07 اغسطس 2024
عن الجبهة الوطنية المصرية
أعلن، في الذكرى الرابعة لانقلاب 3 يوليو 2013 في مصر، معارضون مصريون بارزون في الخارج إطلاقهم مشروعاً لتأسيس تحالف لقوى المعارضة المصرية، تحت مسمى الجبهة الوطنية المصرية، يهدف إلى التخلص من نظام الانقلاب العسكري الحاكم في مصر، واستعادة مكتسبات ثورة يناير 2011.
فور الإعلان عنها، تعرّضت الجبهة لانتقاداتٍ حادة من أحد أبرز الهيئات المعبرة عن المعارضة المصرية حالياً، وهو المجلس الثوري المصري، ومركزه لندن، ويضم في عضويته جماعة الإخوان المسلمين، كما تعرّضت لانتقادات من ناشطين ومصريين، شعروا بعدم القدرة على التمييز بين الكيان الجديد من ناحية والكيانات والمبادرات التي تم الإعلان عنها منذ الانقلاب العسكري من ناحية أخرى، ولشعورهم كذلك بالقنوط من مختلف كيانات المعارضة المصرية، نظرا لتفرقها وعجزها عن توفير منبر قوي ومتماسك، يساعد المصريين على مقاومة النظام وانتهاكاته.
في المقابل، كشفت الجبهة، فور الإعلان عنها، عن امتلاكها بعض عناصر القوة الواضحة للعيان، حيث ضمّت بعض أبرز الشخصيات المعارضة في الخارج، والمعروفين بوسطيتهم وخطابهم الهادئ، والذين يعبّرون عن توجهات عدد من أهم القوى السياسية المعارضة للانقلاب العسكري، بما في ذلك جماعة الإخوان وأحزاب الوسط و"البناء والتنمية" وغد الثورة وشباب انتمى سابقا لجماعة 6 أبريل، بالإضافة إلى مستقلين. كما تبنت الجبهة، في إعلانها التأسيسي، خطابًا يستحق الثناء، لوسطيته وتخطيه قضية الاستقطاب السياسي والإيديولوجي، ومحاولته بناء الجسور بين "الإخوان" ومعارضيهم، ورفضه خطاب الكراهية، وتخوين مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجيش المصري. حيث ينادي أعضاء الجبهة بالفصل بين الجيش وغيره من مؤسسات الدولة المصرية، كمؤسسات تضم مئات آلافٍ من أبناء الشعب المصري وبين قياداتها التي قادت الانقلاب العسكري، وترتبط بشبكات الفساد والاستبداد، وذلك في محاولةٍ لإرسال رسالة طمأنةٍ لمختلف القوى السياسية وللشعب، وكذلك للعناصر الموجودة داخل مؤسسات الدولة المصرية، والمغلوبة على أمرها.
تدفع عناصر القوة السابقة إلى البحث في خلفية الجبهة والقوى الداعمة لها وظروف الإعلان
عنها في الوقت الراهن، وما تمثله من فرص، وتواجهه من تحديات، وكذلك الفروق بينها وبين كياناتٍ أخرى، كالمجلس الثوري المصري، والذي يعد أشهر كيان أسّسه معارضو الانقلاب في الخارج، بهدف توحيد القوى السياسية وإسقاط الانقلاب. وللإجابة على الأسئلة السابقة بشكل أكثر دقة، حرص كاتب هذه السطور على الاتصال بمسؤولين في الجبهة، وآخرين في المجلس الثوري المصري، وبمتابعين نشاط المعارضة المصرية، وسعيها إلى التكتل، وتحدثنا معهم عن رأيهم في الجبهة، وما تعنيه للمعارضة المصرية، شريطة أن تتم تلك المحادثات سرا، ومن دون ذكر أسماء، سعيا للوصول إلى المعلومة من دون حساسيات سياسية.
وبناءً على تلك المحادثات، ومتابعة نشاط المعارضة المصرية، خصوصا الموجودة في الخارج منها، أمكن التوصل إلى الخلاصات التالية:
أولا: تمثل الجبهة الوطنية المصرية نتاج مشاوراتٍ استمرت شهورًا، وربما سنواتٍ منذ انقلاب "3 يوليو"، بهدف توحيد جهود قوى المعارضة المصرية في جبهة جديدة، معبرة عن ثورة يناير وأهدافها. ويقول المشاركون في الجبهة، والمتابعون لها ومنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، إن الجبهة هي آخر ما توصلوا إليه من جهد، خصوصا بعد شعورهم بعجز المبادرات والكيانات السابقة عن تحقيق هدفها الأساسي، المتمثل في توحيد قوى المعارضة المصرية، بهدف إسقاط الانقلاب العسكري.
