عقدة حصار الأخوة

22 اغسطس 2015
+ الخط -
التهدئة أو الهدنة، أو غيرها من المسميات، هو ما ينتظره قطاع غزة للخروج من دوامة الحصار والاعتداءات التي عاشها أكثر من ثماني سنوات. يحبس أهالي القطاع أنفاسهم، بانتظار معلومة من هنا أو أخرى من هناك، وهم الذين عانوا كثيراً، ويترقبون فرجاً يرفع عن كاهلهم معاناة لم تعد تطاق. في الأسبوع الماضي، كانت المعلومات مفرحة. كتم الغزيون موجة السرور بداخلهم، وهم الذين خبروا الإحباط في أكثر من مناسبة، ولا سيما في مناسبات المصالحات الكثيرة التي عاشها الانقسام الفلسطيني، وانتهت كلها إلى لا شيء.
التهدئة أو الهدنة أو تثبيت وقف إطلاق النار، لا يهم المسمى. المهم ما سينتج عن هذا المسمى من حال استقرار يتوق الغزيون إلى العيش في كنفها. قد لا يكون استقراراً كاملاً، لكنه الحد الأدنى من الأمان، خصوصاً في التنقل من القطاع وإليه، والخروج من تحت الرحمة المصرية، أو المزاجية في فتح معبر رفح وإغلاقه، وإمرار من يريد هذا الضابط أو ذاك من الغزيين الراغبين في الخروج من السجن الكبير في القطاع.
كان الغزيون محقين في كتم الفرحة، ولا سيما بعدما تحولت الانفراجات سريعاً إلى تعقيدات، أو على الأقل هذا ما تريد سلطات الاحتلال إظهاره، حتى لو كانت هي نفسها تواقة إلى مثل هذه التهدئة مع قطاع غزة، ومن ورائه حركة حماس. المفارقة أن التعقيدات ليست بالضرورة إسرائيلية بشكل مباشر، بل تأتي من مكان آخر، أو مكانين، تراعي إسرائيل عدم إزعاجهما في هذه المرحلة.
يأتي الانزعاج الأول من المقلب الفلسطيني الآخر، الممثل بالسلطة الوطنية في الضفة الغربية، التي لم يسع رئيسها محمود عباس إلى محاولة إخفاء اعتراضه على الاتصالات القائمة بين "حماس" وإسرائيل، بل ساق الأمر وكأنه اتهام مباشر للحركة بـ "التعامل مع العدو"، عندما أشار إلى أن حماس تقيم مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. بالتأكيد، ليس هذا ما يزعج عباس، وهو الذي يرأس سلطة تقوم بالأساس على التواصل المباشر مع الاحتلال، أمنياً وسياسياً واقتصادياً. الاعتراض في مكان آخر، بداية كون هذه الاتصالات لا تمر عبر السلطة المركزية، وثانياً لأن مثل هذا التواصل سيحدث واقعاً جديداً في قطاع غزة يعيد "حماس" بقوة إلى الساحة السياسية الفلسطينية، وهو ما لا ترغبه قيادة السلطة، ومن ورائها "فتح". يرى الطرفان في مثل هذا الأمر مزيداً من التعقيد للمصالحة الفلسطينية، المعقدة أساساً، إذ تعيد "حماس" إلى موقع الند المتحرر من الضغوط الداخلية والخارجية، لتكون منافساً أساسياً لسلطة عباس، بعد مرحلة الوهن التي مرت فيها الحركة، في أعقاب الحصار والاعتداءات.
يأخذ نتنياهو هذه الأمور في الاعتبار، وهو الذي يرى الخطر الأساسي في الضفة الغربية، وليس قطاع غزة. وبالتالي، لا يستطيع المخاطرة بفقدان التواصل مع سلطة محمود عباس، والحرمان من نعمة تنسيقها الأمني مع القوات الإسرائيلية. كان تنسيقاً أساسياً في إحباط عمليات عسكرية كثيرة في الضفة الغربية، باعتراف التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي.
الطرف الثاني المنزعج من الاتصالات هو نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي يريد الحفاظ على معبر رفح وسيلة ابتزاز لغزة وأهل القطاع، ومن ورائهم حركة حماس. ابتزاز متعدد الأوجه، منها أيضاً التنسيق الأمني مع السلطات المصرية في حربها ضد الجماعات المسلحة في سيناء، وهو ما تبدي "حماس" استعدادها له، بغض النظر عن المعبر أو غيره من وسائل الضغط المصرية، لدفع الاتهامات التي تلقيها القاهرة جزافاً على الحركة لجهة مساهمتها في زعزعة الاستقرار في سيناء. ترى القاهرة في خطوة التهدئة المرتقبة، مع ما يرافقها من فك للحصار، من دون العودة إلى النظام المصري، تهديداً مباشراً، خصوصاً أنه سيخلق كياناً متحرراً على الحدود المصرية. أيضاً نتنياهو لا يريد إزعاج السيسي في هذه المرحلة، ولا سيما في ظل التنسيق الأمني والموافقات التي تقدمها إسرائيل لمصر للتحرك عسكرياً في سيناء.
ما بين عباس والسيسي، يبدو أن قطاع غزة سيبقى رهينة المصالح والحسابات السياسية. وحتى مع فك العقدة الإسرائيلية، يبقى حصار الأخوة أشد تعقيداً.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".