07 اغسطس 2024
في أزمة العلاقات المصرية الأميركية
بمعايير النظام المصري، تعيش العلاقات المصرية الأميركية فترة رواج غير مسبوق. ولكنها، في الواقع، تمر بأزمة متزايدة، وربما غير مسبوقة منذ عام 1979، فعلى الرغم من الدعم السياسي الكبير الذي يقدمه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لأسوأ ممارسات نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ديكتاتورية، تمر العلاقات المصرية الأميركية بفترة تراجع واضح على مستويات مختلفة. حيث أهدرت سياسات السيسي فرصة التحسن غير المسبوق في العلاقات التي سمحت بها ثورة يناير، بل ودفعت هذه العلاقات إلى الوراء نحو مسارٍ مؤسفٍ، يضر بمصالح مصر البعيدة والراهنة في واشنطن.
منحت ثورة يناير العلاقات المصرية الأميركية فرصة غير مسبوقة للتحسّن، والتحول من علاقة بين الولايات المتحدة والنظام المصري، كما هو الحال منذ عام 1979، إلى علاقة بين دولتين وشعبين. وأرغمت الثورة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، على إعلان دعمه لها حفاظا على صورة بلاده ومصالحها، على الرغم من معارضة مؤسساته الأمنية وكبار مستشاريه وإسرائيل والسعودية وديكتاتوريات عربية أخرى، حيث اعتاد جميع هؤلاء على التعامل مع الدولة المصرية باعتبارها نظاما يسهل شراء دعمه، أو الضغط عليه، رافضين تحمّل تبعات العمل مع مصر، شعبا له مصالحه المركبة، وإرادته التي يصعب شراؤها، أو تغييرها.
لذا بادر الرئيس أوباما إلى إطلاق مبادرة، هي الأولى من نوعها منذ نهاية التسعينيات على أقل تقدير، لدعم الاقتصاد المصري مالياً، فمنذ نهاية عهد الرئيس بيل كلينتون، والمساعدات الاقتصادية لمصر في تراجع. إذ تم تقليصها، على الرغم من معارضة مصر، من حوالي مليار دولار سنوياً إلى مائة مليون دولار فقط حالياً. وبسبب ثورة يناير، قدّم أوباما مبادرة لدعم الاقتصاد المصري بملياري دولار، كما تحسنت كثيرا صورة مصر في الولايات المتحدة والعالم، وبدأت واشنطن وعواصم العالم المختلفة السعي إلى فهم إرادة المصريين الحقيقية، والتعامل معهم بشكل جاد. وللأسف، لم تكتمل تلك المبادرات، بسبب تردد أوباما من ناحية، والمعارضة القوية التي واجهها من الكونغرس ولوبي إسرائيل ودول الخليج من ناحية أخرى. هذا بالإضافة إلى سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي عارض التوجه الجديد للسياسة
الأميركية، الداعم لإرادة الشعب المصري وممثليه المنتخبين. ولذلك قضى انقلاب السيسي على تجربة التحول الديمقراطي، في يوليو/ تموز 2013، على فرصة التغيير الإيجابي التي سمحت بها الثورة. وسعى إلى العودة بالعلاقات المصرية الأميركية إلى عادتها السيئة، كعلاقة مع النظام المصري في مقابل الدعم السياسي والمساعدات العسكرية، بل تعرّضت المساعدات العسكرية نفسها للتجميد عدة شهور بعد الانقلاب، ربما لأول مرة منذ 1979.
ومع صعود الرئيس الأميركي اليميني المتطرّف، دونالد ترامب، وجد عبدالفتاح السيسي ضالته، فترامب الذي وصف السيسي "بالقاتل"، وفقا لما ورد في كتاب "الخوف" للصحافي بوب ودوارد، فضّل التعامل مع مصر باعتبارها زبونا سياسيا أو نظاما ديكتاتوريا تابعا، يقدم له خدماتٍ في نظير الدعم السياسي، بغضّ النظر عن مصالح شعبه وبلده، وتحدّي إقامة تحالف حقيقي بين البلدين. ولذلك سعى ترامب إلى خفض المساعدات الاقتصادية لمصر في أول ميزانية يقدمها للكونغرس، ولكن الكونغرس عارضه. وخلال حكم ترامب، تعرّضت المساعدات العسكرية نفسها (1.3 مليار دولار سنويا) لشروط متزايدة. حيث اشترط الكونغرس في عام 2017 تجميد صرف 195 مليون دولار من تلك المساعدات، حتى يقدم وزير الخارجية الأميركي تقريرا عن مسار سياسات مصر تجاه قضايا مختلفة، منها الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما حدث.
