أعلنت جامعتان لبنانيتان خاصتان عن تعليق الانتخابات بين صفوف طلابها. التبرير الذي قدّمتاه يرتبط ببعض المشكلات التي نشبت بين مجموعات متنافسة من الطلاب، بعضها ينتسب إلى هذه الجهة أو تلك من الانقسام السياسي اللبناني المعروف بين قوى 14 و8 آذار.
جامعات أخرى قامت بالعمل نفسه، أي تعليق العمليّة الديمقراطيّة قبل وقت طويل، تخوفاً من العراك والمعارك.
نحن نتحدّث عن لبنان. مثل هذا الوضع ينسحب على دول كثيرة لا تسمح بإجراء الانتخابات أصلاً، أو أنها تجد في جملة الأوضاع مبررات كافية للحدّ من هذه الممارسة لطلاب يُفترَض أنهم صنّاع المستقبل. وهكذا يُحرم الطلاب من أن يعتادوا ممارسة التغيير عبر صندوقة الاقتراع، وليس عبر الأسلحة والمتفجرات كما يحدث حالياً.
وهكذا تُسدّ الأبواب أمام عمليّة تعوُّد وتأهيل أوليّة تساعد على اعتماد الوسائل السلميّة لتحقيق الذات وفتح الأفق أمام المشاركة في الحياة السياسيّة سواء أكانت برلمانيّة أو بلديّة محليّة.
المأزق الذي تعيشه الجامعتان ينطبق على سائر مؤسسات التعليم العالي تقريباً. والحصيلة أننا أمام مشكلة يفتقد معها الشباب إمكانيّة صياغة حياة سياسيّة في بيئاتهم، مع ما تتطلبه من تنظيم حملات وبرامج انتخابيّة والتعوّد على كسب الأنصار والمؤيدين عبر خوض نقاش مع وجهات نظر متنوعة...
وكل هذه يجب أن تدخل في صميم حياة الطلاب. ومتى تعوّدوا عليها، بات بإمكانهم نقلها من الحرم الجامعي إلى خارجه، ما يجعلنا أمام مشاركة كاملة في الشأن العام. وهو ما يمنح مجتمعاتنا حيويّة وحصانات حقيقيّة. وهذه من الأهميّة أنها تستطيع أن تحمي المجتمعات العربيّة من الانفجار، كما يحدث حالياً.
بالطبع إلغاء الديمقراطيّة وحق الانتخاب من شأنه فرض حال من الاحتقان تجد تجلياتها في الانفجارات الموضعيّة التي تمهّد لما هو أكبر وأخطر. النماذج التي نراها تقود إلى حروب أهليّة طاحنة تأتي على كل معالم الاجتماع البشري ومنتجات حضارة الانسان في منطقتنا وثقافته، وعودة إلى همجيّة باتت أسيرة كتب التاريخ والمتاحف.
نحن بين نارين فعلاً. واحدة تنشب من جرّاء الإصرار من جانب بعض القوى على اللجوء إلى العنف، وهو ما يدفع إدارات الجامعات على تأجيلها. وثانية، أن تعمد الإدارات إلى التخلص من متاعب الديمقراطيّة والتعوّد على تحمّل أعبائها وأكلافها.
وفي المحصلة تبدو الخسائر أفدح مما يتصوّر كثيرون. فعندما يعجز الطلاب وسواهم عن اختبار قدراتهم من خلال أصواتهم وبرامجهم، يستسهلون اللجوء إلى من يقودهم حتى ولو إلى حتفهم وتدمير مجتمعاتهم. وهنا الكارثة الداهمة؟!
(أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)