كانت الفلسطينية نوال العامر (أم موسى)، تأمل بأن يجتمع شمل عائلتها في عيد الفطر بالإفراج عن نجلها الأسير إبراهيم نواف العامر، من قرية كفر قليل، جنوب نابلس، لكن معاناة العائلة تضاعفت باعتقال الاحتلال لنجلها الأصغر براء قبل نحو أسبوعين، ليذكرها ذلك بقسوة المعاناة حين كان زوجها الصحافي نواف العامر قابعا في المعتقلات لفترات طويلة.
تحاول العائلة أن تبقي الفرحة قائمة في العيد، وتقول "أم موسى" لـ"العربي الجديد": "لن يسرقوا فرحتنا. كنا نعيش على أمل أن يكون ابني المحامي إبراهيم معنا في العيد، لكنهم مددوا اعتقاله الإداري، وبعد يوم واحد فقط اقتحم الجنود بيتنا، واعتقلوا ابني براء الذي تخرج من الجامعة قبل أيام. سيكون العيد صعبا في غيابهم".
وتضيف "أم موسى": "نحاول أن نكون أقوياء، لا سيما أننا عشنا تجربة غياب أحد أفراد العائلة بسبب الأسر لدى الاحتلال سابقا، فزوجي نواف تم إبعاده لنحو عام إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أوائل تسعينيات القرن الماضي، وبعدها اعتقل عدة مرات، كما أن إبراهيم جرب السجن أيضا قبل 4 سنوات. هذه حال الفلسطينيين، ونحن لا نختلف عنهم".
وعن أجواء العيد، تقول: "هو عيد صعب بلا شك، لكننا سنفرح ونحتفل حتى لا يشعر الاحتلال بأنه انتصر علينا. قلبي حزين على فراق أولادي، فقد اعتدنا صباح العيد أن نتناول طعام الفطور سويا، ثم يتحركون مع والدهم لزيارة الأقارب، ويعودون في الظهيرة للتجمع على مائدة الغداء، وفي الليل تكون السهرة العائلية بمشاركة الأعمام وأبنائهم".
ليست "أم موسى" وحدها التي تعاني من وجود أكثر من ابن أسير، فرغم عدم وجود إحصائيات رسمية حول عدد الأشقاء الأسرى في سجون الاحتلال، لكن التقديرات تؤكد أن عشرات العائلات الفلسطينية تفتقد أكثر من فرد خلف القضبان، وتمر عليها مناسبات وأعياد كثيرة دون أن يلتئم شمل الأسر على مائدة واحدة.
قبل أشهر قليلة، اعتقل جنود الاحتلال الأشقاء محمد ومهند وحمزة طبنجة من مدينة نابلس، ومر العيد على والدهم وحيدا بعدما فقد زوجته المريضة أخيرا.
وقبل ثلاثة أسابيع، اعتقل الاحتلال الشقيقين موسى وحمدي دويكات من حي بلاطة البلد بنابلس. لكن تبقى عائلة أبو حميد من مخيم الأمعري النموذج الأبرز، إذ اعتقل الاحتلال الأشقاء الخمسة، وترك والدتهم المسنة وحيدة بعدما فارق زوجها الحياة قبل نحو عام، كما هدم الاحتلال بيتهم قبل أشهر.
أما الفلسطيني معين طبنجة (60 سنة)، فهو في وضع لا يحسد عليه، فقد عانى من فقد زوجته التي فارقت الحياة بعد مرضها، وكان أبناؤه الثلاثة يخففون عنه، لكنه الآن يفتقدهم أيضا، فقد اعتقل الاحتلال مهند وحمزة في شهر أغسطس/آب الماضي، وهما طالبان في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، ثم زج الاحتلال بأخيهم الأكبر محمد في السجن في سبتمبر/أيلول الماضي.
ويقول طبنجة لـ"العربي الجديد": "اعتدنا صبيحة كل عيد أن نصلي معا، ثم نزور مقابر أقاربنا الأموات، وآخرهم والدتهم، ثم نقوم بجولة على شقيقاتهم المتزوجات، والعمات، والأقارب، لكنني في هذا العيد سأتجول وحدي".
لكن المسن الذي جرب الاعتقال والإبعاد موقن أن كل ممارسات الاحتلال لن تدفع الفلسطينيين للاستسلام. يقول بلهجة واثقة: "ليفعلوا ما يريدون، لن نهون أو نتأثر، وأولادي ليسوا الوحيدين، فهناك الآلاف خلف القضبان، وعائلاتهم صابرة محتسبة".
غياب الأشقاء الثلاثة ليس سهلا على شقيقتهم الكبرى "أم إبراهيم"، فهي لا تشعر بالعيد إلا إذا زارها والدها وأشقاؤها، تقول: "كانوا يضفون على العيد فرحا يشعرني بأجواء العيد، رغم أني قد أكون رأيتهم قبلها بيوم، إلا أن دخولهم علي يوم العيد يساوي الدنيا".
وتدرك "أم إبراهيم" معاناة أهالي الأسرى، وتقول لـ"العربي الجديد": "كان الله في عون والدي، وفي عون أهالي الأسرى، فمجرد أن تجتمع بهم في الحافلة التي تقلك لزيارتهم في السجون تسمع قصصا يشيب لها الرأس، فهذه الأم لم تعش أجواء العيد منذ 20 سنة، وتلك نسيت معنى الفرحة، وثالثة تقسم أن عيدها يوم أن يتحرر نجلها من السجون".
وحسب بيان لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، فالعيد مناسبة ثقيلة على الأسرى وذويهم، إذ تعيش عائلاتهم أشد لحظات الحزن، ويستحضر الأهل سيرتهم، وربما تتفاقم المعاناة لدى أهالي الأسرى الذين يقضون أحكاما عالية، أو الذين مضى على اعتقالهم سنوات طويلة، فمنهم من لم يذق طعما للعيد منذ أعوام عديدة، كعائلة الأسير كريم يونس، المعتقل منذ 35 عاما، ما يعني أنه مر على والدته 70 عيدا بدونه.