أصبحت فكرة التعليم المنزلي المبكر خطوة أساسية لتنمية مهارات المعوَّقين، وذلك كمرحلة أولى قبل دمجهم بالمدرسة، ليستطيعوا مواكبة زملائهم تعليمياً بسبب ما يعانونه من التأخر الاستيعابي والدراسي.
التعليم المنزلي المنظم يعمل من خلاله الوالدان مع المتخصصة المعنية بتجهيز برنامج تعليمي متكامل للطفل في المنزل، من خلال متابعة حالته بانتظام من قبل المتخصصة، التي تحدد نقاط ضعفه ونقاط تميزه، وبها تعد برنامجه التعليمي الخاص، وينتشر هذا النوع من التعليم في الجزائر.
خبرة جزائرية
تقول والدة حميد البالغ من العمر 8 سنوات: "ابني عصبي، بطيء الاستيعاب، متأخر في الكلام، بدأت معه التعليم المنزلي من عمر عام، كان لا يطاق من كثرة الركض وضربه وعضه كلّ من حوله، وكنت لا أستطيع استقبال الضيوف في البيت بسبب ما يقوم به، وككل الأمهات حاولت أن أبحث عما يسليه ويشغله كالهاتف النقال والتلفاز، وما زاد أموره تعقيداً، أنه كان لا ينام أكثر من أربع ساعات يومياً، فاستعنت بمتخصصة بدأت معه ببعض تمارين تنشيط الجهاز العصبي، وطلبت منع الإلكترونيات تماماً".
"وبعد أن دخل المدرسة فضلت دمجه مع العاديين، وطلبت المديرة أن أكتب تعهدا بأنني المسؤولة عن النتائج، واستعنت بمتخصصة تأتي إلى البيت ثلاثة أيام في الأسبوع، لمدة لا تقل عن أربع ساعات يومياً، وبدأت هي بإعادة تشخيص الحالة.
تدريب الأمهات
وعن البرامج التعليمية الخاصة به تضيف قائلة: "ساعدتني المتخصصة في اقتناء الوسائل التعليمية المناسبة له، والتي تعتمد على طريقة مونتيسوري، من خلال الفك والتركيب، وبعض الألعاب التي تغرس فيه القيم والسلوكيات والقيم العقائدية الأساسية، وخلال عام من متابعة المتخصصة في البيت أصبح يستطيع أن يقول جملة متكاملة.
وكانت المتخصصة ترافقنا للمدرسة، وتطلب من المعلمين ما يجب تغييره، وتوضح لهم طريقة معاملته، وقد اشتركت له أيضاً في بعض التمارين الرياضية المناسبة، التعليم المنزلي يعطي لذوي الإعاقة ثقة تدفعه للمشاركة المجتمعية في البيت وفي المدرسة، ويدرك ما حوله بشكل أفضل".
ونظراً لأهمية دور معلم ذوي الاحتياجات الخاصة قدمت جامعة قاصدي مرباح – بورقلة الجزائر دراسة علمية تبين أهمية التعليم المتخصص بسبب المهمة الصعبة التي تنتظر معلم التربية الخاصة، قدرتهم على تدريب الأمهات على ممارسة التعليم المنزلي.
وفي تجربة فريدة من نوعها لتدريب الأمهات، تقول سامية الشريف والدة طفلة تبلغ من العمر 6 سنوات وتعاني من الإعاقة الذهنية المتوسطة: "اعتمدت على برنامج بورتج بجانب نظام المنتسوري، والذي ساعدني في التعامل مع ابنتي، فأنا على قناعة أن التعليم المنزلي سيفيدها بجانب المدرسة، وأن لي دورا كبيرا في ذلك إن توافرت لدي العزيمة القوية، فقد ساعد سيرين من خلال تزويدها بالمهارات اليومية، وساعدني على رعايتها من دون أن أشعر أنها كائن ثقيل يعيش في البيت يأكل ويشرب فقط، فالمتخصصة تعتمد على الوسائل الحسية والحركية، وهذا له أبعاد نفسية بتعريفي بنقاط ضعفها ونقاط تميزها، بل إنها صممت لسيرين برنامجاً خاصا بها استطعت به أن أكمل معها وحدي".
اقرأ أيضا: ذوو الإعاقة.. متى يكون الدمج بالمدارس ناجحا؟
التعليم المبكر
وتتفق معها ياسمين، التي يبلغ ابنها الذي يعاني من متلازمة داون 8 سنوات: "تخليت عن الخوف وبدأت مع ابني من عمر 8 أشهر تدريبات من المساج (التدليك) وتنشيط الأعصاب والعضلات، فالتدخل المبكر مهم جداً، إذ إن حركة معينة قد يبدأ الطفل الطبيعي فيها من عمر عام.
