08 نوفمبر 2024
المصريون وفعل الندامة
في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات، كان كثير من المصريين متحمسين لـ "الثورة الجديدة" التي قاموا بها ضد حكم الرئيس محمد مرسي. "ثورة" ظنّوا أنها تصحيحية لمسار 25 يناير، وإزالة حكم "الإخوان المسلمين"، وبدء مسار ديمقراطي آخر منفصل عنهم. بغض النظر عن سذاجة هذا التفكير في ذلك الوقت، وعن أن المسار الديمقراطي هو الذي أوصل "الإخوان" إلى الحكم، يمكن الوقوف، قليلاً أو كثيراً، عند حال المصريين اليوم، ومراقبة ما أنتجه "مسار التصحيح" الذي لا يزال يقود البلاد إلى الهاوية.
السمة العامة لمتابعة أحاديث شبانٍ مصريين كثيرين شاركوا في مسيرات 30 يونيو بداية، هي تلاوة فعل الندامة على ما اقترفته أيديهم، من لحظة التوقيع على استمارات "تمرّد"، والتي كانت دولة الإمارات العربية تقف وراءها، مروراً بالاحتفال ببيان الانقلاب في الثالث من يوليو الذي أطاح حكم مرسي، وصولاً إلى تفويض عبد الفتاح السيسي وانتخابه رئيساً للبلاد في ما بعد.
كثيرون بدأوا فعل الندامة باكراً، وتحديداً بعد اتضاح معالم الحكم الجديد في مصر، والعودة إلى السيطرة العسكرية الكاملة على البلاد، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وبدء الاعتقالات العشوائية لكل التحركات المعارضة، وإسكات كل الأصوات التي تغرّد خارج سرب التسبيح بحمد السيسي وانقلابه، باعتباره منقذ البلاد من "الإخوان الإرهابيين"، كما يحلو لفريق التطبيل في الإعلام المصري وصفهم. غير أن معطيات تدهور السياسة والحريات لم تكن كافيةً بالنسبة لعامة الشعب في مصر، الذين كانوا يترقبون العيش الرغيد الذي وعدهم به الرئيس العتيد، بعدما طلب منهم "الصبر سنتين فقط" لتصبح مصر "قد الدنيا".
ملايين صدّقوا وصبروا، إلا أن السنتين تحولتا إلى أربع، والأمور من سيئٍ إلى أسوأ، وجاء القرار أخيرا رفع أسعار المشتقات النفطية ليفاقم الأزمات التي يعاني منها المصريون الذين زادت علامات نقمتهم على نظام الحكم في البلاد، وخصوصاً من النواحي الاقتصادية. ولم يكن القرار الخاص بالمشتقات النفطية الأول من نوعه، إذ سبق للحكومة أن رفعت سعر البنزين مرتين، وارتفعت فاتورة الكهرباء والمياه إلى ثلاثة أضعاف. وإذا كانت المعطيات الاقتصادية معيار النجاح بالنسبة إلى الذين فوّضوا السيسي، ورقصوا له أمام اللجان الانتخابية، يمكن إضافة تعويم الجنيه المصري إلى القائمة، ووصول سعر الدولار الواحد إلى 18 جنيهاً، بعدما كان بستة جنيهات، وارتفاع الدين الداخلي إلى 3 ترليونات جنيه، بعد فتح باب الاكتتاب في مشروع قناة السويس الذي أثبت فشله المطلق، والدين الخارجي إلى 65 مليار دولار، بعد اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
لا تقف إنجازات السيسي، خلال فترة حكمه، عند هذا الحد، إذ إنه شق مساراً للتفريط بالحقوق المصرية، بدأه من الاعتراف عملياً بأحقية إثيوبيا في مياه النيل في ظل أزمة سد "النهضة"، ووصل به إلى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، على الرغم من كل الأحكام القضائية التي أكدت أنهما مصريتان. وقد لا يقف التفريط عند هذا الحد في ظل الحديث المتزايد عن مشروعٍ أوسع للتنازل عن جزء من شمالي سيناء، في إطار "صفقة" حل القضية الفلسطينية مستقبلاً.
