رغم مرور عامين على الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له حركة "إلى الأمام" (En Marche، حملة إيمانويل ماكرون الرئاسية) قبيل الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017، لم تتمّ حتى الساعة محاسبة أيٍّ من المتورّطين في القرصنة. وكانت عملية الاختراق قد طاولت 150 ألف رسالة إلكترونية، ووثيقة تابعة لخمسة ناشطين في En Marche، تمّ نشرها على الإنترنت قبل يومين من الدورة الثانية للانتخابات. وعبّرت الطبقة السياسية الفرنسية وقتها عن إدانتها القوية لما حصل. كما وعد رئيس الجمهورية حينذاك، فرانسوا هولاند، بردّ قاسٍ.
تُبرز المعلومات التي حصلت عليها صحيفة "لو موند" الفرنسية أنّ التحقيقات حول هذه القضية اصطدمت بصعوبات تقنية، وأيضاً "ببعض الوقاحة" من قبل أجهزة الدولة التي لم تجعل من البحث عن مرتكبي القرصنة أولوية بالنسبة إليها.
وتعود الصحيفة إلى يوم الخامس من مايو/أيار 2017. يومها كان الصمت الانتخابي يقترب، وكان فريق ماكرون واثقاً من فوزه. وقتها خرجت تقارير تتخوّف من عمليات قرصنة هدفها ضرب العملية الانتخابية. لكن كل الحملات كانت تؤكد أن الأمر مبالغ فيه. في تلك الليلة، تفاجأ الناشطون في حركة "أن مارش" بأن محتوى 5 إيميلات لناشطين في الحركة بات منشوراً على شبكة الإنترنت بعد اختراقها.
بسرعة قررت الحركة استدراك الكارثة: صدر بيان يدين العملية وزّعته الحركة على وسائل الإعلام، ثمّ أطلعت "اللجنة الوطنية لمراقبة الحملة الانتخابية" على كل التطورات.
وفي منتصف تلك الليلة وصل ثلاثة من موظفي "الوكالة الوطنية لسلامة النظم المعلوماتية"، وجلسوا مع منير محجوبي وألكسندر كارايون، المسؤولين التقنيين في حملة ماكرون منذ صيف 2016. هناك حصلوا على حق فتح حواسيب الضحايا الخمس، إضافةً إلى فتح تحقيق أولي حول القرصنة.
وتتعجب الصحيفة، لأن التحقيق القضائي لم يستمع إلى أي من ضحايا القرصنة الخمس، رغم وجود عناصر أساسية مُلفتة. ومن بينها أن أحد الضحايا تلقى قبل عدة أسابيع، بريداً إلكترونياً بدا كأنه يحتوي على برمجية خبيثة. كما تعرّض بريد أحد كوادر الحملة الآخرين إلى الاختراق، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، بينما سُرق حاسوب ناشط آخر صبيحة يوم القرصنة. فيما اعترف شخص آخر من "أن مارش" أن قراصنة سرقوا أحد إيميلاته وأرسلوا منه رسائل خبيثة إلى قائمة معارفه.
والطريف بحسب الصحيفة الفرنسية أن النائب البرلماني ألان توري ــ أحد ضحايا القرصنة ــ تقدّم بشكوى قضائية في مايو/أيار 2017، ليكتشف لاحقاً أنه تمّ التحفّظ عليها. وبررت النيابة العامة ذلك بـ"غياب التعاون بين الجهات المعنية، خصوصاً شبكة كلاودفلير وموقعَي غوغل وتويتر".
تنتقل الصحيفة في تحقيقها المطوّل، للبحث عن سبب كل هذه الإخفاقات القضائية والأمنية، في معاقبة المسؤولين عن عملية القرصنة. فتشير إلى أن عملية الاختراق هذه شَلَّت مختلف أجهزة الدولة، تماماً كما فعلت مع حركة ماكرون السياسية. بينما وجد خبراء "الوكالة الوطنية لسلامة النظم المعلوماتية" أنفسهم، أمام غموض قضائي منعهم من استكمال عملهم.
وفي خلاصتها رأت "لو موند" أنّ "تحقيقاً مفصَّلاً كان سيشير إلى بعض الحقائق التي لن تروق لحزب الرئيس". ومع ذلك تستنتج الصحيفة أن ما حصل، والإهمال الكبير الذي رافق التحقيقات، أدّى إلى اتخاذ بعض العبر. فمنذ انتخاب ماكرون، وضعت قوانين صارمة تتناسب مع تعليمات السلامة الإلكترونية التي لم تكن متَّبعة في الإيليزيه، مثل حظر الهواتف المحمولة في مجلس الدفاع.