يجب أن نبدأ تمرين المعوّق عليها من عمر 6 أشهر، وحسن اختيار المتخصصة في هذا الشأن يساعد كثيراً على تخطي بعض المشاكل، حيث تكون داعمة معنوية للأم وليست أداة ضاغطة على أعصابها، بالإضافة إلى كونها حازمة مع الطفل، فمع الحب والحنان لا تتهاون، كما يجب الاستقرار مع متخصصة معينة بعد الاطمئنان معها وذلك ليستقر الطفل نفسياً، وقد ساعدني ذلك في تخلص ابني من الحفاضات مبكراً".
وتستكمل ياسمين قائلة: "تعرفت إلى أمهات كن يشغلن مراكز عمل مرموقة، وتركن العمل وتفرغن للمساعدة في التعليم المنزلي للطفل، خاصة أن طفل الداون يتعرض للمرض المستمر، وبالتالي فممارسة التعليم المنزلي مناسب جداً، بالإضافة إلى قدرة الأم على الاهتمام بالتغذية السليمة، بسبب قابلية الطفل على السمنة، وعموماً فقد أوقفت تناول المواد الغذائية المصنعة، فأجسادهم قابلة للأكسدة وتخزين السموم، واعتمدت على التمور والعسل".
وتتفق معها والدة إياد البالغ من العمر 11 عاماً: "معظم المراكز تشخص أي مشكلة لدى الأطفال المعاقين بأنها توحد، وهذا يعطي طاقة سلبية شديدة للأم، فتشعر أن ابنها مفقود فيه الأمل، ولا تقبل هذا الطفل، مما ينقل له هذه المشاعر فيتأخر مستواه أكثر، وينقطع تماماً عن التعلم، إنما المتابعة الفردية والتواصل في المنزل يعطي الأم الطاقة الإيجابية، فالتعامل مع المعاق كأنه طفل طبيعي يجعل الأم تقوم بتربيته تربية صحيحة، ويصبح متقبلاً اجتماعياً، فهي تعاقبه عند الخطأ، وتكافئه عند التصرف الصحيح".
وتنصح الأمهات بأنه لا يجب الضغط على الطفل في التعليم، فأي طفل يحتاج إلى اللعب والترفيه، فالتعليم طوال الوقت سوف يخلق الكبت، يجب مراعاة الحالة المزاجية المتقلبة لديه، كما يجب ألا نتركه في المنزل طوال الوقت لتجنب نظرات الناس وكلامهم السيئ، فلا ذنب له في ما هو فيه و"لا أحمله شيئا فوق طاقته من أجل الناس!".
القبول بالمدارس
وعن قياس فاعلية تجربة التعليم المنزلي تقول د. ناجية بلعشري المشرفة المتخصصة بمركز أطفال التوحد: "يسعى المركز إلى تشجيع أمهات ذوي الإعاقة على تبني هذه الفكرة، نظراً لظروف قلة المدارس التي تقبل بدمج الأطفال مع العاديين، ونظراً لقلة مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة خارج العاصمة، حيث نجد في الكثير من الحالات أن الطفل يعاني من تأخر التعلم، فهو لم يقبل بدمجه من البداية، ولا يمكن أن يكون في المدارس الخاصة لأن حالته جيدة، وبالتالي يأتي التعليم المنزلي المبكر وسيلة فعالة لتأهيله لعملية الدمج خلال عامين من المتابعة المنزلية".
وتضيف قائلة: "يهتم المركز بتعيين المتخصصة المناسبة التي يتعلق بها الطفل، أو يحقق معها نجاحاً واستيعاباً سريعاً، والبدء المبكر يحقق تفوقاً ملحوظاً للطفل بين أقرانه، ويظهر ذلك جلياً في سن العشر سنوات، وقد تقع الأمهات في مشكلة تغيير المتخصصة بشكل مستمر، أو الانقطاع وعزل الطفل في البيت، فيضطر المتخصص إلى البدء من جديد، مما يعرقل عملية التعلم المبكر".
"كما أن المبادرة النفسية الإيجابية من الآباء والأمهات، وعزيمتهم، وقناعتهم بأهمية دورنا، تساعدنا وتساعد الطفل على اجتياز المراحل المختلفة بنجاح، فقد تظل الأم محبطة، ولا تتجاوب معي خلال الجلسة المنزلية ويكون لديها قناعة أن ابنها لم يحقق شيئاً، فأجد أن الطفل يظل في مرحلة معينة لأكثر من 5 جلسات بسبب ما تغرسه فيه، في حين أن تجاوبها معي، واستكمالها لدوري بعد أن تنتهي الجلسة بشكل ترفيهي للطفل يساعده على سرعة الاستيعاب".
اقرأ أيضا: 13 نصيحة لمعلمي ذوي الإعاقة أولها الحب