تشتعل في تونس خلال الآونة الأخيرة حرب ملفات الفساد وسط مناخ سياسي مأزوم أطاح حكومة إلياس الفخفاخ، الذي واجه تهم استغلال النفوذ والوقوع في تضارب المصالح.
وتتصاعد المخاوف من تحويل ملفات الفساد إلى أداة حرب بين الأحزاب السياسية والزج بالإدارة ومؤسسات الرقابة الحكومية في خصومات بين أطراف الحكم. ويطالب نشطاء وسياسيون بتحييد أجهزة الدولة والقضاء لفرض الشفافية وكسب المعركة الحقيقية على الفساد الذي يكبد البلاد خسائر تقدّر بنحو 3 مليارات دولار سنويا، وفق أرقام رسمية.
وكانت هيئة مكافحة الفساد (هيئة دستورية) قد أوكلت ملف شبهات تضارب المصالح والفساد المتعلّق برئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ إلى القضاء المالي بعد تقديم أدلة ووثائق قالت إنها تثبت الشبهات على شركات يملك فيها الفخفاخ مساهمات، مطالبة بمنع السفر وتجميد أموال المشتبه فيهم.
هيئة مكافحة الفساد قالت، الأحد الماضي، إنها "أحالت إلى القضاء ما يثبت وجود خرق للقانون بمجمع الشركات الذي يملك فيه الفخفاخ مساهمات، واقتراف أفعال يمكن تصنيفها في خانة الفساد، ومنها التهرب الضريبي وفساد مالي وإداري".
ويعتبر الناشط السياسي والوزير السابق، فوزي عبد الرحمان، أن مقاومة الفساد في تونس لا يمكن أن تتحقق بالشكل الكامل بسبب تواصل سيطرة أحزاب على دواليب الدولة، ما يؤثر على حيادية القضاء وهيئات الرقابة.
وقال عبد الرحمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المصالح السياسية لا تزال تتداخل في تونس مع المصلحة العليا للبلاد التي يفترض أن تسهر الإدارة وهياكل الدولة على حراستها، مشددا على ضرورة تخليص أدوات الدولة ولا سيما القضاء من سيطرة المصالح الحزبية حتى لا يتداخل الذاتي والموضوعي في مكافحة الفساد.
وطالب بالنأي بأجهزة الدولة عن الصراع السياسي لكسب المعركة الحقيقية على الفساد، حسب قوله.
ورغم تأكيد هيئة مكافحة الفساد على امتلاكها ما يثبت تهمة تضارب المصالح على الفخفاخ ومجمع الشركات التابع له، إلا أن تقارير هيئات الرقابة الحكومية اختلفت حول الأمر واعتبرت أن ما يتعلق بالفخفاخ لا يتجاوز المحاباة.
وأكدت هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية في تونس (هيئة مراقبة حكومية)، الجمعة الماضي، في بيان لها، أنّ مهمة التدقيق التي كلفت بها بشأن ملف شركات الفخفاخ أثبتت وجود محاباة واضحة في مناقصات مجامع رئيس الحكومة المستقيل، إلى جانب وجود اختلالات إجرائية في فرز ملفات الصفقات.
في المقابل، اعتبرت هيئة الطلب العمومي (هيئة حكومية مختصة في الإشراف على المناقصات الكبرى)، أن المجامع التابعة لرئيس الحكومة حصلت على الصفقات في إطار القانون.
ملف الفساد في تونس الذي يشهد حاليا نوعا من الحراك لم يقتصر على فتح تحقيق قضائي مع الفخفاخ، بل تصاعدت وتيرة توقيف مسؤولين وموظفين في شركات حكومية وإدارات جمركية خلال الأسابيع الأخيرة بتهم فساد ورشوة، الأمر الذي اعتبره مراقبون ضرورياً لتحقيق الاستقرار المالي للكثير من المؤسسات.
وقال عضو جمعية المراقبين العموميين والخبير في الحوكمة، شرف الدين اليعقوبي، إن مساراً جديداً لمكافحة الفساد في تونس بصدد التشكل، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات إيجابية لمرحلة حوكمة جديدة في البلاد من خلال تعقّب الفساد الإداري والإذن بمهمات تدقيق في قطاعات مهمة، منها رخص استكشاف واستخراج النفط.
وأضاف اليعقوبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إطلاق حملة جديدة لمكافحة الفساد الإداري يجب أن يواكبه إسراع في البت القضائي في الملفات المحالة إلى المحاكم، لإثبات نجاعة مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين.
وأشار إلى أن مسار مكافحة الفساد في تونس لا يزال طويلا بسبب تعقيدات إدارية وقضائية نتيجة تشعب المصالح وتداخلها، معتبرا أن هذا التداخل يضع الدولة التونسية في موضع الدولة الرخوة أو اللينة.
وواجه رئيس الحكومة المقال شبهة تضارب المصالح بعد حصول شركات يملك فيها مساهمات على مناقصات بقيمة 15 مليون دولار، ما دفع رئيس الدولة، قيس سعيد، إلى مطالبته بالاستقالة بعد شروع البرلمان في إجراءات سحب الثقة من حكومته.
وتخسر تونس سنويا جراء الفساد نحو 3 مليارات دولار، بحسب أرقام هيئة مكافحة الفساد. وحسب مراقبين، يساهم الفساد في مفاقمة الأزمات المعيشية التي تواجه المواطنين.
ولا تعد الحرب على الفساد التي أطاحت بحكومة الفخفاخ، الأولى من نوعها في تونس، حيث قاد سلفه يوسف الشاهد عام 2017 حملة لمكافحة الفساد تم على أثرها توقيف رجال أعمال وشخصيات نافذة، غير أن الحملة واجهت انتقادات عديدة بعدما اتهمته المعارضة البرلمانية حينها بتحريك ملفات ضد الفاسدين لتحقيق مآرب سياسية.