ولعل أكثر ما ستلتفت إليه الأنظار هو القمة المرتقبة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي الروسية في 22 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لتتويج الاتفاقيات وتشكيل المنطقة الآمنة وحدودها. وفيما يرتقب أن تنتهي مهلة الخمسة أيام الثلاثاء المقبل، تكشف كواليس الاجتماعات التركية الأميركية، التي تمخّض عنها الاتفاق، أنّ طرفين كانا حاضرين غائبين في المعادلة، وهما إسرائيل، وفق ما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، وحزب "العمال الكردستاني"، بحسب ما كشف مسؤول أميركي، حيث بقي المفاوضون الأميركيون على اتصال بهما، كلٌّ على حدة، لترتيب الاتفاق.
واستقبلت الأوساط التركية المختلفة الاتفاق، الذي كانت له ثلاثة أبعاد هامة، بترحاب. وتمثل البعد الأول بإظهار الحزم التركي في تشكيل المنطقة الآمنة، لإجبار واشنطن على تنفيذ الاتفاق، وارتبط البعد الثاني بعقد قمة مع روسيا في دبلوماسية تركية رفيعة قادت في الفترة الأخيرة إلى التلاقي مع أميركا وروسيا، أكبر قوتين عسكريتين في العالم، وصاحبتا الكلمة الرئيسة في سورية. ويرتبط البعد الثالث بتأثير الاتفاقات على مستقبل إنجاز الحل السياسي بعد تفاهمات الأطراف، لتبقى مسألة إدلب وحلها، وتستقر الأمور الميدانية، والانتقال لاحقا إلى الحل السياسي.
ووصفت المصادر التركية، التي فضلت عدم ذكر اسمها، "اجتماعات الخميس، بأنها عاصفة، واستبق الجانب الأميركي اجتماعاته مع الجانب التركي باجتماعات مماثة مع الجانب الإسرائيلي، من أجل إتمام الاتفاق، وروسيا غير بعيدة عن الاجتماعات والتوافقات الجارية، ولديها تفاهمات مع أميركا، وهو ما أكده وزير الخارجية في مؤتمره الصحافي"، حيث أفاد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو في مؤتمره الصحافي، أمس، بأن "الولايات المتحدة كانت دائما تهدد تركيا بأنها ستواجه روسيا في حال أقدمت على عمل أحادي".
وبات من المؤكد أن تركيا ستضع في أجندتها باجتماع أردوغان بوتين، الحديث عن شرق الفرات وغربه، أي استكمال تشكيل المنطقة الآمنة من جهة، وحل الأمور العالقة في إدلب، حيث كانت تسعى روسيا بشكل مستمر للدفع بتركيا للتركيز على شرق الفرات، وتأجيل الحل النهائي في إدلب.
ومع استكمال التفاهمات في شرق الفرات، فإن الطريق ستكون مشرعة لإنهاء الوضع في إدلب، كما أن تطورات الوضع الميداني قد تدفع إلى إعلان وقف إطلاق نار يساهم في تطبيق القرارات الأممية وخاصة القرار 2254 وتسهيل عملية الانتقال السياسي.
"الكردستاني" حاضر أيضًا
من جانب آخر، قال مسؤول أميركي رفيع إنهم كانوا على تواصل مستمر مع تنظيم حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة بالإرهابي، خلال المباحثات التي جرت الخميس مع المسؤولين الأتراك بخصوص عملية "نبع السلام"، وإنهم تحدثوا معهم حول القضايا اللوجستية المتعلقة بانسحابهم من المنطقة الآمنة.
جاء ذلك في تصريحات لممثلي وسائل إعلام أميركية رافقوا نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، خلال رحلة العودة من أنقرة الى واشنطن، حول فحوى اللقاءات. ووفقًا للمسؤول، فإن الجانب الأميركي بقي على تواصل مستمر مع عناصر حزب العمال "الكردستاني" طيلة اللقاءات مع المسؤولين الأتراك والتي استمرت أكثر من أربع ساعات في المجمع الرئاسي التركي بأنقرة.