ومنذ عام 2018، زاد المبلغ إلى ثلاثمائة مليون دولار، وهو المبلغ نفسه المشروط في ميزانية عام 2019. وذكر أعضاء في الكونغرس، في مؤتمر عقده مركز مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، في واشنطن، في التاسع من إبريل/نيسان الحالي، وقبل لقاء السيسي بترامب، أنهم يسعون إلى تعقيد نصوص الشروط المفروضة في الميزانية الجديدة، بشكلٍ يصعب على إدارة ترامب تلافيها.
وفي ظل حكم ترامب، تدهورت علاقة الكونغرس مع النظام المصري بشكل واضح، فقبل زيارة السيسي واشنطن، كتب 17 عضوا في مجلس الشيوخ، بمن في ذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية التي يسيطر عليها الجمهوريون، رسالةً إلى وزير الخارجية الأميركي، يطالبونه بممارسة مزيد من الضغوط على النظام المصري في قضايا مختلفة، بينها الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأرسل أربعة من كبار أعضاء لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي، والتي يسيطر عليها الديمقراطيون، رسالةً مشابهة وغير معتادة إلى الرئيس المصري نفسه، يحذّرون من تدهور وشيك في العلاقات المصرية الأميركية. هذا بالإضافة إلى تنديد أعضاء في الكونغرس، وأكبر منظمات حقوق الإنسان الأميركية، بسياسات النظام المصري.
بالإضافة إلى المشكلات السابقة، باتت مصر مطالبة بدفع ثمن باهظ من مكانتها وسياساتها الإقليمية، وربما سيادتها الداخلية، نظير الدعم السياسي الذي يحصل عليه النظام المصري من ترامب وحلفائه السياسيين في إسرائيل والخليج. حيث سمح السيسي للطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف في سيناء، وفقا لتقارير مختلفة، وتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. حيث يشير كتاب "كوشنير وشركاؤه"، الصادر حديثا في واشنطن عن جارد كوشنير صهر ترامب (ومستشاره)، نقلا عن مصادر مطلعة، إلى أن تنازل مصر عن الجزيرتين جاء ضمن ما يعرف بـ"صفقة القرن"، والتي يحصل بموجبها الفلسطينيون على بعض الأراضي والأموال العربية في مقابل تنازلهم عن أراضيهم وبقية حقوقهم للإسرائيليين.
وذكر تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في يناير/كانون الثاني الماضي، أن السيسي بات في حاجةٍ متزايدةٍ لدعم لوبي إسرائيل داخل واشنطن، للتخلص من الشروط التي يفرضها الكونغرس الأميركي على المساعدات العسكرية لمصر. ويشتمل مقال نشرته صحيفة الأهرام المصرية على موقعها بالإنجليزية، في أوائل إبريل/نيسان الحالي، على تصريحات لمسؤول دبلوماسي مصري، يقول إن مصر (السيسي)، خلال زيارة واشنطن، سوف تنظر إلى صفقة القرن باعتبارها "نقطة بداية" لمفاوضاتٍ يمكن العمل على تحسينها. وإن مصر (السيسي)
سوف تطلب من الرئيس الأميركي تقليل معارضته إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، وأن يعتبر "ليبيا ساحة للحرب ضد الإرهاب كسورية"، وأن "يضمن توازن قوى لا يعظّم من نفوذ الإسلاميين في ليبيا"، خصوصا بعد محادثات السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في القاهرة، في مارس/آذار الماضي.
