الجلد في مدارس السودان... عقوبة باقية

12 أكتوبر 2018
هل تعمد مدرستهما إلى الجلد؟ (الأناضول)
+ الخط -
قبل أيام، أقدم تلميذ سوداني، في ولاية الجزيرة، وسط البلاد، على الاعتداء على مدرّسه مستخدماً الساطور، الأمر الذي تسبب في جروح استدعت نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج. والتلميذ، في الصف السادس من المرحلة الأساسية، قام بفعلته تلك، بحسب تقارير صحافية، كردّ فعل على تعرّضه إلى جَلد مبرح من قبل مدرّسه أمام زملائه التلاميذ. وقد أعادت تلك الحادثة طرح أسئلة قديمة حول جدوى العقوبة البدنية التي ما زالت المدارس السودانية تعمل بها، على الرغم من مرور ثمانية أعوام على صدور "قانون الطفل" الذي يجرّمها.

وسلوك التلميذ، بحسب البروفسور علي بلدو، المتخصص في الأمراض العقلية والنفسية، يعود إلى "الآثار النفسية التي خلّفتها العقوبة البدنية لديه". يضيف بلدو، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ثمّة آثاراً أخرى مدمّرة للعقوبة البدنية في حقّ التلاميذ، إذ إنّهم سوف يشعرون بالدونية، بالإضافة إلى إصابتهم باكتئاب شديد، مع تنمية روح العنف في ذواتهم، وكذلك الرغبة في الانتقام والتشفّي، بالإضافة إلى إلحاق الأذى بالأقران". ويلفت إلى أنّ "نسبة كبيرة من التلاميذ الذين تركوا الدراسة، ساهمت العقوبات البدنية التي طاولتهم في اتخاذهم ذلك القرار". ويتابع بلدو أنّ "توفّر السياط والخراطيم في حرم المدرسة، ينمّي الخوف والرعب عند التلاميذ، ما يؤدّي إلى ضعف المردود الأكاديمي وإلى شرخ في التواصل مع المجتمع. وتتولد بالتالي عُقد نفسية تمثّل نواة للعنف المجتمعي الذي نشهده حالياً".




على الرغم من تزايد الانتقادات للعقاب البدني في المدارس، فإنّ كثيرين يرونه ضرورياً ومهماً للعملية التعليمية والتربوية. والرئيس عمر البشير نفسه يسانده، وقد انتقد، في تصريحات سابقة، قرار إلغاء عقوبة جلد التلاميذ في المدارس، مشيراً إلى أنّ التعليم ليس قراءة وكتابة فقط وإنّما تربية. أضاف البشير أنّ قرار الإلغاء مجرّد تقليد أعمى للغرب وينمّي في التلاميذ الحرية ويجعلهم يتطاولون على المدرّسين، قبل أن يستعيد ذكرياته مع الجلد عندما تعرّض إلى ستّين جلدة من دون أن يحقد بعدها على مدرّسه. من جهته، كان وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم، الدكتور فرح مصطفى، قد صرّح بأنّه على المستوى الشخصي يؤيّد عقوبة الجلد في حق التلاميذ، وجاءت تصريحات الوزير تلك لتؤكّد إفادات أخرى له قال فيها إنّه لا مناص من العقاب، مشيراً إلى أنّ النجاح لن يتحقق من دون ترغيب وترهيب.

ويقول مدرّس سوداني في إحدى مدارس ولاية الخرطوم، تحفّظ عن ذكر اسمه، إنّ "المدرّسين يلجؤون إلى الجلد للضرورة القصوى، وإنّ هدف كلّ مدرّس هو مصلحة التلاميذ". ويؤكد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الضرب الذي يطاول التلاميذ ليس مبرحاً إلا في حالات نادرة"، نافياً أن تكون "للجلد غير المبرح آثار نفسية". ويتحدّث المدرّس نفسه عن "قرار اتخذته مدرسته قبل أسابيع يقضي بمنع الجلد بعدما تسبّب ضرب تلميذ في أذى جسيم"، موضحاً أنّ "أولياء أمور عدد من التلاميذ حضروا إلى المدرسة بعد ذلك، مطالبين بإعادة العقوبة، إذ إنّها الوحيدة التي تجبر الأطفال على التعلّم".

في السياق، تقول وزيرة التربية والتعليم، مشاعر الدولب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قانون الطفل للعام 2010 يمنع منعاً باتاً العقوبة البدنية في حق تلاميذ مرحلة الأساس"، مشيرة إلى أنّ "تنفيذ القانون كلياً يحتاج إلى بعض الوقت، لأنّ العقوبة مرتبطة إلى حدّ بعيد بالعُرف". وتؤكد أنّ وزارتها ووزارات التربية في الولايات السودانية "تتدخل إدارياً في حالات الضرب المبرح، لأنّ السائد اليوم هو الضرب غير المبرح".

من جهته، يقول مدير التعليم في ولاية الخرطوم، الدكتور عبد الله نصر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العقاب البدني ممنوع منعاً باتاً، لأنّه يُحدث انهزاماً كبيراً في نفوس التلاميذ، لا سيّما الصغار منهم". ويشير إلى أنّه "في عصرنا الحديث هذا، باتت سبل التربية تختلف عن الطرق القديمة اختلافاً بيناً، والتوجيه والإرشاد من السبل الكفيلة بتغيير السلوك لدى الناشئة"، منبهاً إلى "وجود عقوبات بديلة، أبرزها حرمان التلميذ من النشاطات المدرسية التي يحبها متى وقع في خطأ، مثل أنشطة السباحة والرسم والموسيقى". وعن استمرار الظاهرة على الرغم من منعها إدارياً وقانونياً، يشرح نصر أنّه "إذا تجاوز المدرّس حدود الصبر على تلاميذه وبدر منهم ما يؤذيه، فإنّه من الممكن اللجوء إلى جهات عدلية مثل محكمة الطفل. وتلك المحكمة نظرت في قضايا عدّة". وعن الرقابة الإدارية من قبل وزارته، يؤكّد أنّ "ثمّة رقابة ومحاسبة تبدأ بالتنبيه والإنذار وتنتهي بالفصل النهائي من العمل، خصوصاً إذا كان المدرّس يقوم بذلك مع إصرار وتحدّ".




أمّا الخبير التربوي محمد عبد الله كوكو، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "قضية العقوبة البدنية من القضايا الشائكة التي تواجه خبراء التربية، وتختلف حولها النظريات التربوية ما بين تأييد وممانعة ورفض، لما للعقوبة البدنية من آثار سلبية خصوصاً على الأطفال ولما لعدم العقاب من سلبيات في بعض الأحيان". يضيف كوكو أنّ "الناس في حاجة اليوم إلى منهج وسطي يضع فرضية العقاب مع ضوابط واضحة وشروط مُبيّنة، أبرزها أن يسبقه التنبيه والقدوة حتى يعود التلميذ إلى السبيل القويم". ويشير إلى أنّ "التنبيه يمكن أن يكون من خلال نظرة أو كلمة. والعقوبة ليست ضرورة لكلّ شخص، وقد لا يتعرض لها بعض التلاميذ، في حين أنّ ثمّة من يحتاج بينهم إلى بعض من الشدة".