08 نوفمبر 2024
اللبنانيون وذاكرة السمكة
اشتعلت مناطق واسعة من بيروت خلال الأيام الماضية بالاحتفالات. نسي اللبنانيون الأزمات التي يشتكون منها طوال السنوات الماضية، وحتى الأشهر، لينساقوا مجدداً خلف زعاماتهم السياسية والطائفية كل حسب ميوله. مظاهر البهجة كان عنوانها تعيين ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، مع ما يعنيه ذلك من تعايش سياسي قسري بين معسكرين لا جامع بينهما سوى المصالح الفردية لهذا الشخص أو ذاك. فميشال عون محا كل ما قاله وكان يقوله عن شريكه الحالي في الحكم، بهدف تحقيق الحلم الذي طال انتظاره للوصول إلى القصر الجمهوري، والحريري قفز فوق كل الخلافات مع عون للعودة إلى رئاسة الحكومة واستعادة بعض السلطة والمكانة التي فقدها بفعل شح التمويل، سواء الشخصي أو الخارجي.
قد نفهم سبب فرح هذين الشخصين تحديداً لما حققاه، غير أن حالة البهجة الشعبية، والتي تجلت بالمفرقعات والرصاص الحي والمسيرات السيّارة، لا يمكن إيجاد مبرر لها سوى أن اللبنانيين، أو غالبيتهم العظمى على الأقل، لا يزالون قاصرين عن العمل السياسي، والأهواء الطائفية والفئوية لا تزال تتحكم بانفعالاتهم وخياراتهم، هم أنفسهم الذين كانوا قبل أيام يشتمون جميع الزعماء السياسيين بعدما تفاقمت الأزمات المعيشية وتكدست النفايات في الشوارع، وازدادت معدلات البطالة وسط انهيارات متزايدة في القطاعات الاقتصادية، ولا سيما لأصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة.
حتى الخلاف الذي ظهر حول الخيارات السياسية، وتحديداً بعد تأييد الحريري لوصول عون إلى رئاسة الجمهورية، والذي دفع العديد من أنصار الأول إلى الخروج على الملأ لرفض قراره، لم يعد له أثر بعد تسميته رئيساً للحكومة، وعادت المياه إلى مجاريها، على اعتبار أن "السلطة عادت لأصحابها"، بحسب المنطق الذي يعيش عليه أنصار التيارات السياسية في لبنان. الأمر ليس حكراً على الحريري وأنصاره، هو عام لكل من له أهواء سلطوية في البلاد. مؤيدو عون يبنون مواقفهم على المنطق نفسه، وكذلك بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يمكن المساس بمنصبه بالنسبة إلى أنصاره، وكأن المنصب خلق له.
المفارقة أنه بعد وقت قصير، جداً ربما، سيعود هؤلاء المحتفلون، من الأطراف كافة، إلى الشكوى وشتم القيادات نفسها التي كانوا يحتفلون بها، ويتأففون من عجزها عن حل مشاكلهم وأزمات البلاد التي هم أنفسم أحد أسبابها. سيتذكر أنصار الحريري أنه سبق أن كان رئيساً للحكومة في أكثر من مناسبة، وأن أياً من خياراته الاقتصادية والسياسية لم تزد أوضاعهم إلا تردياً.
الأمر نفسه بالنسبة إلى أنصار عون، الذين سيتذكرون أيضاً اعتراضهم على المحاصصة العائلية التي كان يدير بها تياره، والتي ستنتقل معه إلى القصر الجمهوري، وسيتذكر أن موقع الرئاسة لم يعد ذا سطوة سياسية كما كان عليه قبل الطائف، وأن وجود رئيس جمهورية من عدمه ليس إلا مسألة شكلية، والدليل أن الفراغ الرئاسي طوال العامين ونص العام السابقين لم يكن مؤثراً على مجمل العمل المؤسساتي في البلاد، طالما أن هناك حكومة موجودة.
