أعلن رئيس "تيار المستقبل"، سعد الحريري، أنّه غير مرشّحٍ لرئاسة الحكومة الجديدة بلبنان، متمنياً سحب اسمه من التداول، في خطوةٍ تأتي بعد لقاءٍ جمعه اليوم الثلاثاء مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي كان قد التقى صباحاً رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، حيث تمّ عرض التطورات والأوضاع العامة.
وعلى الرغم من إعلان الحريري، في مناسباتٍ عدّة، عدم نيته الترشح لرئاسة الحكومة، لكنه ترك باب المفاوضات مفتوحاً بهدف جعل عودته مشروطة بضماناتٍ مسبقة ترتكز على تشكيل حكومة من المستقلّين لا يمثل فيها "حزب الله"، وخارج دائرة رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل بشكل خاص.
ويتزامن ذلك مع الدعوات الموجهة إلى "حزب الله" لكييتعاون لتسليم المُدان من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سليم جميل عياش، باغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، علماً أنه لا يعترف بوجودها أو بالقرارات التي تصدر عنها.
وأكد مصدر مقرّب من "حركة أمل" التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، لـ"العربي الجديد"، أن التحرّك الذي قاده الأخير لإقناع القوى السياسية، وخصوصاً المعارضة لرئيس "المستقبل"، بتسميته باء بالفشل.
استقبال المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وعرض معه الأوضاع العامة. pic.twitter.com/Ke7q3mwViG
— Saad Hariri (@saadhariri) August 25, 2020
وأشار المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، إلى أنّ اللواء عباس إبراهيم حاول من خلال المشاورات الأخيرة التي قام بها، وسبقها لقاء عقده أمس مع بري، تعبيد الطريق أمام عودة الحريري بعد إزالة العوائق، لكنّه وجد المسار مقفلاً في نهايته، بعد إصرار عددٍ من الأفرقاء على موقفهم الرافض لعودة الحريري، انطلاقاً من مبدأ "إذا عاد الحريري، نعود معاً". وهو موقف يتمسّك به وزير الخارجية السابق جبران باسيل الذي يربط عودة الحريري بعودته شخصياً إلى الحكومة، لاعتباره أنّ الحريري هو رئيس حزب سياسي ومن ضمن الطبقة السياسية الحاكمة فكيف له أن يشكلَّ حكومة مستقلّين أو تكنوقراط.
"حزب الله" الذي لا يمانع عودة الحريري، يرفض صيغة الحكومة الحيادية المستقلة
كما أنّ العوائق من جهة "الحزب التقدمي الاشتراكي"، الذي يرأسه النائب السابق وليد جنبلاط، ما تزال موجودة، مع إصرار الأخير على عدم الإعلان عن مرشحه إلا بعد دعوة الرئيس اللبناني، ميشال عون، الكتل النيابية للاستشارات الملزمة وعندها يسمّي الشخص الذي يراه مناسباً. والأمر نفسه حصل من جهة "حزب القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، الذي يرفض المشاورات قبل الاستشارات وأعلن رفضه تسمية الحريري لرئاسة الحكومة. ويضيف المصدر أنّ "حزب الله"، الذي لا يمانع عودة الحريري، يرفض صيغة الحكومة الحيادية المستقلة. علماً أنّه إلى جانب الموقف الداخلي، فإنّ الحريري لم يحز على رضى الخارج أيضاً، حيث هناك غموض لناحية دعم عودته وتردّد، ولا سيما من جانب المملكة العربية السعودية.
وقال الحريري، في بيان صادر اليوم الثلاثاء، إن "الاهتمام الدولي المتجدّد ببلدنا، وعلى رأسه مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والزيارات التي قام بها عددٌ من المسؤولين الدوليين والعرب، يمثل فرصة قد تكون أخيرة ولا يمكن تفويتها من أجل إعادة بناء عاصمتنا الحبيبة بيروت، وتحقيق سلسلة إصلاحات يطالب بها اللبنانيون ونحاول تنفيذها منذ سنوات عديدة".
أهم ما جاء في بيان صادر عن الرئيس سعد الحريري بشأن تشكيل الحكومة والوضع المحلي في #لبنان pic.twitter.com/GuC3Hsxmmg
— Saad Hariri (@saadhariri) August 25, 2020
وإذ شكر رئيس الوزراء السابق كل من طرح اسمه مرشحاً لتشكيل حكومة تتولّى هذه المهمة الوطنية النبيلة والصعبة في آنٍ معاً، قال "لاحظت كما سائر اللبنانيين أن بعض القوى السياسية ما زالت في حالٍ من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين، وترى في ذلك مجرد فرصة جديدة للابتزاز على قاعدة أن هدفه الوحيد هو التمسّك بمكاسبٍ سلطوية واهية أو تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطةٍ لاحقة، وهو مع الأسف ابتزاز يتخطى شركاءهم السياسيين ليصبح ابتزازاً للبلد ولفرصة الاهتمام الدولي المتجدد ولمعيشة اللبنانيين وكراماتهم".
عون يتحضّر للدعوة الى استشارات نيابية ملزمة قبيل عودة الرئيس الفرنسي إلى لبنان
وأضاف الحريري "انطلاقاً من قناعتي الراسخة أن الأهم في هذه المرحلة هو الحفاظ على فرصة لبنان واللبنانيين لإعادة عاصمتهم وتحقيق الإصلاحات المعروفة التي تأخرت كثيراً، أعلن أنني غير مرشح لرئاسة الحكومة". وأوضح أنّ المدخل الوحيد هو احترام رئيس الجمهورية للدستور ودعوته فوراً لاستشارات نيابية ملزمة والإقلاع نهائياً عن بدعة التأليف قبل التكليف، قبل أن يضيف "وبالطبع فإنّني مع "كتلة المستقبل النيابية" سنسمي من نرى فيه الكفاءة والقدرة على تولي تشكيل الحكومة وتحقيق الإصلاحات".