مسار طويل من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والقمع يدفع ملايين المصريين اليوم إلى الإقرار بالندم. لكن ربما بعد فوات الأوان، بعدما أحكمت القبضة الأمنية سيطرتها على البلاد. غير أن المشكلة الكبرى ليست فقط في الحكم العسكري المستفحل، بل في وجود ملايين آخرين من المصريين يرون في كل ما سبق مقدمة لـ "مستقبل مشرق".
السمة العامة لمتابعة أحاديث شبانٍ مصريين كثيرين شاركوا في مسيرات 30 يونيو بداية، هي تلاوة فعل الندامة على ما اقترفته أيديهم، من لحظة التوقيع على استمارات "تمرّد"، والتي كانت دولة الإمارات العربية تقف وراءها، مروراً بالاحتفال ببيان الانقلاب في الثالث من يوليو الذي أطاح حكم مرسي، وصولاً إلى تفويض عبد الفتاح السيسي وانتخابه رئيساً للبلاد في ما بعد.
كثيرون بدأوا فعل الندامة باكراً، وتحديداً بعد اتضاح معالم الحكم الجديد في مصر، والعودة إلى السيطرة العسكرية الكاملة على البلاد، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وبدء الاعتقالات العشوائية لكل التحركات المعارضة، وإسكات كل الأصوات التي تغرّد خارج سرب التسبيح بحمد السيسي وانقلابه، باعتباره منقذ البلاد من "الإخوان الإرهابيين"، كما يحلو لفريق التطبيل في الإعلام المصري وصفهم. غير أن معطيات تدهور السياسة والحريات لم تكن كافيةً بالنسبة لعامة الشعب في مصر، الذين كانوا يترقبون العيش الرغيد الذي وعدهم به الرئيس العتيد، بعدما طلب منهم "الصبر سنتين فقط" لتصبح مصر "قد الدنيا".
ملايين صدّقوا وصبروا، إلا أن السنتين تحولتا إلى أربع، والأمور من سيئٍ إلى أسوأ، وجاء القرار أخيرا رفع أسعار المشتقات النفطية ليفاقم الأزمات التي يعاني منها المصريون الذين زادت علامات نقمتهم على نظام الحكم في البلاد، وخصوصاً من النواحي الاقتصادية. ولم يكن القرار الخاص بالمشتقات النفطية الأول من نوعه، إذ سبق للحكومة أن رفعت سعر البنزين مرتين، وارتفعت فاتورة الكهرباء والمياه إلى ثلاثة أضعاف. وإذا كانت المعطيات الاقتصادية معيار النجاح بالنسبة إلى الذين فوّضوا السيسي، ورقصوا له أمام اللجان الانتخابية، يمكن إضافة تعويم الجنيه المصري إلى القائمة، ووصول سعر الدولار الواحد إلى 18 جنيهاً، بعدما كان بستة جنيهات، وارتفاع الدين الداخلي إلى 3 ترليونات جنيه، بعد فتح باب الاكتتاب في مشروع قناة السويس الذي أثبت فشله المطلق، والدين الخارجي إلى 65 مليار دولار، بعد اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
لا تقف إنجازات السيسي، خلال فترة حكمه، عند هذا الحد، إذ إنه شق مساراً للتفريط بالحقوق المصرية، بدأه من الاعتراف عملياً بأحقية إثيوبيا في مياه النيل في ظل أزمة سد "النهضة"، ووصل به إلى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، على الرغم من كل الأحكام القضائية التي أكدت أنهما مصريتان. وقد لا يقف التفريط عند هذا الحد في ظل الحديث المتزايد عن مشروعٍ أوسع للتنازل عن جزء من شمالي سيناء، في إطار "صفقة" حل القضية الفلسطينية مستقبلاً.
مسار طويل من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والقمع يدفع ملايين المصريين اليوم إلى الإقرار بالندم. لكن ربما بعد فوات الأوان، بعدما أحكمت القبضة الأمنية سيطرتها على البلاد. غير أن المشكلة الكبرى ليست فقط في الحكم العسكري المستفحل، بل في وجود ملايين آخرين من المصريين يرون في كل ما سبق مقدمة لـ "مستقبل مشرق".