خبراء يحذرون من مخاطر المقاطعة على اقتصادات الخليج

01 مايو 2018
متظاهرون بجنيف ضد استمرار مقاطعة قطر (Getty)
+ الخط -


 مع اقتراب الأزمة الخليجية من دخول عامها الأول دون أفق للحل، يرى مختصون وخبراء أنه من الضروري على الدول الأطراف فيها أخذ الدعوات الأخيرة لإنهائها بجدية حماية لاقتصاد المنطقة لأن استمرارها قد يخلف آثاراً اقتصادية سلبية ليس فقط على هذه الدول بل واقتصادات المنطقة ككل.

ونبهوا إلى أنه حتى وان كانت المؤشرات الحالية في الدول الخليجية الأطراف في الأزمة تظهر تأثيرات اقتصادية محدودة أو يمكن استيعابها على المدى القريب مع مخزونات النفط والغاز والاحتياطات الأجنبية الضخمة والفوائض المالية، إلا أنه لا يجب  عدم الركون إلى هذه المعطيات لأن التحديات الجيوسياسية والمتغيرات الاقتصادية قد تفرض واقعاً آخر.

وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في الخامس من يونيو/حزيران الماضي على خلفية اتهامها بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم وتمويل الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة بشدة. وفرضت الدول الأربع على الدوحة مقاطعة دبلوماسية واقتصادية وأغلقت منافذها البرية والبحرية والجوية معها ضمن إجراءات عقابية أخرى.

ولم تفلح كافة جهود الوساطة من قبل الكويت والولايات المتحدة الأميركية ودعوات أطلقتها دول عربية وإقليمية ودولية في إنهاء هذه الأزمة.لكن في الآونة الأخيرة، تزايدت النداءات الدولية الداعية لإنهاء الأزمة.

وانطلقت جل هذه النداءات من الحليف الأميركي لطرفي الأزمة، إذ دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الجاري، وفي أكثر من مناسبة قادة هذه الدول إلى ضرورة إنهاء النزاع الخليجي، وهي الدعوة نفسها التي وجهها أمس الأحد وزير خارجيته الجديد مايك بومبيو أثناء زيارته للسعودية في أول زيارة له للمنطقة.

وقال الخبير الاقتصادي حسن العلي لوكالة الأنباء  الصينية (شينخوا) " دون شك فإن استمرار الأزمات عامة لا يصب في مصلحة أحد، هو تشتيت لجهود التنمية وتوجيه للأموال لقنوات أخرى تستنزف الاقتصاد وتنهكه وتعطل مسيرة النمو والبناء".

وأضاف العلي "الأمر نفسه ينسحب على الأزمة الخليجية، فاستمرارها يعرقل التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة ويعطل تدفق السلع ويؤدي إلى عزوف المستثمرين ويغذي التوترات التي تعرقل التنمية".

واستشهد في هذا السياق بإحصائية مجلس التعاون الخليجي عن بلوغ قيمة التجارة البينية المتوقفة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر تقدر بحوالى 9 مليارات دولار، أو 87% من حجم التبادل التجاري بين الدوحة ودول الخليج.

ولفت إلى أن هناك أيضاً تداعيات على معدلات النمو والتضخم والبطالة، وضبابية تلف مستقبل المشاريع الخليجية الموحدة التي كان يجري العمل عليها كمشروع الربط الكهربائي الموحد والسكة الحديدية الموحدة وغيرها من مشروعات التكامل.

وأكد العلي أن دعوات حل الأزمة ينبغي أخذها بجدية والاستجابة لها تجنبا لأي تأثيرات لا تحمد عقباها في منطقة تموج بالصراعات وتتزايد فيها حالة عدم اليقين الاقتصادي.