وهكذا يبدو الثمن الذي يقدمه السيسي في مقابل الدعم السياسي الذي يحصل عليه من ترامب باهظا للغاية، حيث يرتبط بسيادة مصر على أرضها، وبمكانتها الإقليمية وقضاياها الرئيسة، كالقضية الفلسطينية، واستمرار دوران مصر في فلك إسرائيل والديكتاتوريات العربية الداعمة لإعادة تأهيل بشار الأسد في سورية، وخليفة حفتر في ليبيا، ومواجهة إيران. وتكون مصر قد أهدرت فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقتها بالولايات المتحدة وفّرتها ثورة يناير. فرصة التحول من علاقةٍ تشتري فيها أميركا خدمات النظام المصري، في مقابل المساعدات العسكرية، والدعم السياسي، إلى علاقة بين دولتين تحترم فيها أميركا إرادة الشعب المصري ومصالحه الحقيقية. بل تمر مصالح مصر، وفقا لمعادلة العلاقات المصرية الأميركية المختلّة الراهنة، بأزمةٍ متفاقمةٍ قد تكون غير مسبوقة. أزمة تتعرّض فيها المساعدات العسكرية نفسها لشروط متزايدة من الكونغرس الأميركي، بعد انحسار المساعدات الاقتصادية إلى حدود قصوى. وتتدهور فيها صورة مصر في الكونغرس ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني الأميركي بشكل مقلق ومتزايد. كما تضطر مصر إلى دفع ثمن باهظ من سيادتها الداخلية، ومكانتها الإقليمية، في مقابل الدعم السياسي الذي يحصل عليه النظام المصري لسياساته الاستبدادية المهدّدة أمن مصر واستقرارها.
لذا بادر الرئيس أوباما إلى إطلاق مبادرة، هي الأولى من نوعها منذ نهاية التسعينيات على أقل تقدير، لدعم الاقتصاد المصري مالياً، فمنذ نهاية عهد الرئيس بيل كلينتون، والمساعدات الاقتصادية لمصر في تراجع. إذ تم تقليصها، على الرغم من معارضة مصر، من حوالي مليار دولار سنوياً إلى مائة مليون دولار فقط حالياً. وبسبب ثورة يناير، قدّم أوباما مبادرة لدعم الاقتصاد المصري بملياري دولار، كما تحسنت كثيرا صورة مصر في الولايات المتحدة والعالم، وبدأت واشنطن وعواصم العالم المختلفة السعي إلى فهم إرادة المصريين الحقيقية، والتعامل معهم بشكل جاد. وللأسف، لم تكتمل تلك المبادرات، بسبب تردد أوباما من ناحية، والمعارضة القوية التي واجهها من الكونغرس ولوبي إسرائيل ودول الخليج من ناحية أخرى. هذا بالإضافة إلى سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي عارض التوجه الجديد للسياسة
ومع صعود الرئيس الأميركي اليميني المتطرّف، دونالد ترامب، وجد عبدالفتاح السيسي ضالته، فترامب الذي وصف السيسي "بالقاتل"، وفقا لما ورد في كتاب "الخوف" للصحافي بوب ودوارد، فضّل التعامل مع مصر باعتبارها زبونا سياسيا أو نظاما ديكتاتوريا تابعا، يقدم له خدماتٍ في نظير الدعم السياسي، بغضّ النظر عن مصالح شعبه وبلده، وتحدّي إقامة تحالف حقيقي بين البلدين. ولذلك سعى ترامب إلى خفض المساعدات الاقتصادية لمصر في أول ميزانية يقدمها للكونغرس، ولكن الكونغرس عارضه. وخلال حكم ترامب، تعرّضت المساعدات العسكرية نفسها (1.3 مليار دولار سنويا) لشروط متزايدة. حيث اشترط الكونغرس في عام 2017 تجميد صرف 195 مليون دولار من تلك المساعدات، حتى يقدم وزير الخارجية الأميركي تقريرا عن مسار سياسات مصر تجاه قضايا مختلفة، منها الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما حدث.
ومنذ عام 2018، زاد المبلغ إلى ثلاثمائة مليون دولار، وهو المبلغ نفسه المشروط في ميزانية عام 2019. وذكر أعضاء في الكونغرس، في مؤتمر عقده مركز مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، في واشنطن، في التاسع من إبريل/نيسان الحالي، وقبل لقاء السيسي بترامب، أنهم يسعون إلى تعقيد نصوص الشروط المفروضة في الميزانية الجديدة، بشكلٍ يصعب على إدارة ترامب تلافيها.
