ترويض الفتوات

20 يناير 2019
+ الخط -
غيّرت التقنية وجه الأرض، وتركت بصماتها على كل مظاهر الحياة، وابتكرت طرقًا جديدة لترويض الفتوات، لم يعرفها عرابي! وحتى عام 1930، كان عرابي فتوة العباسية، والأمن العام يستفيد من نظام الفتوة، لكنّ رياحاً عاتية قوضت عرش الفتوات، نفس الريح التي أقصت هارفي وينستن، شارلي روز، كيفن سبيسي، مايكل دوغلاس، داستن هوفمان، بيل كوسبي وغيرهم؛ إنه بعبع التحرش.

توجه شاب من العباسية لمنطقة القبيسي وعاكس فتاة من بنات المنطقة فضربه فتوة القبيسي ضربًا مبرحًا، وسمع عرابي الخبر فأخذته العزة بالإثم وانطلق برجاله الأشاوس مهاجمًا القبيسي، وأحدث فوضى عارمة، لم ينسق عرابي مع الإنكليز وتصرف "من دماغه".

في هذه الآونة، الانبطاح سيد الموقف وثمراته أكثر نفعًا من الفتوة، وهذا مصطفى النحاس (باشا) يخاطب الملك فاروق دون مقدمات: مولاي! إن لي عندك رجاءً أنا مصمم أن أناله؛ فأجابه الملك بامتعاض: وما هو؟! قال: أن أقبِّلَ يدك!

بهذه الجملة بدأ الوفد وزارته الثانية! ولما سأله الناس عن رأيه في بعض المشكلات، أجابهم: إن في (كابري) قِبلة نتجه إليها جميعًا! وكان فاروق يصطاف في جزيرة كابري الإيطالية.


ظن عرابي أن الفتوّة تفي بالغرض ولو أنه درس فن التملق والتطبيل لأكل الشهد، واستمرت أوركسترا مسخ الجوخ ويبدو أنها ممتدة؛ فيوم قال بعض المحافظين لعبد الناصر: "أعطِ القانون إجازة"؛ ابتسم له الحظ ونال رتبة وزير لأنه (ربما) عبّر عن شعار المرحلة!

كانت السكينة سارقة عرابي، ولم يحسب حساباته، وخدعته الفتوة عن الحقيقة.

لم تأتِ التصرفات العرابية على هوى المستعمر، ولا بد من تحجيم عرابي وتأديبه وألا يترك حبله على غاربه حتى لا يبالغ ويفتح عينه فيهم لاحقًا؛ فقرروا إذلاله بين رجاله وسجنوه عشرين عامًا، ولما خرج من سجنه وضعوه تحت مراقبة دائمة وتوارى عرابي عن الأضواء في "قهوة عرابي".

لم ينتفع عرابي بالعلاقات الدبلوماسية مع الإنكليز، ولم ينتبه إلى حقيقة أن للفتوة مدارًا لا ينبغي أن تخرج عنه، وخطة لا يتعين عليه أن يحيد عنها.

وقبل أيام تمرد عرابي للمرة الثانية وعاد إلى الأضواء واهمًا أن الدنيا على هواه، وبعدما أمضى ردحًا طويلًا من عمره في محل أكل عيشه، نزل الميدان وهلّل وطبّل ونال القبول والتقريب ووسام العرفان وحاز التكريم وعضوية البرلمان، لكنه ما لبث أن رفع راية الاعتراض وإن لم يرفع راية العصيان؛ فحانت ساعة التأديب ونفحة التعذيب، ساعة الذبح بسكين باردة وليتها كانت ضربة بسيف الفرزدق لكنها لبست ثياب التقنية، وفي شكل قنبلة بسلاح مواقع التواصل.

انتشرت سريعًا صورة تجمع عرابي بكاتبة حسناء، بنفس طريقة تسريب بيل سوليفان صورًا لمارتن لوثر كينغ للضغط عليه، وأكدت الحسناء زواجهما ونفى عرابي! وسيلة رخيصة لم يتوقعها عرابي وإن استعملها دافع عن متحرش مغتصب، وسرعان ما انقلب السحر على الساحر.

حاول عرابي درء الشبهة عن نفسه وقبل أن يستفيق من الصدمة اعتورته طعنة نجلاء؛ فانتشر فيديو فاضح يجمع عرابي بفنانتين شابّتين واتسع الخرق على الراتق؛ فإن دفع عرابي عن نفسه شبهة الصورة؛ فكيف يصنع بالفيديو؟!

لم ينتفع عرابي بما قدمه من قبل، ولن يفيده الندم فعلى طريقة الكبار "غلطة الشاطر بألف"، وأعادنا لفيديو حسام أبو الفتوح والفنانة دينا!

ويطل برأسه سؤال: هل تقنية الصور والفيديو والسيديهات تستعمل للدفاع عن النفس فحسب؟ هي إذن تعمل بمنطق رياضة الأيكيدو، لها رد فعل قوي ومناسب وفوري ولا تقتضي مباغتة الخصم، وهل يردد عرابي الآن مع سارتر: الآخر هو الجحيم! ومن المقصود "بالآخر" يا عرابي؟!
دلالات