طلاب تونس الجامعيون مهددون اليوم بسنة بيضاء، على خلفيّة التجاذبات القائمة بين الأساتذة الجامعيين وبين وزارة التعليم العالي في تونس التي لم تفِ بالتزاماتها السابقة. ومن شأن ذلك أن يؤثّر على دراستهم عموماً.
منذ انطلاق الموسم الدراسي الجاري، تعيش المؤسسات الجامعية حالة من الاحتقان لم تشهد لها مثيلاً في السنوات الأخيرة. فقد استهل الأساتذة الجامعيون الموسم بتنفيذ إضراب عن العمل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تلته وقفات احتجاجية عدّة أمام البرلمان ووزارة التعليم العالي، وذلك بهدف حثّ وزارة التعليم العالي على الالتزام بتعهداتها.
وتأتي انتقادات الأساتذة على خلفية عدم تغيير قيمة المنح المقدّمة إلى الجامعيين خلال السنوات الأخيرة، وعدم صدور القرارات الخاصة بالقطاع وأبرزها القرار المتعلق بتوحيد أجور الإشراف على مشاريع التخرّج، إلى جانب المطالبة بصرف المكافآت المختلفة المتعلقة بالساعات الإضافية وبالأساتذة المبرزين وبالإشراف على مشاريع التخرّج، بالإضافة إلى صرف أخرى تشجيعية للعاملين بعيداً عن العاصمة. كذلك يحتجّ أساتذة الجامعات على عدم حصولهم على الرواتب المنصوص عليها في القانون الذي حدّد الراتب بحسب المستوى العلمي لخرّيج الجامعة ونوع الشهادة الحاصل عليها.
ويشرح المنسق العام المساعد في اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين، زياد بن عمر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "القانون ينصّ على أنّ الحاصلين على شهادة دكتوراه يتقاضون أعلى رواتب إذ إنّها أعلى درجة علمية يمكن الحصول عليها". يضيف أنّه "على الرغم من ذلك، لا يجري التقيّد بسلّم الأجور ولا يحصل أستاذ التعليم العالي على أجره الحقيقي. والحاصل على شهادة دكتوراه، يتقاضى في الغالب أجراً مساوياً لما يتقاضاه من درّس فقط ثلاثة أو أربعة أعوام في الجامعة". ويشير بن عمر إلى أنّ "أجر الأستاذ الجامعي يُعدّ متدنياً بالمقارنة مع دول أخرى، في حين عمدت الوزارة إلى تقليص ميزانية البحث العلمي لسنة 2018 بنسبة 75 في المائة، وهو ما أثّر بصورة كبيرة على البحوث العلمية التي يجري إعدادها".
على الرغم من التحركات التي قادها الأساتذة منذ انطلاق الموسم الدراسي الجاري، فإنّ الوزارة لم تلتزم بما تعهدت به وفق ما يؤكد الأساتذة بمعظمهم. وهو الأمر الذي دفعهم إلى التصعيد أكثر عبر الإضراب عن العمل بين الفترة والأخرى، ثمّ تنفيذ وقفة احتجاجية أمام قصر الحكومة في القصبة في يناير/ كانون الثاني الماضي، بمشاركة نحو ألفَين و500 أستاذ جامعي. وقد تلتها في فبراير/ شباط وقفة احتجاجية أمام البرلمان بمشاركة أربعة آلاف و500 أستاذ جامعي، قبل أن يُصار في مرحلة أخرى إلى إقرار تأجيل امتحانات النصف الأول من السنة الجامعية بطلب من اتحاد الأساتذة الجامعيين. وهذا يعني الامتناع عن تقديم مواضيع الامتحانات في حين تؤمَّن الحصص الدراسية بطريقة عادية.
يُذكر أنّ النصف الأول من السنة الجامعية مرّ من دون إجراء امتحانات شهرَي يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار الماضيَين في نحو 100 مؤسسة جامعية، الأمر الذي جعل 120 ألف طالب في مواجهة سنة بيضاء، خصوصاً أنّ الأساتذة يهددون بعدم إجراء امتحانات الشهر المقبل أي امتحانات النصف الثاني من السنة الدراسية.
يقول كمال الرحال وهو من الأساتذة المحتجين لـ"العربي الجديد"، إنّ "قضية إدارية رُفِعت ضدّ وزارة التعليم العالي من قبل اتحاد الأساتذة الجامعيين لحثّها على احترام سلّم الرواتب، فالمطالب عالقة منذ عام 2015 على الرغم من تعهد وزارة التعليم العالي بالالتزام بتحقيق الاتفاقيات السابقة والنظر في المطالب". يضيف: "لكنّنا نواجه في كل عام مماطلة ورفضاً للحوار والتفاوض".
من جهته، يؤكد الأستاذ الجامعي فاخر فايد لـ"العربي الجديد" أنّ "تحركاتنا بدأت بالفعل في عام 2015، وكانت أبرز مطالبنا إعطاء الأساتذة الجامعيين مكانتهم في السلم الوظيفي وفي سلم الأجور لأنّهم حاصلون على أعلى شهادات علمية وهي الدكتوراه والتأهيل الجامعي. لكنّ الوزارة ظلت على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة تتجاهل مطالبنا على الرغم من كل التحركات التي قمنا بها". ويتابع: "نحن لم نصعّد إلى حدّ الاحتجاج والإضراب إلاّ بعد رفض الوزارة كلّ تفاوض".
وكانت آخر تحركات الأساتذة أمام وزارة التعليم العالي في 11 أبريل/ نيسان الجاري، قد شهدت احتقاناً بعدما أُغلقت أبواب الوزارة أمام الأساتذة. لكنّ رئيس الاتحاد زياد بن عمر يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ذلك لا يدلّ على رفض الوزارة إجراء أيّ تفاوض أو إيجاد أيّ حلول لتجاوز الأزمة".
واليوم، يواجه 120 ألف طالب مصيراً مجهولاً بسبب عدم الخضوع لامتحانات الثلاثي الأول، ليواجهوا اليوم تهديداً بعدم الخضوع لامتحانات الشهر المقبل كذلك. ويقول الطالب محمد لـ"العربي الجديد" إنّ "مصير الطلاب معلّق اليوم في انتظار ما سوف ينتج عن المفاوضات بين الهياكل الرسمية والأساتذة". يضيف: "أنا أساند كل تحرّك من أجل مطالب مهنية، لكنّ مطالب الأساتذة لا يجب أن تؤثّر على مستقبلنا الدراسي أو تجعلنا نواجه سنة بيضاء". ويوضح محمد أنّه "في حال انتهت الأزمة اليوم بين الوزارة والأساتذة وكان اتفاق على إجراء الامتحانات المعطلة، فإنّ دورة التدريس سوف تتأخر كثيراً، الأمر الذي سوف يتسبب في مشكلات كبيرة ويؤثّر كذلك على السنة الدراسية المقبلة".
تجدر الإشارة إلى أنّ نحو أربعة آلاف أستاذ جامعي غادروا البلاد خلال السنوات الأخيرة بحثاً عن ظروف عمل أفضل، وفق كتابة الدولة للهجرة والتونسيين في الخارج التي وضعت الجامعيين والباحثين في المرتبة الأولى لجهة هجرة الكفاءات التونسية، وذلك بنسبة 24 في المائة من جملة 80 في المائة من الكفاءات المهاجرة من تونس.