وتتميز الجبهة الحالية بثلاث مزايا رئيسية، أنها تضم أوسع تكتل للمعارضة المصرية تم تشكيله منذ الانقلاب، وأكثرها تنوعا، وفيها قادة ينتمون إلى جماعات شبابية وأخرى ليبرالية، مثل حزب غد الثورة، وقادة يعبرون عن توجهات دينية وسطية، كأعضاء سابقين في حزب الوسط، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين ومستقلين. ويقول القائمون على الجبهة والمتابعون لها إن هذه هي المرة الأولى منذ يوليو/تموز 2013 التي يوافق فيها كل هؤلاء على الانضواء تحت راية واحدة.
بالإضافة إلى السعة والتنوع، تتميز الجبهة بخطابها السياسي الذي يرفض قضايا، كالانقسام الإيديولوجي والعنف السياسي والصدام مع مؤسسات الدولة. ويدعو، في المقابل، إلى تحوّل ديمقراطي تدريجي، يدار على أساس الشراكة السياسية بين القوى الداعمة للثورة.
وتتميز الجبهة كذلك بأنها ليست مجرّد وثيقة مبادئ، يعلن عنها، أو منظمة يتم تأسيسها، لكنها تعبر، في جوهرها، عن مشروع سياسي، يحاول تجميع المعارضة المصرية في كيانٍ سياسيٍّ واحد، له مكاتبه الدائمة، وآليات عمله، ويمتلك تصوراً لإدارة العلاقة بين القوى السياسية في الفترة الحالية والإدارة فترة ما بعد سقوط الانقلاب العسكري.
ثانياً: أجمع من تحدث معهم كاتب هذه السطور على أن المجلس الثوري المصري، وغيره من الكيانات التي سبق الإعلان عنها، وصلت إلى طريق مسدود، فالمبادرات السابقة كانت أشبه بوثائق مبادئ، وليست مشاريع سياسية، كما انحصر عمل المجلس الثوري فعليا في قضية
واحدة تقريبا، وهي الشرعية، أو مطالب فريقٍ من معارضي الانقلاب بضرورة عودة الرئيس محمد مرسي إلى الحكم شرطا أساسيا للعمل مع القوى السياسية الأخرى. ومن حديث مع قيادات في المجلس نفسه، بات واضحا أن المجلس يتعامل مع تلك القضية بشكل مبدئي وعاطفي، فالقائمون على المجلس يرون أنهم يخدمون بالأساس من ينادون بعودة مرسي، بغض النظر عن واقعية المطلب، أو قدرته على توحيد القوى السياسية، بل بدا واضحا أن المجلس لا يدقّق في تحالفاته، أو الملتفين حول رايته، فهو يرحب بالآخرين، ويرفضهم بناء على قضية الشرعية، والتي باتت قضية وجودية بالنسبة للمجلس، والقائمين عليه.
ثالثاً: تعاني المعارضة المصرية في الداخل والخارج من مشكلات واضحة للعيان، وفي مقدمها الاحتقان السياسي والإيديولوجي، والخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين، والتشرذم والقمع الهائل الذي يمارسه الانقلاب، وقلة موارد المعارضين المصريين في الخارج، وتفرقهم بين البلاد، وغياب ما يمكن تسميتهم السياسيين المحترفين في أوساط المعارضة المصرية، فمصر كبلد يعاني من الاستبداد منذ الاستقلال، يفتقر لطبقة من السياسيين المحترفين، فالموجود حاليا يقتصر بالأساس على مثقفين، لا يمارسون السياسة، ويرفعون دائما سقف المطالب إلى أفق مثالية، ونشطاء يمارسون السياسة بلا خبرة، أو موارد، أو مؤسسات.
