وجرح أربعة مدنيين، أمس الخميس، جراء انفجار سيارة مفخخة وسط مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي التي سيطر عليها الجيش التركي و"الجيش الوطني السوري" (يضم فصائل من المعارضة السورية) منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إبان العملية العسكرية التي أطلقتها أنقرة ضد "قسد"، التي كانت هي الأخرى قد انتزعت المدينة من تنظيم "داعش" منتصف 2015. وأفاد نشطاء محليون بأن سيارة مفخخة انفجرت قرب أحد مقرات "فيلق المجد"، وهو أحد فصائل "الجيش الوطني"، داخل مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي.
وجاء انفجار تل أبيض بعد أقل من 24 ساعة من وقوع تفجير مماثل في بلدة سلوك القريبة، أدى إلى مقتل 3 مدنيين على الأقل، وإصابة 18 آخرين. وعلى الرغم من عدم إعلان أي طرف مسؤوليته عن التفجيرين، إلا أنّ من الواضح أنّ "قوات سورية الديمقراطية" تهدف إلى خلق القلاقل والعراقيل في المنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين التي سيطر عليها الجيش التركي، على مسافة نحو 100 كيلومتر وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً.
وبدأ الجانب الروسي تطبيق مذكرة التفاهم مع الجانب التركي على مصير منطقة نهر الفرات، عقب الانسحاب الأميركي من أغلبها. وأعلنت الشرطة العسكرية الروسية في سورية أنها بدأت تسيير دورياتها، للمرة الأولى، في مدينة عين العرب (كوباني) على الحدود التركية السورية. وقال المتحدث باسم قيادة مجموعة القوات الروسية في سورية، اللواء إيغور سيريتسكي، في تصريحات صحافية نشرت أمس الخميس: "وفقاً للاتفاقيات التي جرى التوصل إليها بين الرئيسين الروسي (فلاديمير بوتين) والتركي (رجب طيب أردوغان)، بدأت الوحدات العسكرية الروسية ابتداءً من ظهر يوم 23 أكتوبر (أول من أمس الأربعاء)، بتسيير دوريات على طول الحدود السورية التركية، تشمل منطقة مدينة عين العرب". وبخصوص موقع تمركز الشرطة الروسية في مدينة عين العرب شمال شرق سورية، قال: "تقع نقطة تمركزنا عند الحدود، على بعد بضعة كيلومترات من عين العرب وكيلومترين من الأراضي التركية، على تلة مرتفعة ومجهزة وفيها برج اتصالات". وأضاف أن "الشرطة العسكرية الروسية ستضع، مع حرس الحدود السوري، آلية لانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية مع أسلحتها من منطقة الحدود حسب الاتفاق التركي الروسي".
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أمس الخميس، أن القوات الكردية بدأت الانسحاب من مناطق في سورية قرب الحدود التركية. وقال: "نشعر بالرضى لما نلاحظه من تنفيذ الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في مدينة سوتشي". وأضاف: "كل شيء يُنفذ". وأشار إلى أن ليس هناك جدول زمني محدد لوجود القوات التركية في المنطقة التي تجري فيها العمليات في سورية.
ونصّ اتفاق تركيا وروسيا حول شرق الفرات والمناطق في غربه، على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر "قسد" وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرق الفرات، بالإضافة إلى إخراج جميع عناصر "الوحدات" الكردية مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب.
ويتضمن الاتفاق تفاهماً على أن يبدأ الجيشان التركي والروسي تسيير دوريات مشتركة بعمق 10 كيلومترات في شرق وغرب منطقة العمليات التركية شمال شرقي سورية، مع الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة الواقعة ضمن العملية التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين. ومن المقرر، وفق الاتفاق، أن تسهّل الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع للنظام السوري إخراج عناصر "الوحدات" الكردية وأسلحتهم حتى عمق 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية، خلال 150 ساعة، بدأت ظهر الأربعاء الماضي، ويفترض أن تنتهي مساء الاثنين المقبل.
