التهديد من الدول التي ترعى الإرهابيين وتولد الإرهاب"، حسب تعبيره.

سلسلة الاعتداءات الإرهابية في بريطانيا
  • 7 يوليو/ تموز 2005، أربعة اعتداءات منسقة تستهدف ثلاثة من قطارات الأنفاق وحافلة في لندن ما أسفر عن سقوط 56 قتيلاً و700 جريح.
  • 21 يوليو/ تموز 2005، أحبطت الأجهزة الأمنية أربع محاولات لتنفيذ اعتداءات مماثلة ومنسقة داخل مترو وباص في لندن.
  • 30 يونيو/ حزيران 2007، كان مطار غلاسكو في جنوب غرب اسكتلندا هدفاً لمحاولة اعتداء، عندما صدمت سيارة مشتعلة وممتلئة بالغاز والوقود والمسامير مبنى المطار من دون أن تنفجر.
  • 22 مايو/ أيار 2013، قُتل الجندي لي ريغبي (25 سنة) بسلاح أبيض على يد بريطانيين من أصل نيجيري بالقرب من ثكنة عسكرية لسلاح المدفعية الملكية في جنوب شرق لندن.
  • 5 ديسمبر / كانون الأول 2015، أقدم محيي الدين مير، المولود في الصومال، على طعن شخصين بسكين في مدخل محطة ليتونستون للمترو في شرق لندن.
  • 22 مارس/ آذار 2017، دهس خالد مسعود، بسيارته عدداً من المارة وطعن شرطياً حتى الموت على جسر "ويستمنستر" أمام مبنى البرلمان في لندن، قبل أن تطلق عليه الشرطة النار وتقتله.
  • 22 مايو / أيار 2017، فجر الانتحاري سلمان عبيدي، نفسه على مدخل قاعة للحفلات في مدينة مانشستر بغرب إنكلترا، مما أدى إلى مقتل 22 شخصاً، وأصاب نحو 60 آخرين بجروح.
  • 5 يونيو/ حزيران، هجوم بسيارة وسكاكين في وسط لندن يؤدي إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة حوالى 50 بجروح.


ذات صلة

الصورة
مسيرة في برايتون وهوف دعماً لغزة/5 يونيو 2024(Getty)

سياسة

خرج الآلاف من مدينة برايتون وهوف (جنوب شرقي بريطانيا) يوم الأحد في مسيرة جنائزية صامتة، تكريماً لأرواح الشهداء الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي.
الصورة
تظاهرة حاشدة في لندن (ربيع عيد)

سياسة

في الذكرى السنوية لحرب الإبادة الجماعية على غزة، خرج اليوم مئات الآلاف في العاصمة البريطانية، في تظاهرة تضامنية مع غزة والدعوة لمعاقبة إسرائيل على جرائمها
الصورة
تظاهرة سابقة في لندن أمام مقر الحكومة البريطانية (العربي الجديد)

سياسة

خرج العشرات في مدينة برايتون مساء اليوم الخميس في تظاهرة احتجاجية فجائية داخل محطة القطارات في المدينة، تنديدًا بالمجازر الإسرائيلية المستجدة بلبنان.
الصورة
المؤسس المشارك في حركة "بالستاين أكشن"، ريتشارد برنارد/سياسة/إكس

سياسة

يواجه ريتشارد برنارد، المؤسس المشارك في حركة "بالستاين أكشن"، ثلاث تهم تتعلق بدعم منظمة محظورة بموجب قانون الإرهاب في بريطانيا.
المساهمون