قفز سعر صرف الدولار في السوق السوداء المصرية إلى أكثر من 12 جنيها مرة واحدة يوم الخميس الماضي، وفي بعض المحافظات والصفقات الكبيرة قفز لنحو 12.5 جنيهاً، فهل بعد هذا الخراب خراب آخر، خاصة وأنه يصاحب ارتفاع الدولار زيادات مماثلة وربما أكثر في أسعار السلع الرئيسية كالدواجن واللحوم والسكر والزيوت والأغذية ووسائل النقل والمواصلات والسلع الكهربائية وغيرها من السلع المتعلقة بالمواطن العادي.
مساء يوم الأربعاء الماضي خرج علينا محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، لينفي بشكل قاطع أنباء وشائعات متداولة خلال الفترة الأخيرة على نطاق واسع حول اتجاه البنك المركزي لتعويم الجنيه المصري وترك سعره للعرض والطلب، في ظل فشل حكومي ملحوظ في التعامل مع أزمة الدولار ووقف ارتفاعاته المجنونة والقياسية، أو على الأقل الحد منها.
لكن عامر في المقابل تحدث عن خفض محتمل لقيمة الجنيه لكن في الوقت المناسب، وحسب قوله "لا يمكن الحديث عن تعويم الجنيه حالياً، أما الخفض فهو يرجع لما يراه البنك في الوقت المناسب".
وبالطبع فإن من المستحيل إقدام البنك المركزي المصري على خطوة "تعويم" الجنيه المصري لعدم امتلاك البنك أدوات "التعويم"، وأهمهما احتياطي ضخم من النقد الأجنبي وأن تكون مصادر وإيرادات النقد الأجنبي قوية، وليست متهاوية كما هو الحال حالياً.
السوق، سواء أفرادا أو تجارا أو مستثمرين، "تلقف" تصريحات طارق عامر الأخيرة وأطلق شائعات حول قرب إجراء البنك المركزي خفضاً جديداً في قيمة الجنيه المصري، قد يعادل الخفض الذي تم في شهر مارس الماضي والبالغ قيمته 112 قرشا مرة واحدة، وبما يعادل 14.5%، وهو ما أدى لحدوث تراجع كبير في سعر العملة المحلية مقابل الدولار منذ الخميس الماضي وحتى اليوم الأحد.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل زادت عمليات تخزين الدولار من قبل تجار العملة انتظاراً لارتفاع محتمل في قيمته، وبالتالي تحقيق أرباح عالية، وزادت أيضاً حدة المضاربات على العملة الأميركية، خاصة من قبل تجار العملة والمضاربين وشركات الصرافة التي أغلق البنك المركزي أبوابها مؤخراً لتعاملها في السوق السوداء، ومخالفة قانون النقد الذي يحظر عليها بيع الدولار بأسعار تختلف عن الأسعار المعلنة على الشاشات.
كما سارع التجار والمستوردون لشراء الدولار لتخزينه تفادياً للتعرض لخسائر ضخمة محتملة وتكاليف إضافية في حال ارتفاع سعره، بل ووصلت حدة المضاربات لرجل الشارع العادي الذي بات يعتبر أن المضاربة في الورقة الخضراء أفضل أنواع الاستثمار، خاصة مع ضعف جاذبية الاستثمارات الأخرى مثل الذهب لارتفاع سعره، والبورصة لعدم استقرارها.
السؤال هنا: هل يتوقف سعر الدولار في مصر عن الارتفاع؟
بالطبع لا، فخفض قيمة الجنيه المتواصل أمر لا مفر منه، لأن المشاكل التي أدت لزيادة سعر صرف الدولار لا تزال قائمة ومستمرة وتتمثل في الانخفاض الحاد في إيرادات النقد الأجنبي، خاصة من قطاعي السياحة والصادرات، وكذا تراجع إيرادات المصادر التقليدية الأخرى مثل تحويلات المصريين العاملين بالخارج وقناة السويس والاستثمارات المباشرة.
ولذا على السلطات المسؤولة التدخل وبسرعة لحل أزمة الدولار، حتى لا يأتي اليوم الذي يصبح فيه حال العملة المحلية في مصر لا يختلف كثيراً عن حال عملات عربية منهارة مثل: الدينار العراقي والليرة اللبنانية والريال اليمني، وغيرها من العملات التي انهارت بسبب تردي الوضع الاقتصادي لبلادهم، وانهيار الوضع المالي واحتياطي النقد الأجنبي للبلاد.
على السلطات التدخل من أجل الفقراء الذين باتوا يتحملون العبء الأكبر من زيادة سعر الدولار، حيث إن مصر تستورد 70% من وارداتها من الخارج، خاصة السلع الغذائية كالدقيق والقمح والسكر والزيوت وغيرها.
وبالتالي فإن أي زيادة في سعر الدولار تنعكس بشكل سريع على الأسعار، مع الإشارة هنا إلى أن الحكومة فشلت فشلاً ذريعاً في التعامل مع أزمة الأسعار خلال الفترة الماضية.
تدخلوا، فالدولار في مصر بات قضية أمن قومي قد تعادل في خطورتها ملفات أخرى، منها سد النهضة ومياه النيل والإرهاب في سيناء.
تدخلوا لتعيدوا الاستقرار النقدي والمالي بل والسياسي للبلاد، حتى لا يأتي الدولار على الأخضر واليابس، ويدخل المجتمع في دوامة ومتاهات وثورات جياع.
تدخلوا من أجل المزارع الفقير الذي يعاني ارتفاعات قياسية في أسعار الأسمدة وتكلفة الإنتاج بسبب أزمة الدولار.
تدخلوا بسرعة، خاصة وأن الارتفاع الجديد في سعر الدولار يأتي في وقت بالغ الحساسية، حيث توجد ضغوط شديدة على الأسعار ناتجة عن قرب تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وخفض الدعم خاصة المقدم للوقود كالبنزين والسولار والغاز، ورفع أسعار المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن.
تدخلوا لإعادة النشاط لقطاع الصادرات، المصدر الأول للنقد الأجنبي.
تدخلوا قبل أن يسقط الاقتصاد وتقترب مصر من حالة الإفلاس، وتعاني البلاد من حالة حرجة ندعو الله ألا نصل إليها، لأن البطن الجائع لا يرى أمامه.
تدخلوا قبل فوات الأوان.