08 نوفمبر 2024
صحوة الرحيل
قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض، بعد ثماني سنوات قضاها في الحكم، تذكّر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، أنه كان حاكماً لأكبر قوة عالمية، وأن لديه من القدرة ما يخوله التأثير الكبير في القضايا الدولية، وأن له دوراً كان من المفترض أن يؤديه، لكنه كان منشغلاً عنه في إدارة ملفاته الداخلية، وصراعات "أوباماكير" التي يبدو أنها ستنتهي فور خروجه من المكتب البيضاوي.
قرّر أوباما، وبصحوة ضمير مرتبطة بمرحلة ما قبل الرحيل، وبانزياح الضغوط عن الإدارة الأميركية، وخصوصاً أن الوافد الجديد إلى البيت الأبيض ليس من البيت الديمقراطي، أن يصفّي حسابات متراكمة، هي بالأساس قائمة على السلبية التي تعاطى بها، هو نفسه، مع غالبية الملفات الخارجية.
فجأةً، صحت الإدارة الأميركية على أنها ما كان يجب أن تسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يتلاعب بكل المقترحات التي حملها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مساعي استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفجأة، تنبه إلى أن التوسّع الاستيطاني في الأراضي المحتلة يضرّ بفرص العودة إلى مسار التسوية السياسية، فأوعز بالتخلي عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لحماية إسرائيل، وسمح بتمرير قرار إدانة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. وأعقب ذلك بمبادرة، متأخرة جداً، لوزير خارجيته، رسم فيها خريطة الدولة الفلسطينية المرتقبة، وضرورة تواصلها الجغرافي، وقال كل ما كان يجب أن يقوله خلال السنوات الماضية، غير أنه لم يكن يمتلك الجرأة لذلك، وانتظر لحظات ما قبل الرحيل لقول ما لم يعد له أي حسابٍ بالسياسة.
الصحوة الأخرى لأوباما وإدارته كانت في الملف الروسي، وتشديد العقوبات على موسكو وطرد الدبلوماسيين. اختار الرئيس الأميركي اتخاذ قرارته في لحظةٍ غير ذات قيمة، وهو ما يفسّر تعاطي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معها. تعاطٍ يمكن تصنيفه في خانة الاستهزاء والذكاء في آن، وهو الذي يدرك أن قرارات أوباما لم تعد تقدم ولا تؤخر، وأن الحكم سيكون بيد "حليفه" دونالد ترامب بعد أقل من شهر.
الأمر أيضاً يدركه أوباما جيداً، لكنه مع ذلك أراد أن "يضع بصمته" على العلاقة مع روسيا الجديدة، والتي ساهم هو شخصياً في تغوّلها على الساحتين، الدولية والإقليمية، بعدما قرّر الانكفاء إلى الداخل الأميركي وترك الساحة لـ "القيصر الجديد" للقيام بما يحلو له، سواء في أوكرانيا أو سورية، وغيرها من المناطق التي يضع بوتين عينه عليها. انكفاء كان لا بد لأحد أن يملأ فراغه، وهو ما استغلته موسكو أحسن استغلال في ظل عدم وجود أي قوة غربية أخرى راغبة حالياً، وقادرة، على ملء الفراغ الأميركي.
عملياً، يمكن النظر إلى قرارات أوباما الأخيرة ومواقفه بأنها محاولة متأخرة جداً لتعويض ما فاته، أو مراجعة أيضاً فات أوانها لأخطاء كثيرة قامت بها إدارته، بقصد أو من دون قصد، غير أنها، في النهاية، أسفرت عن المشهد العالمي الجديد الذي وصلنا إليه، وأدى، بشكل أساسي، إلى نهاية عالم القطب الواحد، وحتى نهاية عصر القوة الأميركي، وانهيار الولايات المتحدة كما كنا نعرفها قبل ثماني سنوات. أوباما في هذه الحال يمكن أن يكون شبيهاً بميخائيل غورباتشوف، آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، والسماح بالهيمنة الأميركية المطلقة منذ بداية التسعينيات. قد تكون المقاربة بين الرجلين محقة في السياسة، غير أن المعطيات مختلفة، خصوصاً أن الطرف الآخر، وهو روسيا اليوم، لا يزال غير مؤهل بالمطلق لأن يكون قطباً وحيداً، إضافة إلى أن فريق حكم جديد في طريقه إلى الولايات المتحدة، وعلى أساسه سيتضح مصير الإمبراطورية الأميركية.