وقد اشتكى القائمون على الجبهة، والمتابعون لها، من كل تلك العوامل، أسبابا معيقة لعملهم، ومن حالة الاحتقان بين جماعة الإخوان والقوى المشاركة في "30 يونيو"، خصوصا من القوى العلمانية والليبرالية، حيث رأوا أن تلك القوى مازالت تعاني من الاستقطاب وصعوبة العمل مع التيار الديني. كما تعاني جماعة الإخوان من الاستقطاب، وضعف القيادة والقدرة على حسم مواقفها، فالإخوان مثلا أعضاء في المجلس الثوري الذي يهاجم الجبهة الوطنية، والتي تضم في عضويتها الإخوان أنفسهم. وهناك من يقول إن ظاهرة المزايدين السياسيين، أو نجوم الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي الذين اكتسبوا شهرتهم من المزايدة السياسية، باتت تعيق العمل السياسي وجهود توحيد القوى السياسية، وتمثل قيدا على القوى السياسية المختلفة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين نفسها.
رابعاً: يرى بعضهم أن الجبهة تمثل فرصة مهمة للجيل الراهن من المعارضة المصرية، خصوصاً في ظل حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي التي تعيشها مصر، بسبب سياسات النظام الحاكم، وأن الظروف الحالية تمثل فرصةً سانحة لتوحيد القوى السياسية. وفي حالة فشل الجبهة، سيتحتم على المصريين انتظار ظهور قوى سياسية جديدة، تفرزها الأحداث، ولو بعد حين.
فور الإعلان عنها، تعرّضت الجبهة لانتقاداتٍ حادة من أحد أبرز الهيئات المعبرة عن المعارضة المصرية حالياً، وهو المجلس الثوري المصري، ومركزه لندن، ويضم في عضويته جماعة الإخوان المسلمين، كما تعرّضت لانتقادات من ناشطين ومصريين، شعروا بعدم القدرة على التمييز بين الكيان الجديد من ناحية والكيانات والمبادرات التي تم الإعلان عنها منذ الانقلاب العسكري من ناحية أخرى، ولشعورهم كذلك بالقنوط من مختلف كيانات المعارضة المصرية، نظرا لتفرقها وعجزها عن توفير منبر قوي ومتماسك، يساعد المصريين على مقاومة النظام وانتهاكاته.
في المقابل، كشفت الجبهة، فور الإعلان عنها، عن امتلاكها بعض عناصر القوة الواضحة للعيان، حيث ضمّت بعض أبرز الشخصيات المعارضة في الخارج، والمعروفين بوسطيتهم وخطابهم الهادئ، والذين يعبّرون عن توجهات عدد من أهم القوى السياسية المعارضة للانقلاب العسكري، بما في ذلك جماعة الإخوان وأحزاب الوسط و"البناء والتنمية" وغد الثورة وشباب انتمى سابقا لجماعة 6 أبريل، بالإضافة إلى مستقلين. كما تبنت الجبهة، في إعلانها التأسيسي، خطابًا يستحق الثناء، لوسطيته وتخطيه قضية الاستقطاب السياسي والإيديولوجي، ومحاولته بناء الجسور بين "الإخوان" ومعارضيهم، ورفضه خطاب الكراهية، وتخوين مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجيش المصري. حيث ينادي أعضاء الجبهة بالفصل بين الجيش وغيره من مؤسسات الدولة المصرية، كمؤسسات تضم مئات آلافٍ من أبناء الشعب المصري وبين قياداتها التي قادت الانقلاب العسكري، وترتبط بشبكات الفساد والاستبداد، وذلك في محاولةٍ لإرسال رسالة طمأنةٍ لمختلف القوى السياسية وللشعب، وكذلك للعناصر الموجودة داخل مؤسسات الدولة المصرية، والمغلوبة على أمرها.
تدفع عناصر القوة السابقة إلى البحث في خلفية الجبهة والقوى الداعمة لها وظروف الإعلان
وبناءً على تلك المحادثات، ومتابعة نشاط المعارضة المصرية، خصوصا الموجودة في الخارج منها، أمكن التوصل إلى الخلاصات التالية:
أولا: تمثل الجبهة الوطنية المصرية نتاج مشاوراتٍ استمرت شهورًا، وربما سنواتٍ منذ انقلاب "3 يوليو"، بهدف توحيد جهود قوى المعارضة المصرية في جبهة جديدة، معبرة عن ثورة يناير وأهدافها. ويقول المشاركون في الجبهة، والمتابعون لها ومنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، إن الجبهة هي آخر ما توصلوا إليه من جهد، خصوصا بعد شعورهم بعجز المبادرات والكيانات السابقة عن تحقيق هدفها الأساسي، المتمثل في توحيد قوى المعارضة المصرية، بهدف إسقاط الانقلاب العسكري.
