07 اغسطس 2024
جديد الأزمة الخليجية
مع دخول الأزمة الخليجية شهرها السادس عشر، ما زال الحصار المفروض على قطر من الدول الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، يراوح مكانه بلا تغيير يذكر، فيما عدا بعدا واحدا أساسيا، يتناوله المقال.
على الرغم من تداول وسائل الإعلام الدولية في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي أنباء عن مساعي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى عقد قمة في واشنطن في أكتوبر/ تشرين الأول لتأسيس حلف ناتو عربي، يضم دول الخليج ومصر والأردن في مواجهة إيران، ثم حديث وسائل إعلامية أخيرا عن تأجيل تلك القمة إلى ديسمبر/ كانون الأول، إلا أن أخبار القمة المزعومة تظل شحيحة، إن لم يكن غائبة، في ظل استمرار الأزمة الخليجية من ناحية، وتدهور علاقة دول الحصار والولايات المتحدة بالأردن من ناحية أخرى، بسبب رفض الأردن صفقة القرن التي يعد لها ترامب، وما تتضمنه من إهدار حقوق الفلسطينيين.
كما يستمر الحصار الجوي والاقتصادي، على الرغم من مساعي قطر الدولية والحقوقية لمواجهته، وصدور إدانات دولية وحقوقية كثيرة له، حيث يبدو الحصار مرشّحا للاستمرار بلا نهاية، كما هدد بعض مسؤولي دول الحصار في بداية الأزمة. ومع ذلك، لا تخلو الأزمة الخليجية من عناصر تجديد، أو بالأحرى من عنصر مفاجأة أساسي، فلا تكاد تمر عدة أسابيع من دون أن تفاجئنا وسائل الإعلام الدولية بتقرير استقصائي جديد عن الأزمة، يكشف أبعادا كان يصعب تخيّلها في الماضي.
مثلا، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في نهاية شهر أغسطس/ آب المنصرف،
تحقيقا يفيد بتعاون دولة الإمارات منذ عام 2014 مع شركةٍ إسرائيليةٍ متخصّصةٍ في التجسّس الإلكتروني للتجسس على هواتف أمير قطر وأمراء سعوديين. وهذا يعني أن دولة الإمارات سعت، منذ 2014 على أقل تقدير، إلى التجسس على هاتف أمير قطر، ناهيك عن أنها قامت بذلك بالتعاون مع شركة إسرائيلية، وهي شركةٌ لا تصدّر برامجها إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، وفقا لتقرير الصحيفة الأميركية.
ونشر موقع إنترسبت الأميركي، في أوائل الشهر نفسه، تقريرا استقصائيا معتمدا على تصريحات مسؤولين في الخارجية والاستخبارات الأميركية يفيد بأن دول الخليج خططت لغزو قطر عسكريا في بداية الأزمة. وأن وزير الخارجية الأميركي المقال، ريكس تيلرسون، لعب دورا مهما في إيقاف الغزو، بعد أن نبهته قطر بوجود المخطط. حيث تواصل بشكل مكثف مع المسؤولين الخليجيين للتحذير من عواقب الغزو على تحالفهم مع الولايات المتحدة. وطالب وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، بفعل الشيء نفسه، حيث لعب الوزيران دورا مهما في مواجهة انحياز الرئيس دونالد ترامب بشكل صارخ لدول الحصار في بداية الأزمة. ويفيد التقرير بأن موقف وزير الخارجية الأميركي المعارض للغزو أغضب بشدة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، والمسؤولين السعوديين، الذين تدخلوا لدى إدارة ترامب، مطالبين بإقالة تيلرسون.
وكان أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، صرّح خلال زيارة للبيت الأبيض في سبتمبر/ أيلول 2017 عن سعادته بوقف أي عمل عسكري في الأزمة الخليجية، ما أثار جدلا واسعا بين دبلوماسيين بشأن طبيعة الأزمة، وحقيقة طرح الحل العسكري من دول الحصار. وكان وزير خارجية ألمانيا السابق، سيغمار غابرييل، قد صرح لصحيفة ألمانية في بداية الأزمة الخليجية عن تخوفه من أن يقود الخلاف مع قطر "إلى حرب"، مشيرا إلى ما وصفها بأنها قسوة بالغة في علاقات دول الخليج وتعاملاتها، ومساعيه لوقف التصعيد.
