08 نوفمبر 2024
دراما ثلاثية الأبعاد
منذ بداية شهر رمضان، وانطلاق سباق المسلسلات التلفزيونية، بدا أن التورّط السعودي في ما يسمى "صفقة القرن" الأميركية، والتي هي بالأساس تفاهم بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دخل مرحلة جديدة أكثر خطورة، نقل فيها التحريض على القضية الفلسطينية من المستوى الرسمي إلى القطاع الشعبي عبر مسلسلات وبرامج، تتوجه بالخصوص إلى الجمهور الخليجي، غير أنها قد تصل أيضاً إلى قطاعات أوسع. ربما التركيز السعودي اليوم على المحيط الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً، ولا سيما مع إدراج الموقف الرسمي للمملكة في بعض المشاهد التمثيلة في مسلسل "مخرج 7"، والذي يعد الأخطر بين ما تبثه القنوات المموّلة من الرياض.
على الرغم من السجال الذي أثاره مسلسل "أم هارون" وأهدافه، إلا أنه لا يزال حمّال أوجه، على عكس "مخرج 7" الذي كان على درجةٍ عاليةٍ من الفجاجة والوقاحة في الاصطفاف إلى جانب إسرائيل وشيطنة الفلسطينيين وتصويرهم معادين للسعودية، بحسب ما ورد في أحد المشاهد بين بطليه، ناصر القصبي وراشد الشمراني. في المشهد يتحدّث الرجلان عن الفلسطينيين، فالأول استغرب رغبة الثاني في إقامة علاقات عمل مع الإسرائيليين، ليرد الشمراني بالقول "العدو هو الذي لا يقدّر وقفتك معه، ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين"، مضيفاً: "كل تضحياتنا لأجل فلسطين، دخلنا حروباً وقطعنا النفط لأجل فلسطين، وعندما أصبح عندهم سلطة، بتنا ندفع تكاليفها ورواتبها ونحن أحق بالأموال، يهاجمون السعودية مع أول فرصة".
هذا المشهد التمثيلي يحمل أبعاداً أكبر من مجرد التطبيع، وهو ما تم التركيز عليه في غالبية المقالات والتعليقات التي تناولت المسلسل، إذ هناك مفاهيم جديدة ووقائع مغلوطة يراد التسويق لها على المستوى الشعبي. أول هذه المفاهيم إعادة تعريف "العدو". فما كان متفقاً عليه سابقاً بين غالبية العرب من أن إسرائيل هي العدو المشترك لم يعد واقعياً، بل دخلت عليه الكثير من المتغيرات والمعطيات. جملة الشمراني الواردة في المسلسل هي انعكاس صريح وواضح للسياسة الخارجية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، ومنذ ما قبل وصول الملك سلمان وابنه إلى السلطة، لكنها اليوم باتت أكثر قدرة على المجاهرة بها في مناسبات مختلفة. فمنذ سنوات تجهد الرياض لتنصيب إيران عدواً مشتركاً للعرب عموماً، والخليجيين خصوصاً، ولا تتورع عن تخوين كل من يرتبط بعلاقة مع طهران، سواء على مستوى الدول أو الأفراد.
البعد الثاني في الجملة القصيرة التي وردت في المسلسل هو محاولة رفع المسؤولية السعودية عن القضية الفلسطينية، باعتبار أن السعودية "قدمت كل ما في وسعها لكنها قوبلت بنكران الجميل"، بحسب ما توحي عبارة الشمراني، وهو ما أراد توصيله إلى المستوى الشعبي لتبرير الانخراط السعودي في تصفية القضية. على الرغم من أن الواقع معاكس لذلك تماماً، وفي مراحل مختلفة، فالسعودية كانت شريكاً منذ السبعينيات في التآمر على الفلسطينيين وعلى منظمة التحرير، وكانت داعمة لكل محاولات اليمين، سواء العربي أو الغربي، للنيل من القضية الفلسطينية، من دون أن ننسى المبادرات المبكرة للاعتراف بإسرائيل، بدءاً من مبادرة الأمير فهد في عام 1981، مروراً بالمبادرة العربية عام 2000، وصولاً حالياً إلى صفقة القرن. وهي وقائع مثبتة تاريخياً لا يمكن إنكارها.