وفي هذا السياق، تروّج أوساط مقرّبة من قصر بعبدا أنّ الرئيس ميشال عون يتحضّر للدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة قبيل عودة الرئيس الفرنسي إلى لبنان، ما يوحي بتكرار مشهد تكليف حسان دياب، وبالتالي فرض اسم متفق عليه مسبقاً لتولي الحكومة الجديدة. وقد جرى التداول باسم النائب فؤاد مخزومي أخيراً على أنه يحظى بتأييد باسيل وبكونه يملك تصوراً حول شكل الحكومة وبرنامجها، ويعمل على إثارته في كل تصريحاته ومواقفه. وتختلف هذه المرة لعبة الأصوات لأسباب عدّة أبرزها استياء رئيس البرلمان من عجزه عن إيصال الحريري الذي يراه الأنسب للمرحلة الراهنة، ما يؤدي إلى خلق توتر مع فريق رئيس الجمهورية.
وعلى هذا الصعيد أيضاً، برز نشاط شقيق الحريري الأكبر بهاء الذي عاد إلى الساحة السياسية المحلية، ولا سيما من بوابة "تويتر"، حيث تحول إلى ناشط يكثف من تحركاته ومواقفه، وخصوصاً تبنيه خطاباً يعارض سياسة "حزب الله" في الداخل وسلاحه، الذي يقول عنه بهاء إنه "يحمي الفاسدين ويغطي الفساد، وصراعاته الإقليمية". وأبدى بهاء الحريري تضامنا في المقابل مع مطلب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حيال الحياد، ويقف إلى صفه بوجه الحملات التي تمارس ضده. وتحوم علامات استفهام حول ما إذا كان بهاء من الأسماء الجدية التي ستطرح لرئاسة الحكومة، ولا سيما أنه يمثل موقف دول الخارج حيال الإصلاح وسلاح "حزب الله" وضرورة القيام بإصلاحات.
الرئيس الفرنسي لم يشترط أي اسم لتولي رئاسة الحكومة بمن فيهم الحريري
وفي الوقت ذاته، تردّدت أنباء عن تأجيل الرئيس الفرنسي زيارته إلى لبنان مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل، بعد فشل الأطراف السياسية في الاتفاق على تشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات المطلوبة للحصول على الدعم الاقتصادي والمالي اللازم لإنقاذ البلاد معيشياً ونقدياً وانتشالها من الانهيار الشامل.
وأكد مصدر من السفارة الفرنسية في بيروت، لـ"العربي الجديد"، أنّ زيارة ماكرون لا تزال موضوعة ومسجلة على جدول البرامج ولم يقم حتى الساعة بإلغاء رحلته. وشدد المصدر، الذي رفض الإفصاح عن هويته، على أن الرئيس الفرنسي لم يشترط أي اسم لتولي رئاسة الحكومة بمن فيهم الحريري، ولكنه يفضل اختيار شخصية ترضي الشارع اللبناني وتوحّد القوى السياسية قدر الإمكان، في وقت يحتاج لبنان إلى وحدة وتعاون بين الجميع للخروج من الأزمة الاقتصادية الخطيرة والتي فاقمها انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الجاري.
من جهة ثانية، التقى الحريري اليوم نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والوفد المرافق، وجرى البحث بالأوضاع في لبنان وآخر المستجدات السياسية والعلاقات الثنائية بين البلدين.
استقبال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والوفد المرافق، في حضور السفير القطري في #لبنان محمد بن حسن جابر الجابر والوزير السابق غطاس خوري ومستشار الرئيس الحريري للشؤون الدبلوماسية الدكتور باسم الشاب. (١/٢) pic.twitter.com/ovyboBuEPL
— Saad Hariri (@saadhariri) August 25, 2020
ويزور وزير الخارجية القطري لبنان اليوم، حيث التقى عون وبري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إلى جانب لقائه نظيره اللبناني شربل وهبة، والنائب السابق وليد جنبلاط، قبل أن يتوجه إلى مرفأ بيروت حيث تفقد موقع الانفجار. وأكد خلال لقاءاته على تضامن قطر مع لبنان والشعب اللبناني، معلناً أنّ بلاده على وشك الانتهاء من دراسة إعادة إعمار المدارس الحكومية بالشراكة مع "يونيسف" وإعادة تأهيل بعض المستشفيات التي تضرّرت من جراء الانفجار.
الرئيس عون مستقبلاً وزير الخارجية القطري: لبنان يرحب بأي مساعدة يمكن ان تقدمها قطر في مجال اعادة إعمار الاحياء المنكوبة pic.twitter.com/wgEHkzLEK7
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) August 25, 2020
وقال كذلك إن هناك تصورات ستبحث في هذا الإطار مع الحكومة اللبنانية، مشيراً إلى "أنّ هناك حاجة للاستقرار السياسي كما الاجتماعي في لبنان، من أجل دعم مسيرة الإصلاح، ونأمل من كافة القوى والأحزاب السياسية وضع مصلحة الشعب اللبناني في صميم الإصلاحات والتفاهمات، كي تكون نابعة من احتياجات الشعب اللبناني بعيداً من أي ضغوط خارجية".