عادت الأمور لتهدأ بين حركة "النهضة" وحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" (حزب الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي)، بعد الجدل الكلامي الذي دار بين قياديين من الحركتين التونسيتين، مع سعي المرزوقي إلى التخفيف من أهميته في حواره التلفزيوني الأخير لإحدى القنوات الخاصة.
الخلاف الذي بدا جوهريّاً في خصوص الاستراتيجية الانتخابية لكلا الفريقين، قّلل المرزوقي من أهميته، وتجاهل تقريباً موقف المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، لطفي زيتون، من مقترح "المؤتمر" في خصوص الصراع بين "جبهة 18 أكتوبر" (التي جمعت قبل الثورة قوى المعارضة ضد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي،) و"منظومة 7 نوفمبر" نسبة لحزب "التجمع" المحل.
ووجّه المرزوقي خطابه مباشرة إلى الغنوشي، مؤكداً "أن لديه ثقة كبيرة في حكمته ووطنيته وصدقه"، مذكّراً بصداقة الثلاثين عاماً التي جمعتهما في النضال، وتجمعهما في القيم.
غير أنه توجّه أيضاً إلى قواعد حركة "النهضة" الذين سمّاهم بـ"شعب النهضة"، معبّراً عن ثقته فيهم وفي حسن اختيارهم، معتبراً أنه الأجدر بهذا الخيار (الرئاسة)، لأنه "يستطيع وحده توحيد البلاد، بينما جميع الأطراف تُريد أن تفرّق"، ومؤكداً أنه كسب ثقة الإسلاميين على الرغم من أنه علماني، وكسب ثقة العلمانيين لأنه المدافع الصادق عن قيم حقوق الإنسان والحريات.
المرزوقي كان حريصاً ليؤكد أنه ليس مرشح أي حزب، وأنه بهذا لا يخطب ودّ "النهضة"، وليس مرشحها التوافقي (وهو ما أكده سابقاً في حواره لـ"العربي الجديد" حين اعتبر فكرة المرشح التوافقي كلاماً فارغاً)، ولكنه أكد أن علاقته بـ"النهضة" وبالغنوشي أكبر من خلاف الأيام الأخيرة.
وحاول الرئيس التونسي في خطابه المباشر أن يُعدّل أوتار العلاقة بين حزبه وشخصه وحركة "النهضة"، ويبدو أنه في الوقت نفسه أعاد ترتيب بيته من الداخل ووضع حداً لاندفاع بعض معاونيه، وهو ما جاء بنتيجة سريعة، فقد عاد عدنان منصر مدير الحملة الانتخابية للمرزوقي، إلى موضوع "التلاسن" الذي جرى بينه وزيتون لينفي وجود قطيعة بين "المؤتمر" وحركة "النهضة"، أو بين أي أحزاب وحركات جمعتها معهم مرحلة مقاومة الديكتاتورية، ولكنه أشار إلى بعض الخلافات بين بعض المناضلين من الحركتين، ولكنها لا يمكن أن ترقى إلى مستوى الأزمة أو التصدع بين الحزبين على حدّ تعبيره، ومؤكدا أن أي تحالف مقبل لا يمكن أن يتم إلا مع هذه الحركات.
وفي السياق نفسه، أعلن الأمين العام لحزب "المؤتمر" عماد الدايمي "أن تحالف حزبه مع حركة "النهضة" هو تحالف استراتيجي من أجل إنقاذ المسار الانتقالي، وليس من أجل الكراسي والمناصب"، مؤكداً أن حزب "المؤتمر" متمسك بهذا التحالف رغم ما سماه بـ"الضغوطات الداخلية والخارجية".
هذه التصريحات جاءت لتخفّف من حدة الخلاف الذي سُجِّل في الآونة الأخيرة بين الطرفين على لسان مسؤولين من الصف الأول من كلا الجهتين، والذي كان يؤشر إلى حصول قطيعة حقيقية بين "النهضة" و"المؤتمر"، ولكنها لا تخفي وجود أساس حقيقي لهذا الخلاف الذي برزت بوادره منذ خروج الترويكا من الحكم على الرغم من أنها لم تصل إلى هذا الحد سابقاً، وحافظ المرزوقي والغنوشي على علاقتهما وتنسيقهما في أكثر من محطة سياسية مهمة مرّت بها تونس.
من جهة أخرى، لوحظ تحفّظ واضح من جانب مسؤولي حركة "النهضة" في خصوص هذا الموضوع بالذات، وتوقفت التصريحات والتعقيبات المتواترة التي شهدتها الأيام الأخيرة من جهة الحركة وخصوصاً من زيتون، الذي رأى كثيرون أن ما قاله لم يكن رأياً شخصيّاً بقدر ما كان تعبيراً عن موقف ما داخل الحركة، وهي طريقة كثيراً ما اعتمدتها "النهضة" في التعبير عن مواقفها من بعض القضايا المهمة التي تُطرح أمامها، قبل أن تتحول إلى موقف رسمي.
ولا تبدو "النهضة" مستعدة في الآونة الأخيرة لخلق خلاف مع أي طرف سياسي عشية الانتخابات التشريعية، يمكن أن يُشوش على حملاتها أو تركيزها المطلق على موعد الانتخابات المقررة الأحد المقبل، ولا يبدو كذلك أنها راغبة في خلاف سياسي، في الوقت الذي تدعو فيه إلى الوحدة الوطنية وجمع كل الطيف السياسي التونسي بعد الانتخابات. وأخيراً لا تبدو الحركة مستعدة "لخسارة مجانية" لقوة سياسية يمكن أن تعتمد عليها بعد الانتخابات، خصوصاً وأن نتائج الانتخابات المقبلة لم تتضح بعد وانعكاساتها بعيدة عن منطق التوقع السياسي، في ظل تصريحات الأطراف المنافسة.