مع بدء التحشيد العسكري حول الموصل والحديث عن اقتراب الهجوم على المدينة، المعقل الرئيسي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، يزداد الصراع حدّة بين أطراف عراقية وغير عراقية، حول هوية المشاركين والممنوعين من المشاركة بالمعركة.
بعد مرور أقل من أسبوع على قرار مجلس محافظة نينوى، وبأغلبية أعضائه، رفض قرار رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، إشراك مليشيا "الحشد الشعبي" في معركة تحرير المحافظة، ومركزها مدينة الموصل، نحو 400 كيلومتر شمال بغداد، أعلن فصيل مسلح آخر هو حزب "العمال" الكردستاني التركي المعارض لأنقرة، المتواجد على الأراضي العراقية، عن استعداده للمشاركة في معركة الموصل، وهو تحرّك يراه المراقبون أنه يأتي بإيعاز ايراني بسبب ارتباط تلك الجماعة بطهران.
كانت سمعة "الحشد الشعبي" قد ظهرت بشكل سيئ مع المعارك التي خاضتها، والتي شهدت اعتداءات على المدنيين ونهبا للممتلكات العامة والخاصة وحرقاً للمنازل وتفجيرا وتخريبا للمساجد، وهو ما دفع مجلس محافظة نينوى لرفض مشاركة "الحشد" في المعركة.
كما اتهم مجلس محافظة نينوى عناصر "الحشد" بـ"ممارسة انتهاكات في ديالى وصلاح الدين"، اللتين شارك بتحرير مناطق فيها، لافتاً إلى أن "مشاركته بمعركة الموصل ستخلق مشكلة كبيرة، لأن أهالي الموصل ضد مشاركتهم".
مع العلم أن إيران تريد الوصول إلى محافظة نينوى، عبر أحد الفصائل الموالية لها، لأن تلك المحافظة العراقية تُشكّل موقعاً استراتيجياً يتيح للإيرانيين الوصول من خلالها إلى سورية براً، عبر طريق بري يمتد من إيران إلى محافظة ديالى ثم محافظة صلاح الدين فمحافظة نينوى فالأراضي السورية.
في هذا السياق، يقول أحد قادة حزب "العمال"، عكيد كلاري في تصريحات صحافية، إن "حزبه جهّز أربعة آلاف مسلّح ودرّبهم للمشاركة بمعركة استعادة الموصل وبقية مناطق محافظة نينوى". كما يكشف عن "قيام حزبه بإجراء اتصالات بشكل متواصل مع بعض العشائر في نينوى، بهدف إطلاعها على مشاركة الحزب في معركة استعادة المحافظة من داعش"، لافتاً إلى أن "وجودهم في الموصل سيُبعدها عن الصراعات القومية والطائفية". يتابع كلاري قائلاً إن "مسلّحيه في وضع الاستعداد للمشاركة بالمعركة وقد تلقوا تدريبات مكثفة"، واصفاً مشاركتهم بـ "الهامة جداً".
اقرأ أيضاً: جدل واسع إثر زيارة قائد عسكري إيراني لمحافظة عراقية
يلفت إلى أن "الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية لن تستطيع لوحدها تحرير الموصل، بسبب الواقع الاجتماعي والتركيبة الدينية والمذهبية فيها"، في إشارة واضحة إلى وجود مجموعات سكانية مثل التركمان الشيعة في قضاء تلعفر وأقلية أخرى تدعى "الشبك"، يتبع قسم منهم المذهب الشيعي، وأن هذه المجموعات تتحفّظ على حصر خوض المعركة على مسلحين من العرب السنة والأكراد، ويريد "الكردستاني" الإيحاء أن وجوده سيوفّر الحماية لتلك المجموعات.
ولمسلّحي الحزب الذي يقاتل الجيش التركي منذ ثلاثة عقود، الذي تحوّل خلال السنوات الأخيرة من التبعية للنظام السوري إلى إيران، تواجدٌ في عدة مواقع بشمال العراق، هي جبال قنديل على الحدود العراقية الإيرانية، وجبال سنجار على الحدود العراقية السورية، وفي مواقع على الحدود العراقية التركية، وفي مخمور، جنوب أربيل، داخل مخيم للاجئين الأكراد.
وفي حال أُتيحت الفرصة لـ"الكردستاني" للمشاركة بمعركة الموصل، فإنه سيدفع بمسلّحيه الموجودين في سنجار القريبة من سورية، وفي مخمور التابعة لأربيل، للاندفاع نحو مدينة الموصل. لكن إشراك هذه الجماعة سيُجابه بمعارضة تركية قوية وحتى من قبل قوات "البيشمركة" التابعة لإقليم كردستان، وذلك لإدراكها أن ذلك الحزب سيعمل على تنفيذ أجندة ايرانية هدفها تمكين طهران من مواقع مهمة في نينوى. ستحظى مشاركة مسلّحي "الكردستاني" بمعركة تحرير الموصل، وفقاً للمراقبين، بتأييد الحكومة العراقية و"الحشد الشعبي" بسبب الارتباط القائم بين الأطراف الثلاثة برعاية إيرانية. كما يكرّر "الكردستاني" موقف الحكومة العراقية بشأن الأنباء التي تشير إلى رغبة تركيا المشاركة في معركة استعادة نينوى، محذراً من المشاركة التركية التي قال إنها "ستخلق مشاكل بين مكونات المحافظة".
