التنافس في حب إسرائيل
كانت المناظرة الرئاسية بين المرشحيْن للانتخابات الأميركية، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، فرصة لإظهار مدى الأهمية التي تحتلها إسرائيل في السياسات الأميركية، بغضّ النظر عن الطرف الحاكم، فكان واضحاً من التطرّق إلى إسرائيل في المناظرة أن النظر إليها ليس من باب التحالف بقدر ما هو تعاطٍ يتعلق بشأن داخلي أميركي، وكأن إسرائيل فعلاً هي الولاية الحادية والخمسون في الولايات المتحدة.
خلال المناظرة برزت اختلافاتٌ عديدة بين المرشّحين في الملفات التي تهم المواطن الأميركي، لكن الاتفاق كان على دعم إسرائيل وتأييدها ودرء الاتهامات بعكس ذلك، والتي كالها ترامب لمنافسته، وزاد عليها أن وصول هاريس إلى السلطة سيعني زوال إسرائيل خلال عامين، ما يؤشّر إلى أهمية الكيان في الأولويات الأميركية. وادّعى ترامب أن هاريس لا تدعم إسرائيل، وعاب عليها غيابها عن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس في 24 يوليو/ تموز الماضي، مشيراً إلى أن ذلك يعكس عدم دعمها إسرائيل وكرهها لها. وبدورها، عملت هاريس جاهدة على نفي التهم التي قالها ترامب، وتحدثت عن السنوات التي أفنتها في دعم إسرائيل، مشدّدة على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، رغم إشارتها سابقاً إلى المأساة التي أحدثها العدوان على القطاع.
تغاضى المرشّحان عن كل الجرائم التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزّة منذ أكثر من عشرة أشهر، وأعادا سرد الادّعاءات التي راجت بعد 7 أكتوبر (2023)، والتي لم يثبت حصولها، بل على العكس هناك من خرج لينفيها. فعند سؤالها عن الحرب على قطاع غزّة والأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس"، أعادت هاريس ترديد الادعاءات ابأن مقاتلي كتائب القسام ارتكبوا جرائم اغتصاب خلال عملية "طوفان الأقصى"، وهو ما صادق عليه ترامب ولم يجادل منافسته، رغم أن باب الجدال، في حال أراد، مفتوح على مصراعيه في هذه النقطة بالتحديد.
كامالا هاريس ودونالد ترامب تجاهلا كل التقارير الصحافية والأمنية التي أشارت إلى عدم وجود أدلة دامغة على حصول حالات اغتصاب خلال العملية التي نفذتها فصائل المقاومة، ولم يلتفتا إلى الشهادات التي قدمتها محتجزات لدى "حماس" تم إطلاق سراحهن في عملية التبادل الأولى، والتي أكدن فيها تلقيهن معاملة حسنة وعدم الاعتداء عليهن. في المقابل، هناك آلاف الشهادات والتقارير الدولية التي تتحدث عن تعرض أسيرات فلسطينيات إلى انتهاكات جنسية، منها الاغتصاب.
أكثر من ذلك، ومن دون اللجوء إلى التقارير الدولية، كان يكفي النظر إلى اعتراف جيش الاحتلال بحصول عمليات اغتصاب أسرى فلسطينيين رجال، والسجال الذي حصل في الكنيست لتبرير هذا الاغتصاب الذي باركه كبار الحاخامات في إسرائيل. هذا النقاش سابقة عالمية، إذ لم يحصل أن جرى بحث تشريع الاغتصاب في أيٍّ من برلمانات الكرة الأرضية، حتى في أكثر الدول ديكتاتورية. حتى إن متظاهرَيْن إسرائيليَّين حاولا في وقت سابق اقتحام السجن الذي يحتجز فيه جنود متهمون باغتصاب أسرى فلسطينيين، لمحاولة إطلاق سراحهم.
هذه الشواهد الخاصة بوقائع معينة جرى ذكرها في المناظرة تُضاف إلى المشاهد التي تبثّ يومياً على شاشات التلفزة العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي توثق الجرائم الإسرائيلية، لم تحظ باهتمام أي من المرشّحين الرئاسيين الأميركيين، اللذين تنافسا على حب إسرائيل، بغض النظر عما ترتكبه من مجازر وعن انتهاكات للقوانين الدولية، وحتى إنهما تجاهلا في بعض الأحيان مصالح الولايات المتحدة نفسها وسياساتها، ما يعني أن مصلحة إسرائيل، بالنسبة إلى المرشحين الأميركيين، هي العليا.