08 نوفمبر 2024
طائرة مصر المخطوفة
ليس حادث تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء، وما تبعه من تداعيات، عرضياً في المقاييس السياسية، بل لعله يختصر الحالة المصرية منذ الانقلاب العسكري، وحتى منذ ما قبله. حالة لم تستطع الصعود لمواجهة التحديات، وبناء ما يمكن أن تكون أجهزة حقيقية يركن إليها، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو حتى الاقتصادي. كل هذه الأجهزة، وما لها من امتدادات، غائبة عن وعي ما يحدث من حولها، على الرغم من أن الحدث يمس مصر وأمنها واقتصادها بالدرجة الأولى. جحافل من خبراء العالم وصلوا إلى سيناء لمعاينة الطائرة وحطامها. ليس مهماً إذا كان هؤلاء الخبراء معنيين بشكل مباشر بالحادث، على غرار الروس أصحاب الطائرة، والمصريين أصحاب الأرض. وإذا كان لوجود هؤلاء مغزى مفهوم، فإن إرسال تركيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة خبراءها يحمل معنى آخر، هو أن مصر غير مؤهلة لتولي مهمة التحقيق والتدقيق، وأن الأمن في هذه المنطقة بات معولماً بشكل غير مسبوق.
لعل الكلام الصادر، أخيراً، عن رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، أن بلاده لم تبلغ بأي تفاصيل عن المعلومات التي تتداولها الاستخبارات الأجنبية عن أن تحطم الطائرة جاء على خلفية تفجير على متنها، بالغ الدلالة عن الحال التي وصلت إليها الأوضاع في مصر. فالبلد من الواضح أنه مخطوف لأناس يستغلونه داخلياً، بغض النظر عن أي دور خارجي، وهو ما يتبدى بالوضع القائم حالياً في ما يخص الطائرة، وأوضاع أخرى يجد فيها نظام عبد الفتاح السيسي نفسه غير قادر على اتخاذ قرار حقيقي، نابع من خيارات استراتيجية، تبدو غائبة بالنسبة إلى النظام الحالي.
أمثلة كثيرة يمكن سوقها في هذا الإطار، اليمن وسورية والعلاقة مع دول الخليج وحتى سد النهضة. لا موقف واضحاً للنظام المصري من كل هذه المسائل، أو ربما استراتيجيته تقوم على المصالح وما يمكن جنيه من كل دولة على حدى. وفي الأغلب، هي مصالح شخصية لا علاقة للدولة بها، وكأن هذا النظام يحاول جمع ما تيسر له من مغانم في سياق الخشية من الرحيل المبكر. على هذا الأساس، يمكن تفسير علاقاته مع دول الخليج، وفي الوقت نفسه، فتحه خطوطاً مع روسيا، ومع النظام السوري، على الرغم مما لهذين التوجهين من تناقض. لا يهم، طالما أن كل خط يمكن أن يؤمن الدعائم للنظام للبقاء، وإطالة عمره.
وفق هذه الاستراتيجية أيضاً، يمكن النظر إلى تعاطيه مع قضية الطائرة. وعلى الرغم من فداحة تصريحات رئيس الوزراء، إلا أنه لم يرفقه بطلب ما لوضع مصر بصورة ما يحدث، وكأن الأمر لا يعنيها. على العموم، هو الوضع هكذا، فأساساً سيناء بالنسبة إلى النظام منطقة مارقة، وخارج سياق الدولة، وهو من مصلحته استجلاب كل تدخل خارجي ممكن لمساعدته في ما يسميه "الحرب على الإرهاب". وربما وجد في حادث الطائرة فرصة سانحة لذلك، حتى أنه ربما يهلل لفرضية التفجير، ويتمنى بينه وبين نفسه أن تكون صحيحة، وأن تكون "ولاية سيناء" فعلاً ضالعة في هذه العملية. لا مشكلة في التداعيات الاقتصادية وانهيار السياحة والاستثمار، طالما أن هناك من يعوّض، كذلك فإنه يركن إلى حالة خمول شعبي تلت الانقلاب، ناتجة عن سياسات ديكتاتورية قمعية، مغلفة بشرعية شعبية مزيفة. لذا، ففي نظر هذا النظام، لا حاجة لأي إجراءات استرضائية للشعب في ما يخص الانهيار الاقتصادي المرتقب، وربما القائم، طالما أن من الممكن أن تكون هناك شماعات يعلق عليها، وهي "الأيادي الخارجية التي تستهدف مصر". هذه العبارة كافية لدغدغة النشيج القومي لدى شريحة كبيرة من المصريين المقتنعين بـ "حروب الجيل الرابع"، أو "مجلس قيادة العالم"، وبالتأكيد، "دور الإخوان" في كل شاردة وواردة. على أساس هذا كله، يستطيع النظام المصري المضي في مزيد من الخزعبلات، وتغييب الدور الفعلي الممكن لأرض الكنانة المخطوفة إلى أجل غير مسمى.
