ويضع المرشحون في السباق الرئاسي التونسي في إطار برامجهم الانتخابية تصوّرات لحلول محتملة لأزمة الدولة الجارة، المستمرة منذ سنوات، باعتبارها أبرز القضايا الخارجية التي يواجهها الرئيس التونسي المقبل، نظراً لدوره والصلاحيات الدستورية الممنوحة له لقيادة الدبلوماسية التونسية وتمثيل بلاده وإعلان موقفها الرسمي على المستويين الإقليمي والدولي.
ويتبوأ الصراع الليبي مركزاً متقدماً ضمن أولويات الرئيس التونسي المقبل، لاعتبارات الجوار والحدود المشتركة والقرب الجغرافي والتاريخي والتقارب الحضاري، إلى جانب التركة الدبلوماسية الثقيلة التي خلّفها السبسي من خلال مبادرة تونس الإقليمية لحل النزاع في ليبيا.
واعتبر الخبير في الشؤون الخارجية والدبلوماسية عبد الله العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الموقف التونسي من الوضع الليبي يُعدّ أكثر الأسئلة إحراجاً لمرشحي الرئاسة التونسية. وبحسب رأيه، فإن التصريحات المختلفة التي تصب في خانة تونس المحايدة أو تونس المنحازة إلى أحد المحاور، أو المتحصنة بالشرعية الأممية، هي مواقف لم تنضج بعد، بالنظر إلى احتدام الصراع الانتخابي بين جميع المرشحين الباحثين عن استمالة الناخبين باختلاف مشاربهم ومرجعياتهم.
ورأى العبيدي أن غالبية المرشحين يبحثون عن تنشيط الدبلوماسية التونسية، وترك بصمة أو أثر في سياسة تونس الخارجية خلال الولاية الرئاسية، كما ترك السبسي أثراً في ما يتعلق بالأزمة الليبية، ما جعل تونس محل ثقة جميع الأطراف الفاعلة في هذا البلد، وملجأ للاحتكام وإدارة الخلاف. وعلى الرغم من موقفه المحايد إزاء الصراع الليبي، فقد اعتصم الرئيس التونسي الراحل بالشرعية الأممية وانحاز للحوار والحل السلمي من خلال مبادرته الثلاثية الإقليمية مع مصر والجزائر، ثم عبر الدفع نحو البرنامج الأممي لوقف الحرب في ليبيا، وإرساء السلام بقيادة المبعوث الخاص غسان سلامة.
وبدا واضحاً من خلال الحوارات والتعليقات وتصريحات المرشحين، مخالفتهم الصريحة لسياسة السبسي تجاه حلّ الأزمة الليبية، والتي تعتمد على مواصلة نهج الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الدبلوماسي في التعامل مع مختلف الأزمات من خلال إبقاء بلاده على نهج الحياد.
واعتبر مرشح حركة "النهضة" عبد الفتاح مورو، في حوار تلفزيوني، أن تعامل تونس الدبلوماسي مع الملف الليبي كان "مائعاً" بالبقاء على الحياد في وقت لجأ فيه الليبيون إلى بلاده دون غيرها للتدخّل بهدف إيجاد حل، واتخذوا من تونس مقراً للمفاوضات والنقاشات. ولفت مورو إلى أنه زار ليبيا في أحلك الفترات وتدخّل لجمع الأطراف المتنازعة، معتبراً أن انتماءه إلى حركة "النهضة" ومرجعيتها الإسلامية ومواقفها الإقليمية ليس عائقاً باعتبار أن الرئيس المقبل ملزم دستورياً بالاستقالة من حزبه، وأن الدول تتعاون وتتعامل مع الدولة التونسية وليس مع الأشخاص، على حد قوله.
من جهته، وعد مرشح حركة "تحيا تونس"، رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في حوار إذاعي، بفتح كل قنوات الحوار مع الأطراف الليبية في الشرق والغرب، داعياً إلى ضرورة الخروج عما سمّاه "الحياد السلبي" للدبلوماسية التونسية، ومشدداً على ضرورة أن تقوم تونس بدور أكثر فاعلية لحل الأزمة الليبية مستقبلاً.
وخلافاً للمرشحين الآخرين، كان مرشح حزب "مشروع تونس" محسن مرزوق أكثر وضوحاً في موقفه من الأزمة الليبية، إذ قال في حوار تلفزيوني إنه لن ينتهج دبلوماسية الحياد البورقيبية، ولا "الدبلوماسية المتسرعة" التي انتهجها المرزوقي، بل سيركز اهتمامه على "دبلوماسية المصالح الاقتصادية"، والتي تقوم على تكريس الدبلوماسية لمصلحة الاقتصاد الوطني والاستثمار، مقدّماً مثالاً اتفاقات لتقسيم الموارد مع ليبيا. وعلّق مرزوق على زيارته للواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي بأنها مغامرة لتعديل الكفة السياسية من أجل مصالح استراتيجية مع ليبيا، بعدما لاحظ أن "تونس الرسمية وضعت كل بيضها في سلة فجر ليبيا (قوى الغرب الليبي)".
أما وزير الدفاع التونسي المستقيل ومرشح حزبي "نداء تونس" و"آفاق"، عبد الكريم الزبيدي، فبدا متمسكاً في كل تصريحاته بمواصلة نهج السبسي، مشيداً في غالبية تعليقاته بخيار الحياد والانحياز للشرعية الأممية ودعم مساعي المبعوث الأممي إلى ليبيا.
من جهته، اعتبر رئيس الحكومة الأسبق، مرشح حزب "البديل"، مهدي جمعة، أن الليبيين هم الأجدر والأصلح لحل خلافاتهم الداخلية، معتبراً أن المرشحين المعادين لتيارات الإسلام السياسي في ليبيا أو مساندي حفتر غير متمكنين من ثقافة الدولة ويسيئون تقدير التقاليد الدبلوماسية التونسية، مشدداً على موقفه المبدئي زمن حكومته ممن وصفهم بالجماعات الإرهابية، إذ تم إصدار القوائم السوداء لشخصيات ومجموعات ممنوعة من دخول تونس والتي تهدد أمن تونس وليبيا على حد سواء، بحسب رأيه.