الصحافة المعتقلة في الجزائر

01 مايو 2018
الصحافة معتقلة تحت سقف الممنوع السياسي (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -


جزء من الحقيقة تلك التي قالها رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى، حين فاخر بمستوى حرية التعبير في الجزائر، مقارنة بدول عربية أخرى، وبعدم وجود أي صحافي رهن الاعتقال أو الحبس على خلفية قضايا النشر والصحافة.

لكن الحقيقة كلها أن كل الصحافة في الجزائر معتقلة، أو برهن الاعتقال، بين قضبان احتكار الإشهار وإكراهات المطابع الحكومية والوضع القانوني الغامض للقنوات المستقلة والوضع الاجتماعي الهش للصحافيين.
صحافة معتقلة أم لا، عندما تصر السلطة على احتكار كل الإشهار العمومي في يد مؤسسة حكومية واحدة، توزعه على الصحف حسب الخط الافتتاحي ومستوى الولاء للرئيس والحكومة، وتمنعه عن كل صحيفة تخرج عن الصف، لتلوي ذراعها وتكسر إرادتها في الكتابة الحرة، كما حدث لـ"الخبر" و"الشروق"، ولصحيفة "الفجر" التي خاضت مديرتها إضراباً عن الطعام للدفاع عن حق الصحيفة في الإشهار العمومي، وكما حدث سابقاً مع صحف اضطرت لتعليق صدورها، مثل "الجزائر نيوز" و"جريدتي"، بسبب الخط الافتتاحي. فهل هذا اعتقال للصحافة أم لا؟

عندما تصر السلطة على إبقاء أكثر من 30 قناة تلفزيونية في وضع قانوني معلق منذ العام 2012 بهدف الضغط عليها، فلا هي حصلت على اعتماد من السلطات كمكاتب معتمدة لقنوات أجنبية تعمل في الجزائر كما تأسست، ولا هي حصلت على الترخيص كقنوات جزائرية. وكان قد صدر في العام 2012 قانون الإعلام الذي يتيح إنشاء قنوات مستقلة، وانتظرت القنوات صدور قانون السمعي والبصري في 2014، وعندما صدر انتظرت صدور المرسوم التنفيذي، وعندما صدر انتظرت إنشاء هيئة السمعي والبصري لتنفيذه، وعندما تم إنشاء الهيئة انتظرت القنوات صدور دفتر الشروط ولم يصدر. كل هذا التلاعب السياسي المتدرج، اهل هو اعتقال للصحافة أم لاً؟

عندما تصر الحكومة على التأخير والمماطلة في منح الاعتمادات للصحافيين المراسلين الدوليين الذين يعملون لصالح قنوات ووسائل إعلام أجنبية، وإبقائهم تحت رحمة الانتظار والخوف من عدم الحصول على الترخيص، لضمان عدم خروجهم عن السقف الذي ترسمه السلطة في المضمون الإعلامي، هل يمكن أن نسمي هذا اعتقالاً داخل دائرة الغموض أم لا؟ وعندما تغلق الحكومة صندوق دعم الصحافة، وتتعمد التراخي في فرض العدالة الاجتماعية والقانون على كل المؤسسات الإعلامية، وتميز بين الصحافيين العاملين في القطاع العام والعاملين في القطاع المستقل، بشأن الاتفاقات الجماعية وشبكة الأجور والضمان الاجتماعي. صحيح أنه لا يوجد صحافيون معتقلون في الجزائر، لكن الصحافة كلها معتقلة تحت سقف الممنوع السياسي، بينها الحديث عن صحة الرئيس أو الخوض فيها، وما قاله رئيس الحكومة بشأن حرية الصحافة جزء من تحايل سياسي كبير تعيشه الجزائر منذ عقود، وحرية من نوع "لا أريكم إلا ما أرى".

المساهمون