لعل الكلام الصادر، أخيراً، عن رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، أن بلاده لم تبلغ بأي تفاصيل عن المعلومات التي تتداولها الاستخبارات الأجنبية عن أن تحطم الطائرة جاء على خلفية تفجير على متنها، بالغ الدلالة عن الحال التي وصلت إليها الأوضاع في مصر. فالبلد من الواضح أنه مخطوف لأناس يستغلونه داخلياً، بغض النظر عن أي دور خارجي، وهو ما يتبدى بالوضع القائم حالياً في ما يخص الطائرة، وأوضاع أخرى يجد فيها نظام عبد الفتاح السيسي نفسه غير قادر على اتخاذ قرار حقيقي، نابع من خيارات استراتيجية، تبدو غائبة بالنسبة إلى النظام الحالي.
أمثلة كثيرة يمكن سوقها في هذا الإطار، اليمن وسورية والعلاقة مع دول الخليج وحتى سد النهضة. لا موقف واضحاً للنظام المصري من كل هذه المسائل، أو ربما استراتيجيته تقوم على المصالح وما يمكن جنيه من كل دولة على حدى. وفي الأغلب، هي مصالح شخصية لا علاقة للدولة بها، وكأن هذا النظام يحاول جمع ما تيسر له من مغانم في سياق الخشية من الرحيل المبكر. على هذا الأساس، يمكن تفسير علاقاته مع دول الخليج، وفي الوقت نفسه، فتحه خطوطاً مع روسيا، ومع النظام السوري، على الرغم مما لهذين التوجهين من تناقض. لا يهم، طالما أن كل خط يمكن أن يؤمن الدعائم للنظام للبقاء، وإطالة عمره.
وفق هذه الاستراتيجية أيضاً، يمكن النظر إلى تعاطيه مع قضية الطائرة. وعلى الرغم من فداحة تصريحات رئيس الوزراء، إلا أنه لم يرفقه بطلب ما لوضع مصر بصورة ما يحدث، وكأن الأمر لا يعنيها. على العموم، هو الوضع هكذا، فأساساً سيناء بالنسبة إلى النظام منطقة مارقة، وخارج سياق الدولة، وهو من مصلحته استجلاب كل تدخل خارجي ممكن لمساعدته في ما يسميه "الحرب على الإرهاب". وربما وجد في حادث الطائرة فرصة سانحة لذلك، حتى أنه ربما يهلل لفرضية التفجير، ويتمنى بينه وبين نفسه أن تكون صحيحة، وأن تكون "ولاية سيناء" فعلاً ضالعة في هذه العملية. لا مشكلة في التداعيات الاقتصادية وانهيار السياحة والاستثمار، طالما أن هناك من يعوّض، كذلك فإنه يركن إلى حالة خمول شعبي تلت الانقلاب، ناتجة عن سياسات ديكتاتورية قمعية، مغلفة بشرعية شعبية مزيفة. لذا، ففي نظر هذا النظام، لا حاجة لأي إجراءات استرضائية للشعب في ما يخص الانهيار الاقتصادي المرتقب، وربما القائم، طالما أن من الممكن أن تكون هناك شماعات يعلق عليها، وهي "الأيادي الخارجية التي تستهدف مصر". هذه العبارة كافية لدغدغة النشيج القومي لدى شريحة كبيرة من المصريين المقتنعين بـ "حروب الجيل الرابع"، أو "مجلس قيادة العالم"، وبالتأكيد، "دور الإخوان" في كل شاردة وواردة. على أساس هذا كله، يستطيع النظام المصري المضي في مزيد من الخزعبلات، وتغييب الدور الفعلي الممكن لأرض الكنانة المخطوفة إلى أجل غير مسمى.