إعلان صريح للحرب
لم يعد الحديث قائماً عن احتمالات تدحرج الأوضاع على الجبهة اللبنانية مع إسرائيل إلى حربٍ واسعة، فما قامت به دولة الاحتلال خلال الأيام الماضية يشكل إعلاناً صريحاً للحرب، في حال تجاوب الطرف الآخر أو لم يتجاوب. فمن الواضح أن إسرائيل قرّرت فتح الجبهة على مصراعيها تحت عنوان "إعادة مواطنينا" إلى الشمال، أي درء خطر حزب الله وصواريخه ومسيّراته عن المستعمرات القريبة من الحدود مع لبنان.
وإعلان الحرب هذا لم يكن عادياً، بل كان ابتكاراً إجرامياً غير مسبوق عالمياً، وحتى تخطّى الخيال العلمي السينمائي الذي تعاطى مع مواضيع الحروب والتجسّس. فتفجير أكثر من ثلاثة آلاف جهاز اتصال (بيجر)، من المفترض أنها في حوزة عناصر من حزب الله أو مؤيدين له، وفي مختلف الأراضي اللبنانية وإيقاع هذا الكم من الضحايا، يمثل خرقاً لكل الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك التي قامت منذ بدء العدوان على قطاع غزّة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفتح حزب الله ما سُميت "جبهة الإسناد" من جنوب لبنان.
وللتوكيد على هذا الإعلان، لم تكتف إسرائيل بتفجير "البيجرات"، بل زادت عليه في اليوم التالي تفجير مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكي التي كانت في حوزة مواطنين لبنانيين عديدين، قد يكونون عناصر في حزب الله، خلال تشييع الشهداء الذين سقطوا بعملية التفجير الأولى، من دون ترقّب رد الفعل المتوقع للحزب، إذ إن الحرب بدأت فعلاً بالنسبة إلى دولة الاحتلال، والضربات لم تعد قائمة على الفعل ورد الفعل.
من وجهة النظر الإسرائيلية، الوقت الآن هو الأنسب لفتح جبهة لبنان، بعد السيطرة النسبية لجيش الاحتلال على الوضع في قطاع غزّة، وهو ما يتضح من نقل معظم الفرق التي كانت عاملة في القطاع إلى الحدود اللبنانية. يضاف إلى ذلك استغلال التنافس الأميركي على دعم إسرائيل بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وهو ما ظهر في مناظرة مرشّحي الحزبين للانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على الأرض في حال كانت هناك حاجة إلى تدخل أميركي لدعم الحليفة الأولى، خصوصاً في ظل وجود القطع البحرية الأميركية في البحر الأبيض المتوسط، والتي أرسلت في الأساس لمثل هذه اللحظة بعد تصاعد التوتر على الحدود مع لبنان الشهر الماضي. لكن ردّ فعل حزب الله سيكون حاسماً في مدى اندفاع إسرائيل في هذه الحرب، فدولة الاحتلال تريد تحرّكاً من الحزب يتيح لها زيادة وتيرة اعتداءاتها على لبنان وتوسيع مداها الجغرافي بشكل مباشر، وليس عبر تفجيرات عن بعد كما حدث في الأيام الماضية.
ليس حزب الله، في المقابل، راغباً بالتأكيد في مجاراة إسرائيل وفتح الجبهة على مصراعيها، لكنه سيكون مضطراً إلى ذلك بعد الضربات التي مسّت الهيبة التي بناها الحزب لنفسه خلال السنوات العشرين الماضية، وتحديداً بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في عام 2000. لكن المشكلة الكبرى التي تواجه الحزب اليوم هي الانكشاف شبه الكامل أمام دولة الاحتلال. ولم يظهر ذلك خلال التفجير الأخير للأجهزة فقط، والذي يعدّ عملاً استخباراتياً ضخماً جداً ومعداً له منذ شهور، بل قبل ذلك، في كم الاغتيالات الكبير التي طاولت عناصر ومسؤولين عسكريين بارزين في حزب الله، الأمر الذي يؤثّر في قدرات الحزب وسلامة هيكله، حتى لو قال الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، عكس ذلك. حزب الله مدرك هذه الأزمة، وبدأ فعلياً بتحقيقات داخلية شملت كبار المسؤولين فيه، وهناك حديث عن اختراق إسرائيلي لقيادات في الحزب وتجنيدها لصالحه. وإذا صحّت هذه المعلومات، وهي غير مستبعدة، فإن الحزب سيكون مكبلاً في رده على الاحتلال.
ساعات قليلة حاسمة ستكون كفيلة بتحديد مسار إعلان الحرب الإسرائيلي، وإلى أي مدى يمكن أن يصل.