وتظهر الأيام الثلاثة الأولى من الغارات على سورية، تركيز التحالف الدولي على مدينة البوكمال، ولا يرجع ذلك لتمركز "داعش" الكثيف فيها، إذ لا تقارن كثافة انتشار عناصر التنظيم في البوكمال مع بعض المناطق في ريف دير الزور، مثل جديد عكيدات، في الريف الشرقي، والتي تعدّ معقلاً أساسياً للتنظيم، إضافة إلى قرية البصيرة. لكن، على ما يبدو، يأتي هذا الاستهداف نتيجة موقع البوكمال الحدودي، حيث يسيطر "داعش"، بشكل كامل، على نحو 130 كيلومتراً من أصل 605 كيلومترات على طول الحدود العراقية ـ السورية، ما يهيئ له خط إمداد سريع ومفتوح بين الدولتين. وبذلك، يبدو الهدف الأول من تلك الغارات، فصل "داعش سورية" عن "داعش العراق" وقطع خطوط الإمداد بينهما.
وإلى جانب البوكمال، استهدفت غارات التحالف عدة نقاط استراتيجية للتنظيم في الريف الغربي من المدينة، كان أبرزها على منطقتي منجم الملح والتبني، اللتين تعرضتا لقصف مركّز في اليوم الأول، ليتبيّن لاحقاً أنها ضربت معسكرات تدريب للتنظيم، وخصوصاً في قرية التبني.
ويبدو أن التحالف يستهدف معسكرات تدريب "داعش" وفق بنك أهداف محدد، إذ وجّهت ضربات لمعسكر تابع للتنظيم في جبل طابوس، ومركز تدريب آخر في قرية الخريطة، ما أدى إلى مصرع عدد كبير من مقاتليه.
أما في الريف الشرقي من دير الزور، فكانت أبرز النقاط التي استهدفتها مقاتلات التحالف، مستودع للأسلحة في قرية القورية، ما أدى لانفجارات كبيرة شوهدت نيرانها من القرى المجاورة، إضافة إلى سابقة في استهداف حقل العمر النفطي، وهذه المرة الأولى التي تستهدف فيها قوات التحالف منشآت نفطية، بهدف تجفيف المصدر الرئيس لتمويل الجهاديين، الذين يبيعون النفط المهرّب لوسطاء في دول مجاورة.
وفي هذا السياق، تقدّر القيادة الأميركية الوسطى، في بيان، أنّ هذه المنشآت تدرّ نحو مليوني دولار يومياً على الجهاديين. والمفارقة أن المواقع النفطية لم تتعرّض لأي غارات من قبل قوات النظام السوري منذ سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" عليها، وقد أشارت عدة تقارير دولية، في وقت سابق، إلى أن "داعش" متورط في عمليات بيع نفط للنظام السوري.
في غضون ذلك، لم تتعرّض مدينة دير الزور لأي غارة جوية من قوات التحالف، وربما يعود ذلك لطبيعة انتشار التنظيم فيها، إذ إن "داعش" بسط سيطرته على المدينة من دون قتال، بعد مبايعة معظم الفصائل له، على أن يتم إبقائهم في جبهاتهم بدعم منه، فاكتفى التنظيم بانتشار ضعيف في المدينة، بعكس الريف الذي أخضعه بعد معارك شرسة، استمرت 6 أشهر، ما أجبره على زرع مقار رئيسية فيه وحواجز عدة ومستودعات أسلحة إضافة إلى معسكرات التدريب.