وتتميز الجبهة الحالية بثلاث مزايا رئيسية، أنها تضم أوسع تكتل للمعارضة المصرية تم تشكيله منذ الانقلاب، وأكثرها تنوعا، وفيها قادة ينتمون إلى جماعات شبابية وأخرى ليبرالية، مثل حزب غد الثورة، وقادة يعبرون عن توجهات دينية وسطية، كأعضاء سابقين في حزب الوسط، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين ومستقلين. ويقول القائمون على الجبهة والمتابعون لها إن هذه هي المرة الأولى منذ يوليو/تموز 2013 التي يوافق فيها كل هؤلاء على الانضواء تحت راية واحدة.
بالإضافة إلى السعة والتنوع، تتميز الجبهة بخطابها السياسي الذي يرفض قضايا، كالانقسام الإيديولوجي والعنف السياسي والصدام مع مؤسسات الدولة. ويدعو، في المقابل، إلى تحوّل ديمقراطي تدريجي، يدار على أساس الشراكة السياسية بين القوى الداعمة للثورة.
وتتميز الجبهة كذلك بأنها ليست مجرّد وثيقة مبادئ، يعلن عنها، أو منظمة يتم تأسيسها، لكنها تعبر، في جوهرها، عن مشروع سياسي، يحاول تجميع المعارضة المصرية في كيانٍ سياسيٍّ واحد، له مكاتبه الدائمة، وآليات عمله، ويمتلك تصوراً لإدارة العلاقة بين القوى السياسية في الفترة الحالية والإدارة فترة ما بعد سقوط الانقلاب العسكري.
ثانياً: أجمع من تحدث معهم كاتب هذه السطور على أن المجلس الثوري المصري، وغيره من الكيانات التي سبق الإعلان عنها، وصلت إلى طريق مسدود، فالمبادرات السابقة كانت أشبه بوثائق مبادئ، وليست مشاريع سياسية، كما انحصر عمل المجلس الثوري فعليا في قضية
ثالثاً: تعاني المعارضة المصرية في الداخل والخارج من مشكلات واضحة للعيان، وفي مقدمها الاحتقان السياسي والإيديولوجي، والخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين، والتشرذم والقمع الهائل الذي يمارسه الانقلاب، وقلة موارد المعارضين المصريين في الخارج، وتفرقهم بين البلاد، وغياب ما يمكن تسميتهم السياسيين المحترفين في أوساط المعارضة المصرية، فمصر كبلد يعاني من الاستبداد منذ الاستقلال، يفتقر لطبقة من السياسيين المحترفين، فالموجود حاليا يقتصر بالأساس على مثقفين، لا يمارسون السياسة، ويرفعون دائما سقف المطالب إلى أفق مثالية، ونشطاء يمارسون السياسة بلا خبرة، أو موارد، أو مؤسسات.
وقد اشتكى القائمون على الجبهة، والمتابعون لها، من كل تلك العوامل، أسبابا معيقة لعملهم، ومن حالة الاحتقان بين جماعة الإخوان والقوى المشاركة في "30 يونيو"، خصوصا من القوى العلمانية والليبرالية، حيث رأوا أن تلك القوى مازالت تعاني من الاستقطاب وصعوبة العمل مع التيار الديني. كما تعاني جماعة الإخوان من الاستقطاب، وضعف القيادة والقدرة على حسم مواقفها، فالإخوان مثلا أعضاء في المجلس الثوري الذي يهاجم الجبهة الوطنية، والتي تضم في عضويتها الإخوان أنفسهم. وهناك من يقول إن ظاهرة المزايدين السياسيين، أو نجوم الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي الذين اكتسبوا شهرتهم من المزايدة السياسية، باتت تعيق العمل السياسي وجهود توحيد القوى السياسية، وتمثل قيدا على القوى السياسية المختلفة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين نفسها.
رابعاً: يرى بعضهم أن الجبهة تمثل فرصة مهمة للجيل الراهن من المعارضة المصرية، خصوصاً في ظل حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي التي تعيشها مصر، بسبب سياسات النظام الحاكم، وأن الظروف الحالية تمثل فرصةً سانحة لتوحيد القوى السياسية. وفي حالة فشل الجبهة، سيتحتم على المصريين انتظار ظهور قوى سياسية جديدة، تفرزها الأحداث، ولو بعد حين.