البعد الثالث في المشهد نفسه من المسلسل قائم على شيطنة الفلسطينيين، وهو لم يرد فقط على لسان الشمري، حين أشار إلى أن الفلسطينيين يهاجمون السعودية، بل في رد القصبي، ومع أنه ظهر في محاولة الدفاع عن الفلسطينيين، إلا أنه مرّر عبارات تشير إلى تآمر الفلسطينيين على أنفسهم، وترويج خرافة "بيعهم أرضهم للإسرائيليين" و"مشاركتهم في بناء الجدار العازل". الأمر الذي يحمل في طياته رفضاً للوقوف إلى جانب الفلسطينيين أو مقاطعة إسرائيل، على قاعدة "لن نكون ملكيين أكثر من الملك".
مشهد لا يتعدى ثلاثين ثانية حمل في طياته هذه الأبعاد الثلاثة، وهو ليس إلا بداية لحملة أوسع تعدّت المستوى الشعبي الخليجي إلى العمق العربي.
هذا المشهد التمثيلي يحمل أبعاداً أكبر من مجرد التطبيع، وهو ما تم التركيز عليه في غالبية المقالات والتعليقات التي تناولت المسلسل، إذ هناك مفاهيم جديدة ووقائع مغلوطة يراد التسويق لها على المستوى الشعبي. أول هذه المفاهيم إعادة تعريف "العدو". فما كان متفقاً عليه سابقاً بين غالبية العرب من أن إسرائيل هي العدو المشترك لم يعد واقعياً، بل دخلت عليه الكثير من المتغيرات والمعطيات. جملة الشمراني الواردة في المسلسل هي انعكاس صريح وواضح للسياسة الخارجية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، ومنذ ما قبل وصول الملك سلمان وابنه إلى السلطة، لكنها اليوم باتت أكثر قدرة على المجاهرة بها في مناسبات مختلفة. فمنذ سنوات تجهد الرياض لتنصيب إيران عدواً مشتركاً للعرب عموماً، والخليجيين خصوصاً، ولا تتورع عن تخوين كل من يرتبط بعلاقة مع طهران، سواء على مستوى الدول أو الأفراد.
البعد الثاني في الجملة القصيرة التي وردت في المسلسل هو محاولة رفع المسؤولية السعودية عن القضية الفلسطينية، باعتبار أن السعودية "قدمت كل ما في وسعها لكنها قوبلت بنكران الجميل"، بحسب ما توحي عبارة الشمراني، وهو ما أراد توصيله إلى المستوى الشعبي لتبرير الانخراط السعودي في تصفية القضية. على الرغم من أن الواقع معاكس لذلك تماماً، وفي مراحل مختلفة، فالسعودية كانت شريكاً منذ السبعينيات في التآمر على الفلسطينيين وعلى منظمة التحرير، وكانت داعمة لكل محاولات اليمين، سواء العربي أو الغربي، للنيل من القضية الفلسطينية، من دون أن ننسى المبادرات المبكرة للاعتراف بإسرائيل، بدءاً من مبادرة الأمير فهد في عام 1981، مروراً بالمبادرة العربية عام 2000، وصولاً حالياً إلى صفقة القرن. وهي وقائع مثبتة تاريخياً لا يمكن إنكارها.
البعد الثالث في المشهد نفسه من المسلسل قائم على شيطنة الفلسطينيين، وهو لم يرد فقط على لسان الشمري، حين أشار إلى أن الفلسطينيين يهاجمون السعودية، بل في رد القصبي، ومع أنه ظهر في محاولة الدفاع عن الفلسطينيين، إلا أنه مرّر عبارات تشير إلى تآمر الفلسطينيين على أنفسهم، وترويج خرافة "بيعهم أرضهم للإسرائيليين" و"مشاركتهم في بناء الجدار العازل". الأمر الذي يحمل في طياته رفضاً للوقوف إلى جانب الفلسطينيين أو مقاطعة إسرائيل، على قاعدة "لن نكون ملكيين أكثر من الملك".
مشهد لا يتعدى ثلاثين ثانية حمل في طياته هذه الأبعاد الثلاثة، وهو ليس إلا بداية لحملة أوسع تعدّت المستوى الشعبي الخليجي إلى العمق العربي.