كما نشر موقع إنترسيبت، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تحقيقا عن تعاون مسؤولين إماراتيين مع بنوك وشركات دعاية غربية، لشن حرب اقتصادية على قطر، من خلال الضغط على احتياطاتها الأجنبية وقيمة عملتها، وزعزعة الثقة الدولية في اقتصادها، وقدرتها على تنظيم بطولة كأس العام في 2022. أضف إلى ذلك تقارير متواترة عن تعاون مسؤولين إماراتيين، منهم سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، مع مؤسسات بحثية أميركية، لتشويه صورة قطر وإضعاف تحالفها بواشنطن.
تدفع التقارير السابقة بشكل مستمر إلى إعادة التفكير في طبيعة الأزمة الخليجية وأسبابها، ومن ثم مستقبلها. حيث تبدو الأزمة، في ظل المعلومات التي يتم الكشف عنها تباعا، أكبر من مجرّد اختلافٍ في وجهات النظر بشأن السياسة الخارجية، فهي تبدو محاولة لإخضاع قطر بشتى السبل لإرادة دول الحصار، ولو أدّى الأمر إلى إضعافها بشكل بالغ وطويل المدى، فالتفكير في شن حرب اقتصادية على قطر أو غزوها، على الرغم مما قد يترتّب على ذلك من تبعاتٍ سلبيةٍ طويلة المدى، يحتوي على عدم مبالاة بالغة بمقدرات الشعب القطري، وإمكانية تقويضها!
وفيما يتعلق بأسباب الأزمة، يمكن الحديث عن ثلاثة تفسيرات أساسية، تظل قائمة على الرغم من الأحداث، يتعلق أولها بطبيعة النظام الإقليمي العربي بشكل عام، بما في ذلك منظومة مجلس التعاون، فهو نظام يفتقر للمؤسسات والمبادئ الديمقراطية الحاكمة، ويعتمد أساسا على إرادة النظم الأعضاء، والتي يمكن أن تتحوّل بتغير النظم. وهذا يعني إمكانية تقويض ما تم بناؤه من أوجه شراكة وتعاون، في حالة صعود نظم جديدة ترغب في ذلك. ويمكن هنا الإشارة إلى دور القيادات الجديدة في دول، كالإمارات والسعودية، والتي تبدو صاحبة رؤية توسّعية سلطوية وصدامية، كما يظهر من موقفها من حرب اليمن ولبنان والعلاقة مع إيران وأزمة الخليج. حيث يبدو أن قيادةً، كالقيادة الإماراتية مثلا، تملك، منذ سنوات، رؤية لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال بناء قدراتها العسكرية وتحالفاتها الإقليمية والدولية. وبالطبع، يحق للقيادة الإماراتية التفكير في توسيع نفوذها، لكن المشكلة في طبيعة السياسات أو النظم الإقليمية التي تريد هذه القيادة التوسّع من خلالها، وما إذا كانت تتبع منظومة تعاون ديمقراطي مؤسسي، أم منظومة هيمنة سلطوية، تعتمد على إخضاع الآخرين بالقوة.
ولعل وجود قيادة، كقيادة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ساهم في عدم إطالة
أو تدهور أزمة سحب سفراء الرياض وأبوظبي والمنامة من الدوحة في مارس/ آذار 2013. ساهم في ذلك أيضا وجود الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، حيث حرص أوباما على خفض وجود بلاده السياسي والعسكري في المنطقة، مع الحفاظ على توازن قواها الإقليمية، وعدم الانحياز الصارخ لطرفٍ على طرف، خصوصا في الصراع السعودي الإيراني، وهو الأمر الذي تغير بمجيء ترامب إلى الحكم، وانحيازه الصارخ لرؤى اليمين المتشدّدة في إسرائيل ولدول الحصار، ما أطلق العنان لسياسات دول الحصار التوسعية والصدامية، وساهم في تدهور الأوضاع في الخليج واليمن، وفي العلاقة مع إيران.