يُذكر أن الولايات المتحدة وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي، تصنّف "الكردستاني" منظمة إرهابية، وقد أدى تنسيق الولايات المتحدة مع "وحدات حماية الشعب" الكردية في سورية، المرتبطة بـ"الكردستاني" إلى استياء تركيا.
فضلاً عن ذلك، يتعدّى استخدام إيران لـ"الكردستاني" قضية معركة استعادة مدينة الموصل، إلى ممارسة أدوار أخرى، لعلّ أبرزها التأثير على الوضع الداخلي في إقليم كردستان العراق. بالتالي يدفع تحرك "الكردستاني"، بالتعاون مع "حركة التغيير" برئاسة نوشيروان مصطفى، لتنفيذ سيناريو يهدف للسيطرة، وعن طريق القوة، على مناطق في الإقليم بعد طرد القوات الحكومية منها، الحزبَ الحاكم في الإقليم وهو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود البرزاني، إلى إبداء مخاوفه بسبب تلك التحركات، لدى معتمدي البعثات الدبلوماسية في الإقليم.
في هذا السياق، يفيد بيان لـ"الديمقراطي الكردستاني"، بأن "الحزب أبلغ البعثات الدبلوماسية عن قيام العمال الكردستاني وحركة التغيير، بتشكيل قوة مسلحة في منطقة رابرين الحدودية مع إيران، التي تضمّ قضاء رانية، وقلعة دزه التابعتين لمحافظة السليمانية، وعن نية الجماعتين خلال شهر مارس/آذار الحالي، قيادة أحداث شغب في تلك المنطقة، تمهيداً للسيطرة عليها وطرد الأجهزة التابعة لحكومة الإقليم منها". ومع أن "حركة التغيير" نفت تلك الأنباء، إلا أن "العمال الكردستاني" اعترف بمثل تلك التحركات.
وحول الموضوع، يشير العميد الركن حسين السعدي من وزارة الدفاع لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأطراف التي تريد المشاركة بمعركة الموصل وتصرّ على ذلك، كأنها تريد المشاركة بنزهة أو سفرة إلى منتجع سياحي وليس معركة". يضيف أن "قرار مشاركة هذا أو ذلك بيد الحكومة حصراً، والولايات المتحدة هي من تمتلك مفاتيح أبواب المدينة، ومن دون الطيران الأميركي لن نتمكن من اقتحام المدينة".
يتابع السعدي قائلاً إن "الجيش العراقي والبيشمركة وعشائر الموصل، بدعم وغطاء أميركي هي القوة الثابتة حتى الآن التي ستشارك، أما الحشد الشعبي وحزب العمال، فهناك فيتو أميركي وتركي وعربي أيضاً عليها". ينوّه إلى أن "العدد وصل لنحو 20 ألف مقاتل من الجيش والبيشمركة والعشائر، وهو عدد قابل للزيادة ولا حاجة لأي قوات أخرى". يلفت السعدي إلى أن "مسألة مشاركة العمال الكردستاني واعلانه ذلك، لا تعدو سوى محاولة لإزعاج أنقرة وبعض الأطراف في بغداد بدفع من طهران".
يؤكد أن "العبادي قال للجيش أخيراً إن معركة الموصل ستكون عسكرية بحتة، ولا مجال لأي لون سياسي فيها. بالتالي هو مطابق لما تريده واشنطن، وأعتقد أن حديث العبادي عن مشاركة الحشد هو مسألة غير حقيقية، ويخضع لعملية المماطلة التي يبرع بها العبادي مع الحشد".
من جهته، يؤكد النائب بالبرلمان العراقي محمد الجاف لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة لن تنطلق ما لم تتوقف الأطراف عن إصرارها على المشاركة، وعليهم معرفة أن الموصل لها مكانة حساسة، ولا تقبل أي شكل من أشكال التغيير أو التدمير، الذي تعرّضت له مدن أخرى، مثل تكريت والرمادي".
يلفت إلى أنه "من غير الوارد مشاركة الحشد والعمال الكردستاني وحتى أنه تمّ اختيار فرقة جيدة من الجيش النظامي، تضمّ خليطا من النسيج العراقي ومدرّبة من قبل الأميركيين"، في إشارة إلى الفرقة 15 بالجيش العراقي. يُشدّد الجاف على أن "الاتفاق يتمحور حول أن العام الحالي هو نهاية داعش بالموصل، لكن تلك المحاولات من أطراف عدة، ترمي إلى إضفاء طابع سياسي على المعركة وقد تؤخر التحرير".
اقرأ أيضاً البنتاغون: معركة الموصل بدأت ونعمل على عزل المدينة