ولهذه الغاية، أجرى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أول من أمس، اتصالاً غير مسبوق، من طريق النقل التلفزيوني مع قائد "قوات سورية الديمقراطية" مظلوم عبدي، لبحث تطبيق الاتفاق الروسي التركي حول تسوية الوضع شمال سورية.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، أن شويغو أبلغ عبدي أن وحدات الشرطة العسكرية الروسية، التي تنتشر في المناطق السورية على حدود تركيا، و"قوات حرس الحدود السوري"، ستضمن أمن السكان الأكراد هناك، وبالتالي لا ضرورة لأن يغادروا هذه المناطق. وقالت الوزارة إن شويغو أبلغ عبدي بخطط لتوسيع مسارات الدوريات وزيادة عدد وحدات الشرطة العسكرية الروسية في منطقة الحدود بين سورية وتركيا. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس الخميس، أنها سترسل 276 شرطياً عسكرياً إضافياً و33 آلية من المعدات العسكرية إلى سورية في غضون أسبوع، في ضوء التغييرات والتحديات الجديدة، مشيرة إلى أنه "سيتم نشر كتيبتين من الشرطة العسكرية في سورية خلال أسبوع". ونقلت وسائل إعلام روسية عن مسؤول في "قسد" قوله إن عناصر "الوحدات" الكردية انسحبوا لمسافة 32 كيلومتراً من الحدود مع تركيا. ونسبت إلى المسؤول قوله إن "الأكراد في قوات سورية الديمقراطية مستعدون لبحث الانضمام إلى الجيش السوري بمجرد تسوية الأزمة في سورية سياسياً".
إلى ذلك، ذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام أن قوات الأخير تواصل تعزيز انتشارها في منطقة شرق نهر الفرات، عبر إدخالها أرتالاً جديدة، ضمت دبابات وآليات عسكرية، مؤكدة عزم هذه القوات على إنشاء 15 نقطة مراقبة على طول الحدود مع تركيا، خارج منطقة عمليات الجيش التركي، أي خارج المنطقة الممتدة من مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. ونشرت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، صوراً تظهر وحدات من قوات الأخير وهي تدخل مناطق في ريفي الرقة والحسكة في إطار اتفاق مع "قسد" سمح لهذه القوات بالعودة مرة أخرى إلى شرق نهر الفرات.
في غضون ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتخلّ نهائياً عن "قوات سورية الديمقراطية" التي لا تزال تسيطر على مساحة جغرافية واسعة في منطقة نهر الفرات. ومن المرجَّح أن تستخدم واشنطن هذه القوات لمحاربة المشروع الإيراني في شرق سورية، وحماية حقول النفط الكبرى في ريفي دير الزور والحسكة. وذكرت وكالة "رويترز" أن أعضاءً جمهوريين وديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي طالبوا وزارة الخارجية بسرعة إصدار تأشيرة دخول لمظلوم عبدي حتى يتسنى له زيارة الولايات المتحدة لبحث الموقف في سورية. وسارعت أنقرة إلى انتقاد دعوة عبدي إلى واشنطن "كشخصية سياسية شرعية". وقال مدير الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون: "نشعر بقلق بالغ إزاء معاملته. هذا الشخص زعيم بارز في حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة وآخرون منظمة إرهابية، وهو هارب من العدالة".
