وأمام فشل القوات العراقية النظامية في صد الهجمات، لم يجد المالكي من تبريرات وأعذار سوى الحديث عن مؤامرة تسببت بما حصل، إذ قال إنه "وفقاً للمعلومات الأمنية التي وردت إلينا، فما حصل من أحداث في الموصل مؤامرة، ولكننا نبحث الآن عن فرض الأمن".
وفي أحدث جولات تداعي المدن العراقية بيد المسلحين، نجح مقاتلو ثلاثة فصائل مسلحة، بعد معارك استمرت 40 دقيقة، في السيطرة على مدينتي تكريت والدور، في محافظة صلاح الدين، بعد ساعات من سيطرتهم على قضاء الضلوعية ومطارها العسكري ومركز مدينة بيجي النفطية.
كما سيطر المسلحون على 13 ناحية وقرية صغيرة في محافظة صلاح الدين، بالتزامن مع اندلاع اشتباكات على حدود سامراء بين المسلحين وقوات الجيش التي تساندها مروحيات قتالية جرى استقدامها من بغداد.
وأوضح مصدر رفيع المستوى في وزارة الداخلية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "الاتصالات انقطعت مع قائد الفرقة الرابعة، اللواء الركن نذير كوران، وقائد الشرطة، اللواء الركن جمعة عناد، وعدد من القيادات الأمنية، بعد تمكن المجاميع المسلحة من اقتحام مجمع القصور الرئاسية وسط تكريت، والسيطرة على مقر قيادة الجيش والشرطة ومكتب المحافظ ومبنى المحكمة الجنائية ومقر قيادة جهاز مكافحة الارهاب".
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، إن "المدينة باتت بشكل كامل تحت سيطرة المسلحين وسط تأييد من قبل طيف واسع من الأهالي الذين رشقوا الجيش المنسحب من المدينة بالحجارة والزجاجات الفارغة".
ووصف المصدر ما يحدث بأنه "انهيار ناتج عن تراكم أخطاء 11 عاماً لم تقم الحكومة خلالها بالإصلاحات"، مشيراً إلى "عدم تمكن قوات الأمن من العمل ضمن منطقة لا تجد فيها دعماً شعبياً". وأكد أن "سلاح الجو العراقي لا يزال يحلق في سماء مدينة تكريت وقد وجه ضربات جوية لتجمعات المسلحين، أسفرت عن مقتل وجرح عدد منهم".
كما اعترف محافظ صلاح الدين، أحمد عبد الله الجبوري، بسقوط مدينة تكريت وغالبية مدن محافظة صلاح الدين.
وقال، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، من أربيل: "لم تبق في صلاح الدين سوى بلدات صغيرة وسامراء، وهي على وشك الانهيار بسبب استسلام الجيش". وأوضح أن "مسلحين من منابع مختلفة دخلوا تكريت ولم يواجهوا سوى مقاومة ضعيفة من قبل الأجهزة الأمنية والجيش".
ووسط هذه الأجواء، ذكر شهود عيان، من سكان تكريت، أن "مساجد تكريت أذاعت بياناً تضمن عفواً عاماً عن الشرطة المحلية شرط إلقاء عناصرها أسلحتهم وعودتهم للحياة المدنية".
وقال مواطن يدعى حسين التكريتي، لـ"العربي الجديد"، إن "البيان أذيع لبث الطمأنينة في نفوس الأهالي، إذ أكد على العفو عن الشرطة وكل مَن عارض الانتفاضة، ودعا السكان لمزاولة حياتهم بشكل طبيعي".
وأشار إلى أن "المسلحين أحرقوا النقاط الأمنية، ودمروا الثكنات بواسطة الجرافات ورفعوا الحواجز الاسمنتية التي كانت تقيمها قوات الأمن منذ سنوات طويلة داخل المدينة وضواحيها".
في غضون ذلك، أكدت وزارة الخارجية التركية أن الحكومة توفر كل الإمكانيات، وتبذل قصارى جهدها، من أجل تأمين عودة دبلوماسييها الذين اختطفوا يوم الأربعاء، في الموصل إلى البلاد بسلام، حسبما ذكرت وكالة "الأناضول".
وأفاد بيان للخارجية التركية "أن قوات من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، (داعش)، هاجمت مقر القنصلية التركية في الموصل واحتجزت 49 شخصاً رهينة، وتم نقلهم إلى مكان غير معروف"، لافتاً إلى أن "القنصل أوزتورك يلماز، من بين الرهائن".
وأشار البيان إلى أن "أنقرة في تواصل مستمر مع الحكومة المركزية في بغداد، التي تعتبر مسؤولة عن سلامة البعثة الدبلوماسية وعائلاتهم في الموصل".
كما أوضح البيان أن تنظيم "داعش" "احتجز 31 مواطناً تركياً كانوا يعملون في محطة كهربائية بناحية القيارة، التابعة لمدينة الموصل، وأن المساعي جارية لإطلاق سراحهم".
غير أن "داعش" نفى اختطافه لأعضاء البعثة الدلوماسية، ناشراً خبراً في حسابه على موقع "تويتر" يُفيد بأن أعضاء البعثة الدبلوماسية التركية، بمَن فيهم القنصل، "غير مُختطفين"، ولكن تم اصطحابهم إلى مكان آخر لإجراء "تحقيقات معهم"، على حد تعبيره.
كذلك، أكد أحد زعماء التنظيم في الموصل، عبد الرحمن العباسي، لمراسل جريدة "يني شفق" التركية، جيتينر جيتين، أن الأسرى الأتراك في حالة جيدة وهم في مكان آمن. وأوضح
أن التنظيم "على استعداد للحديث مع المسؤولين الأتراك".
وتزامنت هذه التطورات مع سلسلة تفجيرات للسيارات المفخخة، أودت بحياة ما لا يقل عن 37 شخصاً فضلاً عن إصابة العشرات. وقال مصدر في وزارة الداخلية إن "15 شخصاً قتلوا وأصيب 34 بجروح في هجوم انتحاري استهدف مجلساً عشائرياً في مدينة الصدر، في شرق بغداد". ووقع الهجوم خلال اجتماع لوجهاء عشيرتي الفراطسة وبني عميرة، وفقاً للمصدر.
وفي هجوم آخر، قال ضابط برتبة عقيد في الشرطة إنه "قتل 13 شخصاً وأصيب 24 بجروح في انفجار سيارة مفخخة في منطقة العطيفية"، ذات الغالبية الشيعية في شمال بغداد. وفي كربلاء (100 كيلومتر جنوبي بغداد)، قتل أربعة اشخاص وأصيب 13 بجروح في انفجار سيارة مفخخة داخل مرأب للسيارات في منطقة الوند. وفي البصرة (450 كيلومتراً جنوبي بغداد) قتل ثلاثة أشخاص وأصيب سبعة بجروح في انفجار سيارة مفخخة عند سوق شعبي في منطقة صفوان، إلى الغرب من البصرة.
إلى ذلك، أصيب ستة أشخاص بجروح في انفجار سيارة مفخخة في القرية العصرية التابعة لناحية الاسكندرية (40 كيلومتراً جنوب بغداد).