كل هذه الذكريات التي تعود إلى أذهان اللبنانيين، قد تكون مشابهة لذاكرة السمكة، إذ إنها لن تلبث أن تختفي مع اقتراب أي استحقاق انتخابي جديد، وهو قد يكون قريباً مع تحديد موعد الانتخابات التشريعية المقررة في العام المقبل، ليعود هؤلاء إلى الدوامة نفسها، فيدخلون في عمليات التحشيد السياسي والطائفي والمذهبي، والذي يرافق بالعادة أي عملية انتخابية، قبل أن يذهبوا سريعاً إلى صناديق الاقتراع لاختيار ما أملي عليهم. ومع النتائج ستعم الاحتفالات وبعدها ستعود الشكاوى، قبل أن يأتي موسم انتخابي جديد. دورة حياة مشابهة تماماً لدوران السمكة في الحوض المنزلي وهي تظن أن المحيط مفتوح أمامها.
قد نفهم سبب فرح هذين الشخصين تحديداً لما حققاه، غير أن حالة البهجة الشعبية، والتي تجلت بالمفرقعات والرصاص الحي والمسيرات السيّارة، لا يمكن إيجاد مبرر لها سوى أن اللبنانيين، أو غالبيتهم العظمى على الأقل، لا يزالون قاصرين عن العمل السياسي، والأهواء الطائفية والفئوية لا تزال تتحكم بانفعالاتهم وخياراتهم، هم أنفسهم الذين كانوا قبل أيام يشتمون جميع الزعماء السياسيين بعدما تفاقمت الأزمات المعيشية وتكدست النفايات في الشوارع، وازدادت معدلات البطالة وسط انهيارات متزايدة في القطاعات الاقتصادية، ولا سيما لأصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة.
حتى الخلاف الذي ظهر حول الخيارات السياسية، وتحديداً بعد تأييد الحريري لوصول عون إلى رئاسة الجمهورية، والذي دفع العديد من أنصار الأول إلى الخروج على الملأ لرفض قراره، لم يعد له أثر بعد تسميته رئيساً للحكومة، وعادت المياه إلى مجاريها، على اعتبار أن "السلطة عادت لأصحابها"، بحسب المنطق الذي يعيش عليه أنصار التيارات السياسية في لبنان. الأمر ليس حكراً على الحريري وأنصاره، هو عام لكل من له أهواء سلطوية في البلاد. مؤيدو عون يبنون مواقفهم على المنطق نفسه، وكذلك بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يمكن المساس بمنصبه بالنسبة إلى أنصاره، وكأن المنصب خلق له.
المفارقة أنه بعد وقت قصير، جداً ربما، سيعود هؤلاء المحتفلون، من الأطراف كافة، إلى الشكوى وشتم القيادات نفسها التي كانوا يحتفلون بها، ويتأففون من عجزها عن حل مشاكلهم وأزمات البلاد التي هم أنفسم أحد أسبابها. سيتذكر أنصار الحريري أنه سبق أن كان رئيساً للحكومة في أكثر من مناسبة، وأن أياً من خياراته الاقتصادية والسياسية لم تزد أوضاعهم إلا تردياً.
الأمر نفسه بالنسبة إلى أنصار عون، الذين سيتذكرون أيضاً اعتراضهم على المحاصصة العائلية التي كان يدير بها تياره، والتي ستنتقل معه إلى القصر الجمهوري، وسيتذكر أن موقع الرئاسة لم يعد ذا سطوة سياسية كما كان عليه قبل الطائف، وأن وجود رئيس جمهورية من عدمه ليس إلا مسألة شكلية، والدليل أن الفراغ الرئاسي طوال العامين ونص العام السابقين لم يكن مؤثراً على مجمل العمل المؤسساتي في البلاد، طالما أن هناك حكومة موجودة.
كل هذه الذكريات التي تعود إلى أذهان اللبنانيين، قد تكون مشابهة لذاكرة السمكة، إذ إنها لن تلبث أن تختفي مع اقتراب أي استحقاق انتخابي جديد، وهو قد يكون قريباً مع تحديد موعد الانتخابات التشريعية المقررة في العام المقبل، ليعود هؤلاء إلى الدوامة نفسها، فيدخلون في عمليات التحشيد السياسي والطائفي والمذهبي، والذي يرافق بالعادة أي عملية انتخابية، قبل أن يذهبوا سريعاً إلى صناديق الاقتراع لاختيار ما أملي عليهم. ومع النتائج ستعم الاحتفالات وبعدها ستعود الشكاوى، قبل أن يأتي موسم انتخابي جديد. دورة حياة مشابهة تماماً لدوران السمكة في الحوض المنزلي وهي تظن أن المحيط مفتوح أمامها.