قِيلَ عَبَرُوا مِنْ هُنَا
يَحْمِلُونَ غُبَارَ الطَّرِيق
مُثْقَلِينَ بِصَدَى الْجِبَال
مُضَوَّعِينَ بِحَفِيفِ الْأَنْفَاس
تَتْبَعُهُمْ قَوَافِلِ الْحَنِينِ
(2)
قِيلَ وَقَفُوا هُنَاك
عَلَى رَابِيَةِ الْغِيَابِ
يَتَذَكَّرُونَ الْبُيُوتَ الَّتِي أَوْدَعُوهَا أَسْرَارَ الْحُضُور
الْأَشْجَارَ الَّتِي مَا زَالَتْ وَاقِفَةً رُغْمَ الْخَرِيف
الْمِزْهَرِيَاتِ الَّتِي تَعْرِفُ أَيَادِي الْأُمَّهَات
عِطْرَ الرِّيحِ يُقَبِّلُ وَجْنَةَ الْغُنْبَاز
النَّوَافِذَ الَّتِي تَحْرُسُ وَجَعَ الطَّرِيقِ إِلَى الصَّمْت
الْمَسَالِكَ الَّتِي تَفِيضُ بِأُغْنِيَاتِ الصَّبَايَا الْقَادِمَاتِ مِنْ جِهَةِ الْمَاء
(3)
قِيلَ نَزَحُوا
أَيَادِيهُمْ مُتْرَعَةٌ بِرَائِحَةِ الْأَرْض
وغِبْطَةِ الرَّحِيل
بِدَهْشَةِ الْفِجَاج
وَصَوْلَةِ الظِّلَال
بِحُزْنِ الْمَفَاتِيحِ عَلَى عُزْلَةِ الْأَبْوَاب
تَحُفُّهُمْ غُيُومٌ تَسْطَعُ فِي الْعُيُون
نَظَرَةٌ أَخِيرَةٌ عَلَى طَرِيقِ الذِّكْرَيَات
تَلْوِيحَةٌ لِيَدٍ تَسْكُنُ صَمْتَ الْقَبِيلَة
حَيْثُ الْمَسَاءُ يُطَوِّعُ الْغُرُوب
وَيَلْتَحِفُ وَجَعَ الظَّهِيرَة
وَقَدْ حَمَلُوا أَقْدَامَهُمْ نِكَايَةً فِي الطَّرِيق
(4)
قِيلَ نَصَبُوا خِيَامَهُمْ ٌ قُرْبَ التِّيه
وَأَوْقَدُوا نَارَ الْحَنِينِ فِي تَنُّورِ الْقُلُوب
وَرَقَصُوا أَلَماً عَلَى إِيقَاعِ النَّزِيف
وَتَذَكَّرُوا الْقَبِيلَةَ الَّتِي تَعْشَقُ اللَّيْل
تَبِيتُ عَرْيَانَةً مِنَ الْأَحْلَام
تَزْهُو بِأَرْضٍ ضَالِعَةٍ فِي الْمَوْت
الْبُيُوتَ النَّاصِعَةَ عَتَمَاتٍ
الْغُرَفَ الْقَاسِيَةَ بُرُودَة
الْقَنَادِيلَ الَّتِي طَلَّقَتْ زِيتَ الضَّوْءِ
وَنَامَتْ قَبْلَ حُلُولِ الْغُرُوب
وَبَاتُوا يَعُضُّونَ شِفَاهَهُمْ كَمَداً
لَكِنَّهُمْ يَبْتَسِمُونَ فِي وَجْهِ الْقَمَر
وَيَسِيحُونَ فِي وِهَادِ الْحَيْرَة
(5)
قِيلَ خَلّفُوا جَلَبَتَهُمْ هُنَاكَ
وَانْصَرَفُوا مُكَبَّلِينَ بِلَعْنَةِ الْضَّيَاع
تَائِهِينَ فِي الصَّحْرَاء
الْعَطَشُ يُطَارِدُ خَطَوَاتِهِمْ النّحِيلَة
وَالسّرَابُ شَمْسُهُمْ الْغَائِبَة
(6)
قِيلَ تَوَغَّلُوا فِي الرَّحِيل
زَادُهُمْ قَوَافِي عَرْجَاء
وَمُقَدِّمَاتٌ تُنَاوِشُ الطَّلَل
رِحْلَةٌ عَلَى مَتْنِ النَّاقَةِ الْمُتْعَبَة
وَمُوسِيقَى الْخَلِيلِ تَرْفَعُ عَقِيرَةَ الْحَنِين
تُطَارِدُ بَصَمَاتِهِمْ الَّتِي أَوْدَعُوهَا فِي خَزِينَةِ الرَّمْل
لَا أَثَرَ هُنَاكَ سِوَى سَرَابِ أَطْيَاف
وَحَوَافِرٍ شَاخَتْ فِي الْغِياب
(7)
قِيلَ تَرَكُوا ظِلَالَهُمْ تَسْتَرِيحُ قُرْبَ شَجَرَةِ الْأَنْسَاب
تَحْرُسُهَا عَصَافِيرُ الصَّبَاح
تَحْفَظُهَا سِيرَةُ الْجَدَّاتِ الْغَارِقَاتِ فِي الصَّمْتِ
النَّاسِكَاتِ تَحْتَ قَمَرِ الْحِكَايَات
الذَّاهِبَاتِ صَوْبَ النِّسْيَان
وَسَاحُوا فِي بُطُونِ الْعُزْلَة
تُرَافِقُهُمْ نَايَاتٌ ضَاجَّةٌ بِنَارِ الْقُلُوب
كَمَنْجَاتٌ تَسْهَرُ عَلَى إِيقَاعِ الْأَلَم
وَمَنَادِيلُ مُضَوَّعَةٌ بِغُيُومِ الْأُمَّهَات
هُمْ هَكَذَا
رَاحِلُونَ
لَا أَحَدَ
سِوَاهُمْ
مَنْ تُقَبِّلُ أَقْدَامَهُمْ خَدَّ طَرِيقِ الْغُرْبَة.
*شاعر من المغرب