الطريقة الكردوسية

05 مارس 2019
+ الخط -
الكردوسي وما أدراك ما الكردوسي؟! على صفحات الأهرام، مدح حسني مبارك –أيام عزِّه- طمعًا في هدية أو منزلة؛ فرجع بخفي حنين، وما إن أقبلت ثورة 25 يناير حتى كشَّر الكردوسي عن نابه، وتلمظ تلمُّظ الأفاعي وكال لمبارك هجاءً مريرًا على صفحات المصري اليوم، ووصفه بـ(كابوس وانزاح) والدنيا لمن غلب، واحنا ولاد النهاردة، أو على طريقة أهلنا في الخليج "إحنا عيال اليوم".

لم يغب عن الكردوسي أن يستثمر الـ"مِيكس"؛ فتارة يهجو وبعدها يمدح أو العكس، المهم أنه يسير على قدمي المدح والهجاء، "واللي ميجيش بعصا موسى ييجي بعصا فرعون"، ولا بد أن طريقة ما "هتُلْفُق" وستؤتي ثمارها، وكما يقول محمود درويش "سنكون يومًا ما نريد"، بالتطبيل أو بالهرتلة أو الهبد مش فارقة كتير، المهم أن يصل المريد إلى ساحة الشيخ أو القطب.

تراه يثني على ثورة يناير منتفخَ الأوداج، ويرفع وائل غنيم إلى مرتبة القديسين، وعما قليل تهدأ حرارة اللبن، وكأنه يمارس دورًا في عملية البسترة، مقتفيًا أثر "لويس باستور"، ويطعن في الثورة ويسفِّه أحلامها! ويتقمص شخصية ابن الرومي تارة، ويعيش في جلباب أبي حيان التوحيدي أخرى؛ فيهجو من مدحهم بالأمس، ويكتب سطور الهجاء الممض والمقذع مقلدًا صاحب "مثالب الوزيرين".


توسل الكردوسي للسلطة بعناوين مثل "كل سنة وأنت رئيس مصر"، "السيسي لو أراد أن يحكم"، "فضها يا سيسي!"، "سيادة الرئيس! جاوبني، بص لي، قرب"، "ساعات أقوم الصبح.. قلبي حزين!"، وكلها عناوين تشي بأغراض صاحبها، وكما قالوا: الغرض مرض؛ فإن الكردوسي مريض، بل إن مرضه عضال.

وفي خضم الطريقة الكردوسية، وصف صاحب القلب الحزين شباب 25 يناير بـ "المرتزقة"! وأنهم "يبكون بين يدي منى الشاذلي، في حين أنها ذات نفسها ذابت حزنًا وحنانًا وربما "مُحنًا" لدى سماعها خطاب مبارك!"، ثم يعطف الكردوسي على "أحداث يناير" متأثرًا بالقدير حمادة هلال في سيمفونيته "شهداء يناير"، يقول الكردوسي: (في الأيام الأولى لأحداث 25 يناير، قبيل تنحي مبارك، جلس المرتزق الجوجلي وائل غنيم بين يدي منى "وهاتك ياعياط"! كان يبكي شهداء ثورة الفيس بوك، ولم يكد ينطق جملتين –يا كبد أمه- حتى انهار وترك الاستوديو، ومنى تلاحقه...).

لا يختلف "كبد أمه" عن وائل غنيم الذي امتدحه الكردوسي، بل وقارن نفسه به واتضع في المقارنة لدرجة أنه شعر (بالتفاهة) وهو يتابع وائل غنيم وشركاه من رموز ثورة يناير! في غضون عامين انقلب الكردوسي من متيَّم بـ"كبد أمه" إلى ساخطٍ عليه وناقم، ومن قمة موجة كردوسية إلى قاع أخرى! ليصف الكردوسي وائل غنيم بـ"نُغِّة الفيس بوك".

في الفيزياء، يمثل طول الموجة المسافة ما بين قمتين أو قاعين متتاليين، ويمكنك بسهولة ملاحظة طول الموجة الرومية (نسبة لابن الرومي) أو طول الموجة الكردوسية (نسبة للكردوسي)؛ فالمسافة بين مدح موقف أو شخص وهجائه لا تتأخر طويلًا، وربما يتأخر هجاء السيسي مدة بقائه في الحكم؛ فالكردوسي ليس غبيًا لينصرف عن تملق الرئيس الحالي، وسيؤخر وصلة الهجاء إلى أجل مسمى.

لا نقول ذلك رجمًا بالغيب، ولكن الاستقراء يثبت صحة هذا الاعتقاد، والأيام بيننا إلا أن يصل الكردوسي إلى ما يؤمِّله من السيسي، وعندها يطيب التملق ويزداد ألقًا، ويتفوق الكردوسي على من سبقوه من المداحين وضابطي الإيقاع في عصر وحين. وقبل أيام أكال عمرو أديب السباب لعلاء مبارك، وقبل سنوات كان يتمرغ مديحًا لمبارك، والأيام دول، والناس أتباع من جلس على الكرسي، والإعلام تبع لمن ملك.

عندما تقرأ للكردوسي وأمثاله، توقن حقًا أننا في عصر القرود، وتضرب كفًا بكف لتدني مكانة القلم وانحطاط غايات بعض الكتاب؛ فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهَّما، وإلى الله المشتكى.
دلالات