وهذا يعني أننا أمام ثلاثة أسباب كبرى للأزمة الخليجية. يتعلق أولها ببنية النظام الإقليمي العربي المفتقر لمؤسسات ديمقراطية حاكمة. ويتعلق ثانيها بالتغيير في موازين القوى الدولية وتراجع الدور الأميركي في المنطقة، ما ساهم في صعود دور الدول الإقليمية الساعية إلى بسط نفوذها. ويتعلق ثالثها بطبيعة الشخصيات الحاكمة في دول الحصار والولايات المتحدة. ولعل السببين، الثاني والثالث، هما مفتاح حل الأزمة الخليجية. حيث يصعب تصوّر إمكانية تغيير النظام الإقليمي العربي بناءً على أسبابٍ داخليةٍ، في ظل طبيعة النظم العربية الحاكمة. وهذا يعني أن مصادر التغيير الأقرب خارجية، تتعلق بالتغيير المستمر في موازين القوى والقيادات الدولية، فلو خرج ترامب من الرئاسة الأميركية، أو ساهمت سياسته في تبلور تكتل أوروبي موازٍ يعادل تأثيره السلبي على سياسات المنطقة، يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تغيير تدريجي في مواقف دول الحصار، وانحسار الأزمة الخليجية.
على الرغم من تداول وسائل الإعلام الدولية في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي أنباء عن مساعي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى عقد قمة في واشنطن في أكتوبر/ تشرين الأول لتأسيس حلف ناتو عربي، يضم دول الخليج ومصر والأردن في مواجهة إيران، ثم حديث وسائل إعلامية أخيرا عن تأجيل تلك القمة إلى ديسمبر/ كانون الأول، إلا أن أخبار القمة المزعومة تظل شحيحة، إن لم يكن غائبة، في ظل استمرار الأزمة الخليجية من ناحية، وتدهور علاقة دول الحصار والولايات المتحدة بالأردن من ناحية أخرى، بسبب رفض الأردن صفقة القرن التي يعد لها ترامب، وما تتضمنه من إهدار حقوق الفلسطينيين.
كما يستمر الحصار الجوي والاقتصادي، على الرغم من مساعي قطر الدولية والحقوقية لمواجهته، وصدور إدانات دولية وحقوقية كثيرة له، حيث يبدو الحصار مرشّحا للاستمرار بلا نهاية، كما هدد بعض مسؤولي دول الحصار في بداية الأزمة. ومع ذلك، لا تخلو الأزمة الخليجية من عناصر تجديد، أو بالأحرى من عنصر مفاجأة أساسي، فلا تكاد تمر عدة أسابيع من دون أن تفاجئنا وسائل الإعلام الدولية بتقرير استقصائي جديد عن الأزمة، يكشف أبعادا كان يصعب تخيّلها في الماضي.
مثلا، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في نهاية شهر أغسطس/ آب المنصرف،
ونشر موقع إنترسبت الأميركي، في أوائل الشهر نفسه، تقريرا استقصائيا معتمدا على تصريحات مسؤولين في الخارجية والاستخبارات الأميركية يفيد بأن دول الخليج خططت لغزو قطر عسكريا في بداية الأزمة. وأن وزير الخارجية الأميركي المقال، ريكس تيلرسون، لعب دورا مهما في إيقاف الغزو، بعد أن نبهته قطر بوجود المخطط. حيث تواصل بشكل مكثف مع المسؤولين الخليجيين للتحذير من عواقب الغزو على تحالفهم مع الولايات المتحدة. وطالب وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، بفعل الشيء نفسه، حيث لعب الوزيران دورا مهما في مواجهة انحياز الرئيس دونالد ترامب بشكل صارخ لدول الحصار في بداية الأزمة. ويفيد التقرير بأن موقف وزير الخارجية الأميركي المعارض للغزو أغضب بشدة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، والمسؤولين السعوديين، الذين تدخلوا لدى إدارة ترامب، مطالبين بإقالة تيلرسون.
وكان أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، صرّح خلال زيارة للبيت الأبيض في سبتمبر/ أيلول 2017 عن سعادته بوقف أي عمل عسكري في الأزمة الخليجية، ما أثار جدلا واسعا بين دبلوماسيين بشأن طبيعة الأزمة، وحقيقة طرح الحل العسكري من دول الحصار. وكان وزير خارجية ألمانيا السابق، سيغمار غابرييل، قد صرح لصحيفة ألمانية في بداية الأزمة الخليجية عن تخوفه من أن يقود الخلاف مع قطر "إلى حرب"، مشيرا إلى ما وصفها بأنها قسوة بالغة في علاقات دول الخليج وتعاملاتها، ومساعيه لوقف التصعيد.