في موازاة ذلك، حذّر وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أمس الخميس، من أن تركيا "تسير في الاتجاه الخاطئ" من خلال توغلها العسكري في سورية واتفاقها مع روسيا على تسيير دوريات مشتركة في "منطقة آمنة" هناك. وقال إسبر، خلال مؤتمر صحافي في بروكسل قبيل اجتماع لوزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، إن "تركيا تضعنا جميعاً في وضع رهيب" عبر عمليتها العسكرية في سورية. وأكد أنه يقع على عاتق الحلف حالياً "العمل معاً لتعزيز شراكتنا معهم وإعادتهم إلى الاتجاه (الصحيح) ليعودوا حليف الماضي القوي الذي يمكن الاعتماد عليه". ودافع إسبر عن قرار سحب القوات الأميركية من شمال سورية، وقال إن "القرار الأميركي بسحب أقل من 50 جندياً من منطقة الهجوم اتُّخذ بعدما بات جلياً بالنسبة إلينا أن الرئيس أردوغان قرر (تنفيذ العملية) عبر الحدود"، مضيفاً أن واشنطن لا يمكنها "تعريض حياة هؤلاء الجنود للخطر أو بدء معركة مع حليف في الأطلسي". وأقرّ "بوجود بعض الانتقادات" للانسحاب الأميركي، لكنه اشار إلى أن "لا أحد عرض بعد بديلاً أفضل لما قامت به الولايات المتحدة. نحاول الحفاظ على آفاق استراتيجية للغاية".
في هذه الأثناء، لم تتضح بعد أبعاد التفاهمات الروسية التركية حيال غرب نهر الفرات، التي لا يزال لـ"قسد" حضور عسكري فيها. ولا يزال مصير منبج وتل رفعت وجانب من ريفيهما معلقاً، حيث لم ينص الاتفاق التركي الروسي بوضوح على بنود تخصّ المدينتين. وقالت مصادر من "الجيش الوطني السوري"، لـ"العربي الجديد"، إن مدفعية الجيش التركي قصفت، فجر أمس الخميس، مواقع تابعة لـ "وحدات حماية الشعب" الكردية في محور بلدة مرعناز بريف حلب الشمالي، بالتزامن مع اشتباكات بين الطرفين على محور قرية الدغلباش في ناحية الباب. وأوضحت المصادر أن عناصر من "الوحدات" الكردية حاولوا لليوم الثاني على التوالي التسلل عبر المناطق الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني السوري"، وذلك بعد إعلان الاتفاق الروسي التركي الذي نصّ على انسحاب "الوحدات" من غرب الفرات.
واتهمت "قسد"، أمس الخميس، القوات التركية وحلفاءها من مقاتلي المعارضة السورية بشنّ هجوم بري كبير استهدف ثلاث قرى، على الرغم من وقف إطلاق النار، وحثت الولايات المتحدة على التدخل على الفور لوقف الهجوم. وقالت، في بيان، إن الهجوم الذي نفذته القوات التركية على القرى الواقعة "خارج منطقة وقف إطلاق النار" أجبر آلاف المدنيين على الفرار. وأضاف البيان: "على الرغم من التزام قواتنا قرار وقف إطلاق النار وانسحاب قواتنا من كامل منطقة وقف إطلاق النار، إلا أن الدولة التركية والفصائل الإرهابية الموالية لها ما زالت تنتهك عملية وقف إطلاق النار، وما زالت مستمرة في حرب الإبادة ضد شعبنا وقرانا". وأعلن المسؤول في "قسد" مصطفى بالي، في تغريدة، أن "قوات سورية الديمقراطية ستمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس". وتقع منبج وتل رفعت ضمن النطاق الجغرافي للمنطقة الآمنة التي نصّ عليها الاتفاق التركي الروسي، لكن من غير الواضح إلى من ستؤول تبعيتهما بعد انقضاء المدة التي حددها الاتفاق لإتمام الانسحاب الكردي. من جانبه، قال المتحدث باسم "الجيش الوطني السوري" الرائد يوسف حمود، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن مدينتي تل رفعت ومنبج "لن تكونا إلا لأهلهما". من جهته، أفاد القيادي في المعارضة السورية المسلحة مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنهم لا يزالون ينتظرون توضيحات من أنقرة. وكان الجانب الروسي قد سيّر دوريات داخل منبج وفي محيطها، بعد الانسحاب الأميركي منها، وسط تصاعد الرفض الشعبي لعودة النظام إلى المدينة خشية تعرض السكان لعمليات انتقام واسعة النطاق دأب النظام على القيام بها في كل المناطق التي كانت خارج سيطرته.