وتشترط الدول الأربع موافقة قطر على قائمة مطالب لإعادة العلاقات، من بينها إغلاق القاعدة العسكرية التركية وقناة "الجزيرة" الفضائية وتخفيض مستوى العلاقة مع إيران، وتسليم مطلوبين للدول الأربع متواجدين حالياً على الأراضي القطرية.

ورفضت قطر هذه المطالب، وأبدت مراراً استعدادها للجلوس إلى طاولة الحوار مع الدول الأربع لكن بعيداً عن الإملاءات وبما لا يمس سيادة الدول.

واتفق رجل الأعمال والمدير العام لشركة (سمارت ويل) للاستشارات والتكنولوجيا الذكية عادل اليافعي مع طرح العلي، موضحاً أن هناك تحديات جيوسياسية جراء الأزمات المشتعلة في المنطقة، ومتغيرات اقتصادية من تقلبات أسواق الطاقة على اقتصادات منهكة جراء الصراعات.

وأضاف اليافعي في حديثهللوكالة الصينية، "إلى جانب هذا تعتقد دول الأزمة أن آثارها محدودة وأنها قادرة على احتوائها، لذا ما تزال الأطراف متشبثة بمواقفها حتى أننا سمعنا تصريحات تلوح باستمرارها لسنوات وأخرى تؤكد القدرة على تحملها لسنوات، وقد يكون هذا صحيحاً على المدى القصير لأن هذه الدول غنية بالنفط والغاز وتحقق فوائض مالية وتملك احتياطيات نقدية ضخمة لكنه لن يكون مناسباً على المدى الطويل".

وبين أن المعطيات السياسية والاقتصادية السابقة مضافاً إليها استمرار الأزمة بين دول الخليج التي كانت تمثل بيئة مستقرة ومناخاً آمناً للاستثمار تضعف مؤشر ثقة الأعمال وتؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وانحسار الاستثمار وبالتالي إضعاف النمو الاقتصادي ليس في قطر وحدها بل كامل دول المنطقة.

ويذهب إلى هذا الرأي الباحث والمحلل الاقتصادي هيثم إبراهيم الذي قال لـ (شينخوا)، إن آثار الأزمة لم تنحصر في الدول الشريكة فيها بل امتدت لدول أخرى مجاورة اقتصاداتها أقل متانة مثل الأردن ولبنان.

وذكر إبراهيم أن قطر كانت تستورد 80% من احتياجاتها الغذائية من جيرانها، منها 40% عبر منفذ سلوى البري الحدودي مع السعودية الذي بات الآن مغلقاً أمام صادرات الأردن ولبنان وجعل الخيارات البديلة للتصدير أكثر كلفة للجانبين.

واستشهد في هذا الصدد بالأردن، الذي قال إن الأزمة أدت إلى تعثر صادراته لقطر التي كانت تستأثر بـ 11 بالمائة من صادراته الزراعية وهو ما أدى إلى 15 مليون دولار من الخسائر المباشرة للمزارعين في أول شهرين من الأزمة بسبب تعذر التصدير براً والتوجه المكلف نحو التصدير جواً.

وأشار إلى أنه على الجانب الآخر، ارتفعت كلفة الصادرات القطرية للأردن لاسيما صادرات مدخلات الإنتاج من مواد معدنية ونفطية والتي يحتاجها القطاع الصناعي بشدة فيما توقفت الاستثمارات التي كان يعتزم رجال أعمال قطريون القيام بها هناك.

وخلص الخبراء، استناداً إلى ما سبق، إلى أن استمرار الأزمة لا يصب في مصلحة اقتصادات دول المنطقة، مؤكدين أن السبيل لتنفيذ الرؤى الاقتصادية الطموحة لدول الخليج وحماية اقتصادات المنطقة الهشة يتمثل في الاستجابة لدعوات حل الأزمة لإشاعة أجواء من الاستقرار السياسي الذي سيؤدي بدوره إلى استقرار بيئة الاقتصاد والاستثمار بدلا من الانزلاق نحو مآلات قاتمة.
(العربي الجديد)