قرّر أوباما، وبصحوة ضمير مرتبطة بمرحلة ما قبل الرحيل، وبانزياح الضغوط عن الإدارة الأميركية، وخصوصاً أن الوافد الجديد إلى البيت الأبيض ليس من البيت الديمقراطي، أن يصفّي حسابات متراكمة، هي بالأساس قائمة على السلبية التي تعاطى بها، هو نفسه، مع غالبية الملفات الخارجية.
فجأةً، صحت الإدارة الأميركية على أنها ما كان يجب أن تسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يتلاعب بكل المقترحات التي حملها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مساعي استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفجأة، تنبه إلى أن التوسّع الاستيطاني في الأراضي المحتلة يضرّ بفرص العودة إلى مسار التسوية السياسية، فأوعز بالتخلي عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لحماية إسرائيل، وسمح بتمرير قرار إدانة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. وأعقب ذلك بمبادرة، متأخرة جداً، لوزير خارجيته، رسم فيها خريطة الدولة الفلسطينية المرتقبة، وضرورة تواصلها الجغرافي، وقال كل ما كان يجب أن يقوله خلال السنوات الماضية، غير أنه لم يكن يمتلك الجرأة لذلك، وانتظر لحظات ما قبل الرحيل لقول ما لم يعد له أي حسابٍ بالسياسة.
الصحوة الأخرى لأوباما وإدارته كانت في الملف الروسي، وتشديد العقوبات على موسكو وطرد الدبلوماسيين. اختار الرئيس الأميركي اتخاذ قرارته في لحظةٍ غير ذات قيمة، وهو ما يفسّر تعاطي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معها. تعاطٍ يمكن تصنيفه في خانة الاستهزاء والذكاء في آن، وهو الذي يدرك أن قرارات أوباما لم تعد تقدم ولا تؤخر، وأن الحكم سيكون بيد "حليفه" دونالد ترامب بعد أقل من شهر.
الأمر أيضاً يدركه أوباما جيداً، لكنه مع ذلك أراد أن "يضع بصمته" على العلاقة مع روسيا الجديدة، والتي ساهم هو شخصياً في تغوّلها على الساحتين، الدولية والإقليمية، بعدما قرّر الانكفاء إلى الداخل الأميركي وترك الساحة لـ "القيصر الجديد" للقيام بما يحلو له، سواء في أوكرانيا أو سورية، وغيرها من المناطق التي يضع بوتين عينه عليها. انكفاء كان لا بد لأحد أن يملأ فراغه، وهو ما استغلته موسكو أحسن استغلال في ظل عدم وجود أي قوة غربية أخرى راغبة حالياً، وقادرة، على ملء الفراغ الأميركي.
عملياً، يمكن النظر إلى قرارات أوباما الأخيرة ومواقفه بأنها محاولة متأخرة جداً لتعويض ما فاته، أو مراجعة أيضاً فات أوانها لأخطاء كثيرة قامت بها إدارته، بقصد أو من دون قصد، غير أنها، في النهاية، أسفرت عن المشهد العالمي الجديد الذي وصلنا إليه، وأدى، بشكل أساسي، إلى نهاية عالم القطب الواحد، وحتى نهاية عصر القوة الأميركي، وانهيار الولايات المتحدة كما كنا نعرفها قبل ثماني سنوات. أوباما في هذه الحال يمكن أن يكون شبيهاً بميخائيل غورباتشوف، آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، والسماح بالهيمنة الأميركية المطلقة منذ بداية التسعينيات. قد تكون المقاربة بين الرجلين محقة في السياسة، غير أن المعطيات مختلفة، خصوصاً أن الطرف الآخر، وهو روسيا اليوم، لا يزال غير مؤهل بالمطلق لأن يكون قطباً وحيداً، إضافة إلى أن فريق حكم جديد في طريقه إلى الولايات المتحدة، وعلى أساسه سيتضح مصير الإمبراطورية الأميركية.