كما نشر موقع إنترسيبت، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تحقيقا عن تعاون مسؤولين إماراتيين مع بنوك وشركات دعاية غربية، لشن حرب اقتصادية على قطر، من خلال الضغط على احتياطاتها الأجنبية وقيمة عملتها، وزعزعة الثقة الدولية في اقتصادها، وقدرتها على تنظيم بطولة كأس العام في 2022. أضف إلى ذلك تقارير متواترة عن تعاون مسؤولين إماراتيين، منهم سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، مع مؤسسات بحثية أميركية، لتشويه صورة قطر وإضعاف تحالفها بواشنطن.
تدفع التقارير السابقة بشكل مستمر إلى إعادة التفكير في طبيعة الأزمة الخليجية وأسبابها، ومن ثم مستقبلها. حيث تبدو الأزمة، في ظل المعلومات التي يتم الكشف عنها تباعا، أكبر من مجرّد اختلافٍ في وجهات النظر بشأن السياسة الخارجية، فهي تبدو محاولة لإخضاع قطر بشتى السبل لإرادة دول الحصار، ولو أدّى الأمر إلى إضعافها بشكل بالغ وطويل المدى، فالتفكير في شن حرب اقتصادية على قطر أو غزوها، على الرغم مما قد يترتّب على ذلك من تبعاتٍ سلبيةٍ طويلة المدى، يحتوي على عدم مبالاة بالغة بمقدرات الشعب القطري، وإمكانية تقويضها!
وفيما يتعلق بأسباب الأزمة، يمكن الحديث عن ثلاثة تفسيرات أساسية، تظل قائمة على الرغم من الأحداث، يتعلق أولها بطبيعة النظام الإقليمي العربي بشكل عام، بما في ذلك منظومة مجلس التعاون، فهو نظام يفتقر للمؤسسات والمبادئ الديمقراطية الحاكمة، ويعتمد أساسا على إرادة النظم الأعضاء، والتي يمكن أن تتحوّل بتغير النظم. وهذا يعني إمكانية تقويض ما تم بناؤه من أوجه شراكة وتعاون، في حالة صعود نظم جديدة ترغب في ذلك. ويمكن هنا الإشارة إلى دور القيادات الجديدة في دول، كالإمارات والسعودية، والتي تبدو صاحبة رؤية توسّعية سلطوية وصدامية، كما يظهر من موقفها من حرب اليمن ولبنان والعلاقة مع إيران وأزمة الخليج. حيث يبدو أن قيادةً، كالقيادة الإماراتية مثلا، تملك، منذ سنوات، رؤية لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال بناء قدراتها العسكرية وتحالفاتها الإقليمية والدولية. وبالطبع، يحق للقيادة الإماراتية التفكير في توسيع نفوذها، لكن المشكلة في طبيعة السياسات أو النظم الإقليمية التي تريد هذه القيادة التوسّع من خلالها، وما إذا كانت تتبع منظومة تعاون ديمقراطي مؤسسي، أم منظومة هيمنة سلطوية، تعتمد على إخضاع الآخرين بالقوة.
ولعل وجود قيادة، كقيادة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ساهم في عدم إطالة
وهذا يعني أننا أمام ثلاثة أسباب كبرى للأزمة الخليجية. يتعلق أولها ببنية النظام الإقليمي العربي المفتقر لمؤسسات ديمقراطية حاكمة. ويتعلق ثانيها بالتغيير في موازين القوى الدولية وتراجع الدور الأميركي في المنطقة، ما ساهم في صعود دور الدول الإقليمية الساعية إلى بسط نفوذها. ويتعلق ثالثها بطبيعة الشخصيات الحاكمة في دول الحصار والولايات المتحدة. ولعل السببين، الثاني والثالث، هما مفتاح حل الأزمة الخليجية. حيث يصعب تصوّر إمكانية تغيير النظام الإقليمي العربي بناءً على أسبابٍ داخليةٍ، في ظل طبيعة النظم العربية الحاكمة. وهذا يعني أن مصادر التغيير الأقرب خارجية، تتعلق بالتغيير المستمر في موازين القوى والقيادات الدولية، فلو خرج ترامب من الرئاسة الأميركية، أو ساهمت سياسته في تبلور تكتل أوروبي موازٍ يعادل تأثيره السلبي على سياسات المنطقة، يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تغيير تدريجي في مواقف دول الحصار، وانحسار الأزمة الخليجية.