وحسب تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، فإن التحذيرات التي صدرت عن وحدة التوازن المالي بالبنك المركزي الأوروبي تفاعلت مع تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد تركيا، لتدفع العملة التركية نحو هذا التدهور السريع إلى أقل من 6 ليرات مقابل الدولار.
كما ارتفعت الفائدة على سندات الخزانة التركية أجل 10 سنوات إلى 20%. وكذلك ارتفعت كلفة تأمين الديون التركية. وهو ما سيعني مالياً، أن تركيا الآن ستقترض بكلفة مرتفعة لتسديد أقساط الديون السيادية. وإن لم تقترض ستقع في شراك التخلف عن السداد الذي سيحرمها مستقبلاً من الحصول على تمويلات. ولدى تركيا ديون كبيرة للمصارف الغربية.
وبحلول نهاية العام 2017، بلغت ديون الشركات التركية بالعملة الأجنبية التي اقترضتها من المصارف الغربية، حوالى 214 مليار دولار. أما إجمالي الدين الخارجي التركي العام والخاص فقد بلغ 453.2 مليار دولار في نهاية عام 2017، حسب إحصائيات البنك الدولي.
وفي مارس/آذار من عام 2018، كان من المقرر أن يتم سداد 181.8 مليار دولار من الديون الخارجية العامة والخاصة التركية في غضون عام، لكن وحسب تقارير غربية بات هذا مستبعداً للغاية بسبب الأزمة المالية وانخفاض قيمة الليرة.
وفي أوروبا، أثر تحذير البنك المركزي الأوروبي، اليوم الجمعة، من هبوط الأسهم الأوروبية وسط مخاوف بشأن انخفاض الليرة التركية، سلباً على السوق، مع وقوع البنوك الأكثر انكشافاً على أنقرة ضمن قائمة أكبر الأسهم الخاسرة.
وحسب "رويترز"، انخفضت أسهم "بي.إن.بي باريبا" الفرنسي و"أوني كريديت" الإيطالي و"بي.بي.في.إيه" الإسباني نحو 3.0% بعد أن نشرت صحيفة "فايننشيال تايمز" تقريراً قالت فيه إن البنك المركزي الأوروبي قلق إزاء انكشافه على تركيا في ضوء انخفاض الليرة الكبير.
وكانت المصارف الغربية، خصوصًا الأوروبية قد أقرضت بكثافة الاقتصاد التركي الذي كان ينمو بسرعة ويدرعوائد كبيرة على القروض المصرفية، في وقت كان فيه اقتصاد منطقة اليورو يعيش حالة من الركود والفائدة السالبة.
وهذا الوضع شجع الشركات والمصارف التركية على التوسع في الاقتراض بالدولار واليورو، فيما شجع المصارف الأوروبية على التوسع في تمويل الاقتصاد التركي. وكان يمكن لهذا التوسع في الإقراض الغربي أن يستمر، لولا تدهور العلاقات الأوروبية والأميركية مع تركيا. ثم ازداد هذا التدهور في أعقاب المعركة المفتوحة بين الرئيس الأميركي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، التي تجلت اليوم في التغريدة التي نشرها ترامب.
ويصف الخبير الاقتصادي الأميركي بول كروغمان، في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز"، الأزمة المالية التركية، بأنها "أزمة كلاسيكية"، وأن مثل هذا النوع من الأزمات كان قد مرَّ عدة مرات بمجموعة من البلدان، مضيفاً:"عرف اقتصاد تركيا تحسنا كبيراً وملحوظا منذ بداية الألفية الثالثة؛ لكن المشكل الوحيد الذي كان يقف عقبة في طريق النمو التركي هو انخفاض معدل الادخار وارتفاع معدل التضخم في تركيا وتنامي عجز الحساب الجاري، الذي بلغ 7.1 مليارات دولار بحلول يناير/ كانون الثانير 2018.
وفي ظرف 12 شهراً فقط ارتفع العجز التركي بمعدل كبير للغاية ليبلغ 51.6 مليار دولار، ولتصبح تركيا بذلك واحدة من أكبر الدول عجزاً في الحساب الجاري في العالم.
ويذكر أن الأسهم المحلية التي يمتلكها غير المقيمين في تركيا بلغت 53.3 مليار دولار في أوائل مارس/ آذار بعدما كانت 39.6 مليار دولار في منتصف مايو/أيار، ونفس الأمر حصل بالنسبة للسندات الحكومية المحلية التي بلغت 32.0 مليار دولار في أوائل آذار/مارس وانخفضت إلى 24.7 مليار دولار في منتصف مايو/ آيار.
ورحلة تدهور سعر صرف الليرة التركية بدأت مع حلول العام الجاري. وكانت وكالة "بلومبيرغ"، قد نبهت في تقرير مطول إلى أن توتر علاقات أردوغان مع أوروبا وأميركا سيجعل المصارف الغربية تحجم عن مواصلة إقراض الشركات والمصارف التركية.
وفعلاً، قاد الانسحاب التدريجي للتمويلات الغربية من تركيا إلى التدهور المستمر في سعر صرف الليرة، حيث خسرت منذ بداية العام نسبة 50%، حسب تقرير بصحيفة ذا إندبندنت البريطانية، حيث انخفضت مقابل الدولار من 4 ليرات تركية ونصف تقريباً، وصار سعرها قبل منتصف مايو/أيار 4.9 ليرات. ثم تدهورت أكثر هذا الصيف لتنخفض إلى 5 ليرات، ثم إلى أكثر من 6 ليرات مقابل الدولار في نهار اليوم.
كما ارتفعت الفائدة على السندات التركية أجل 10 سنوات إلى 20%. وتسعى تركيا من خلال الفائدة المرتفعة إلى جذب المصارف الغربية لشراء سندات الخزانة التي تعتمد عليها في التمويل.