الرد الغامض يؤدّي الغرض
استيقظ العالم يوم الأحد الماضي على حدثٍ، كان من المفترض أن يكون جللاً، إذ نفذ حزب الله اللبناني تهديداته بالردّ على اغتيال الرجل الثاني في الحزب، فؤاد شكر، في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية. انتظر العالم معرفة طبيعة الردّ الذي نفذه الحزب، خصوصاً بعدما أعلنت إسرائيل أنها نفذت هجوماً استباقياً كبيراً على مواقع في الجنوب اللبناني، قالت دولة الاحتلال إن حزب الله كان يحضّر لاستخدامها لإطلاق هجومه على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
استمر الغموض ساعات، بين تأكيد من مسؤولين في حزب الله على نجاح الهجوم والنفي الإسرائيلي لحصوله، إلى أن أطلّ الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، ليعلن عن تفاصيل "العملية" التي نفذها الحزب "بنجاح"، وليؤكّد أن المكان المستهدف كان قاعدة غليلوت، وهي قاعدة مركزية للاستخبارات الإسرائيلية في ضواحي تل أبيب. أما تفسيره للغارات الإسرائيلية التي قالت دولة الاحتلال إنها استباقية، فأشار إلى أن الحزب نفّذ "مناورة" لإشغال سلاح الجو الإسرائيلي والقبّة الحديدية، لتعبر المسيّرات إلى هدفها.
كان كلام نصرالله مقنعاً من حيث الشكل، خصوصاً مع استفاضته في شرح موقع القاعدة المستهدفة ومدى بعدها عن تل أبيب، غير أن شيئا على أرض الواقع لم يظهر ويؤكّد صحة ما قاله. والمعلومات التي ساقها عن القاعدة والشوارع المحيطة بها تظهر معرفة حزب الله بالمنطقة، سواء عبر مسيّراته التجسّسية أو عبر التطبيقات الجغرافية الكثيرة المتوفرة عالمياً، إلا أنها لا تؤكد أن الضربة حصلت أو نجحت.
وبغضّ النظر عن النفي الإسرائيلي كلام نصرالله، والتأكيد على أن أي قاعدة لم تُستهدف، فإن أياماً مرّت ولم يتسرّب أي معطىً يؤكد صحة إعلان حزب الله. ومن المعلوم أن الإعلام في إسرائيل يحرص، رغم الرقابة الأمنية المسبقة على المعلومات الحربية، على ألا يتغاضى عن حدثٍ بهذا الحجم، في حال حصوله، ويتحايل على منع النشر داخلياً، بتسريب المعلومات إلى الصحافة الغربية، لينقل عنها لاحقاً. وهو ما حصل في مرّاتٍ كثيرة، لكنه لم يحدث حالياً، حتى الآن على الأقل.
ولكن يبدو أن هذه الضربة الغامضة، نجحت أو فشلت، أدّت غرضها، وقلّصت حال التوتر الذي كان قائماً في المنطقة عموماً، ولبنان خصوصاً، مع تصاعد الحديث عن حربٍ واسعة، يريدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بينما يسعى حزب الله إلى تجنّبها في ظل عدم الجهوزية لها على أكثر من مستوى.
فخلال أيام ترقب رد الحزب تصاعد القلق في الداخل اللبناني، وظهر عدم تماسك الجبهة الداخلية في الوقوف وراء حزب الله، حتى داخل بيئة الحزب نفسها، والتي اشتكى بعض أفرادها الذين نزحوا إلى مناطق أخرى من سوء المعاملة والاستغلال. إضافة إلى ذلك، أظهرت الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل، ولا تزال، لقيادات في حزب الله، أن هناك خرقاً استخبارياً كبيراً في داخله، وهو ما يمكن أن يؤدّي إلى خسائر كبيرة في صفوف الحزب، في حال توسّعت المواجهة. أيضاً، أكّد الحشد العسكري الأميركي الكبير في البحر المتوسّط، ودخول غواصة نووية على الخط، للحزب أن الحرب، في حال اندلاعها، لن تكون محمودة العواقب.
على هذا الأساس، كان اختيار الحزب ردّه، والذي يبقى غامضاً، فهو استهدف قاعدة عسكرية، بحيث لا يخرق قواعد الاشتباك، وإن كانت القاعدة في العمق الإسرائيلي، ولم يستهدف مدنيين، وهو ما أعلنه نصرالله في خطابه، والذي سارع خلاله إلى إعلان "انتهاء الردّ"، طالباً من اللبنانيين ممارسة حياتهم الطبيعية، ومن الذين غادروا بيوتهم في الأيام الماضية العودة إليها.
نسبياً، استمع اللبنانيون إلى نصائح نصرالله، فعملية الحزب الغامضة أدّت فعلياً إلى تخفيف نسبة التوتّر، غير أنها لم تُنه احتمالات التصعيد كلياً.