وفي ظل حكم ترامب، تدهورت علاقة الكونغرس مع النظام المصري بشكل واضح، فقبل زيارة السيسي واشنطن، كتب 17 عضوا في مجلس الشيوخ، بمن في ذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية التي يسيطر عليها الجمهوريون، رسالةً إلى وزير الخارجية الأميركي، يطالبونه بممارسة مزيد من الضغوط على النظام المصري في قضايا مختلفة، بينها الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأرسل أربعة من كبار أعضاء لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي، والتي يسيطر عليها الديمقراطيون، رسالةً مشابهة وغير معتادة إلى الرئيس المصري نفسه، يحذّرون من تدهور وشيك في العلاقات المصرية الأميركية. هذا بالإضافة إلى تنديد أعضاء في الكونغرس، وأكبر منظمات حقوق الإنسان الأميركية، بسياسات النظام المصري.
بالإضافة إلى المشكلات السابقة، باتت مصر مطالبة بدفع ثمن باهظ من مكانتها وسياساتها الإقليمية، وربما سيادتها الداخلية، نظير الدعم السياسي الذي يحصل عليه النظام المصري من ترامب وحلفائه السياسيين في إسرائيل والخليج. حيث سمح السيسي للطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف في سيناء، وفقا لتقارير مختلفة، وتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. حيث يشير كتاب "كوشنير وشركاؤه"، الصادر حديثا في واشنطن عن جارد كوشنير صهر ترامب (ومستشاره)، نقلا عن مصادر مطلعة، إلى أن تنازل مصر عن الجزيرتين جاء ضمن ما يعرف بـ"صفقة القرن"، والتي يحصل بموجبها الفلسطينيون على بعض الأراضي والأموال العربية في مقابل تنازلهم عن أراضيهم وبقية حقوقهم للإسرائيليين.
وذكر تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في يناير/كانون الثاني الماضي، أن السيسي بات في حاجةٍ متزايدةٍ لدعم لوبي إسرائيل داخل واشنطن، للتخلص من الشروط التي يفرضها الكونغرس الأميركي على المساعدات العسكرية لمصر. ويشتمل مقال نشرته صحيفة الأهرام المصرية على موقعها بالإنجليزية، في أوائل إبريل/نيسان الحالي، على تصريحات لمسؤول دبلوماسي مصري، يقول إن مصر (السيسي)، خلال زيارة واشنطن، سوف تنظر إلى صفقة القرن باعتبارها "نقطة بداية" لمفاوضاتٍ يمكن العمل على تحسينها. وإن مصر (السيسي)
وهكذا يبدو الثمن الذي يقدمه السيسي في مقابل الدعم السياسي الذي يحصل عليه من ترامب باهظا للغاية، حيث يرتبط بسيادة مصر على أرضها، وبمكانتها الإقليمية وقضاياها الرئيسة، كالقضية الفلسطينية، واستمرار دوران مصر في فلك إسرائيل والديكتاتوريات العربية الداعمة لإعادة تأهيل بشار الأسد في سورية، وخليفة حفتر في ليبيا، ومواجهة إيران. وتكون مصر قد أهدرت فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقتها بالولايات المتحدة وفّرتها ثورة يناير. فرصة التحول من علاقةٍ تشتري فيها أميركا خدمات النظام المصري، في مقابل المساعدات العسكرية، والدعم السياسي، إلى علاقة بين دولتين تحترم فيها أميركا إرادة الشعب المصري ومصالحه الحقيقية. بل تمر مصالح مصر، وفقا لمعادلة العلاقات المصرية الأميركية المختلّة الراهنة، بأزمةٍ متفاقمةٍ قد تكون غير مسبوقة. أزمة تتعرّض فيها المساعدات العسكرية نفسها لشروط متزايدة من الكونغرس الأميركي، بعد انحسار المساعدات الاقتصادية إلى حدود قصوى. وتتدهور فيها صورة مصر في الكونغرس ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني الأميركي بشكل مقلق ومتزايد. كما تضطر مصر إلى دفع ثمن باهظ من سيادتها الداخلية، ومكانتها الإقليمية، في مقابل الدعم السياسي الذي يحصل عليه النظام المصري لسياساته الاستبدادية المهدّدة أمن مصر واستقرارها.