وفيما كان هؤلاء اللاجئون يمنون أنفسهم عندما داست أقدامهم التراب الأردني بحياة كريمة، بعيداً عن ويلات الحرب في بلدهم، جاءت الرياح بما لا يشتهونه، بحيث صاروا تحت رحمة مساعدات المنظمات الدولية، التي لا تكفي لسدّ رمق أطفالهم.
هشام محمد موسى (28 عاماً)، من قرية خربة غزالة التابعة لمحافظة درعا (جنوب سورية)، يعيل زوجته وطفلين آخرين.
ومتحدثاً عن معاناته في توفير المؤونة له ولعائلته، يقول إن "قيمة المساعدات التي أتلقاها من برنامج الغذاء العالمي هي فقط كوبونات غذائية بقيمة 56 دولاراً أميركياً، وأجرة البيت الذي أسكن فيه تصل فقط لـ120 ديناراً شهرياً (169 دولاراً تقريباً)".
موسى كان في الأصل مقيماً داخل مخيم الزعتري للاجئين السوريين، شرقي المفرق، لكنه اضطر إلى مغادرة المخيم بسبب معاناة ابنه مدين من مرض الربو؛ إذ إن بقاءه في المخيم كان يزيد من مرضه، حيث الغبار والأتربة الكثيفة في المكان الذي يتواجد بمنطقة صحراوية.
ولفت إلى أنه اضطر إلى مغادرة "الزعتري"، رغم أن قيمة المساعدات التي كان يحصل عليها هناك أكبر من تلك التي يتلقاها وهو في الخارج، لكن الحالة الصحية لابنه "أولى وأهم من المال"، كما يقول.
ومواصلاً سرد تفاصيل معاناته المعيشية وضيق الحال الذي يمر به، يضيف موسى: "أعمل في الباطون (أعمال البناء) ثلاثة أو أربعة أيام في الشهر، كي أتمكن من توفير أجرة البيت، لكن المبلغ الذي أتقاضاه، وهو 40 ديناراً (56 دولاراً تقريباً)، لا يكفي لشيء، وأتمنى أن تقوم المنظمات الدولية بزيادة المساعدات".
ويقيم في الأردن نحو مليون و390 ألف سوري، نصفهم تقريباً مسجلون بصفة "لاجئ"، في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، في حين أن 750 ألفا منهم دخلوا قبل الحرب بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية.
ويقدم "برنامج الغذاء العالمي" مساعدات في شكل كوبونات غذائية لنحو 530 ألف لاجئ في الأردن فقط، بحيث يعتبر أن العدد الباقي غير مستحق للمساعدة.
ويتلقى نحو 100 ألف لاجئ داخل المخيمات، وعددها 5 في الأردن، كوبونات غذائية بقيمة 28 دولاراً، لكل شخص شهرياً.
بينما تختلف قيمة الكوبونات الممنوحة شهرياً إلى اللاجئين خارج المخيمات، بحسب تقييم البرنامج لمدى حاجتهم للمساعدة؛ فهناك 210 آلاف لاجئ يتلقى كل واحد منهم 28 دولاراً، بينما يتلقى كل فرد من بين 220 ألفاً آخرين مبلغ 14 دولاراً فقط.
ولتوفير الاحتياجات المعيشية الأخرى وبينها الإيجارات، يلجأ كثير من هؤلاء اللاجئين إلى بيع السلع الغذائية التي يحصلون عليها بالكوبونات، رغم حاجتهم لها، لكن لا سبيل أمامهم سوى ذلك، وإلا سيجدون أنفسهم في الشارع، حيث لا مأوى لهم.
ورداً على تلك الشكاوى من اللاجئين السوريين بخصوص عدم كفاية المساعدات الدولية لهم، قال المتحدث الرسمي باسم مكتب مفوضية شؤون اللاجئين بالأردن، علي بيبي، في تصريح خاص لوكالة "الأناضول": "تقوم المفوضية والمنظمات الإنسانية الأخرى بجهودها في ظل الإمكانات والموارد المتاحة، والمسؤولية تقع بلا شك على الدول المانحة في تقديم مزيد من الدعم للدول المضيفة للاجئين السوريين والمنظمات الدولية، للتخفيف عن كاهل السوريين داخل المخيمات وخارجها".
وأضاف بيبي أن "الأردن قدم جهوداً في كافة المجالات، ونناشد الدول المانحة والمجتمع الدولي، لتقديم مزيد من الدعم للدول المضيفة والمنظمات الأممية، وفي المقدّمة مفوضية شؤون اللاجئين، لاستكمال دورهم الإنساني وتقديم المزيد من الدعم والمساعدة للاجئين. التحديات واردة وموجودة ولا تُلَبَّى إلا من خلال دعم المنظمات".
وفيما لا تكفي المساعدات الغذائية لتلبية احتياجاتهم، ويلقي المسؤولون باللوم على الجهات الدولية المانحة، تستمر معاناة اللاجئين السوريين خارج المخيمات في الأردن.
وفيما يجد سعيد الحظ بينهم من يجد فرصة عمل ولو بشكل جزئي، أو الذي يحصل على مساعدات من جهات خيرية محلية، لا يبقى أمام عدد منهم طريق آخر سوى أن يمدوا أيديهم إلى آخرين للسؤال.