وأوضح أنه خلال هذا التواصل سأل الأميركيون عناصر حزب العمال "الكردستاني" عن تفاصيل لوجستية محددة، مثل الأماكن التي سينسحبون منها بالضبط، وبيّن أن الجانب الأميركي طلب من عناصر الحزب وقف إطلاق قذائف الهاون على الداخل التركي.
انتصار للدبلوماسية التركية؟
من جهة ثانية، رحّب الإعلام التركي بالاتفاق الذي حصل أمس، معتبرا ذلك نصراً دبلوماسياً تركياً يضاف للانتصار الميداني، وساهم في ذلك تسريب رسالة ترامب إلى أردوغان، ونشرها عبر الإعلام، حيث شكل مضمون الرسالة نقطة تحول في مواقف الأتراك، حتى في صفوف المعارضين للعملية، إذ تم تداول الرسالة بشكل واسع، وتناول كتاب الصحف اتفاق أمس والرسالة، منتقدين أسلوب ترامب في الدبلوماسية التي لا تليق بحليفين في حلف شمال الأطلسي، فيما برز بوضوح أن تاريخ الرسالة وتاريخ بدء العملية هو أكبر رد على رسالة ترامب لأردوغان.
الكاتب الشهير والإعلامي في صحيفة "حرييت" أحمد هاكان، اعتبر أن "تسريب الرسالة كان من طرف ذئاب الدولة العميقة في الولايات المتحدة بهدف عرقلة المفاوضات التي كانت تجري في أنقرة أمس، كان هدفها منع حصول التفاهم، والزج بترامب في موقف صعب يجعله يعود لجادة الصواب وفق منظور هذه الذئاب، ويصل بالرئيسين أردوغان وترامب لنقطة لا يمكنهما النظر إلى بعضهما البعض لاحقاً، فكان الجواب على الرسالة ميدانيا بداية بتنفيذ عملية نبع السلام من جهة، وتحقيق التوافق أمس، وهو ما فوت إدخال العلاقات التركية الأميركية في نفق مظلم".
أما الكاتب في صحيفة خبر تورك محرم صاري كايا، فوجد من ناحيته أن "اتفاق الأمس كان نصرا على طاولة المفاوضات استكمالا للنصر في الميدان، حيث نجحت الدبلوماسية التركية في فرض الاتفاق، رغم أن تطبيقه بحاجة لصبر وترقب انتهاء مهلة الأيام الخمسة، إضافة إلى لقاء بوتين وأردوغان الذي سيكلل تشكيل المنطقة الآمنة، مستشهدا بحديث وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الذي تحدث عن المنطقة الشرقية، بانتظار ما ستؤول إليه مفاوضات المنطقة الشمالية في منبج وعين العرب".
وقال رئيس تحرير صحيفة صباح محمد بارلاس، في مقاله اليوم، إن "أهداف المنطقة الآمنة تتحقق في اتفاق أمس بين تركيا وأميركا، بانسحاب الوحدات الكردية إلى العمق الذي طالبت به تركيا، واستكمال أبعاد المنطقة مرتبط بالمفاوضات مع الروس، الأمر الذي سيفضي إلى استكمال مشاورات الحل السياسي في البلاد، ما يفتح آفاقا للانتقال السياسي وحل الأزمة المتواصلة في سورية منذ سنوات".
من جهته، شكك الكاتب ظفر أرباكيلي في صحيفة "جمهوريت" المعارضة بالنوايا الأميركية في الاتفاق، إذ قال "الاتفاق وإن كان فيه بعض الغموض من ناحية الجهة التي ستشرف على التأكد من انسحاب الوحدات الكردية، والتلويح بعصا العقوبات المستمر، إلا أن إفادة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بأن أمر العقوبات على تركيا سيتم البت فيها مع انتهاء الساعات الـ120، يشير إلى أن الابتزاز الأميركي مستمر رغم الاتفاق بين الطرفين".
وبشكل عام، فإن مختلف الأوساط التركية رحبت بالاتفاق، حيث إن جميع الأطراف لا تريد استمرار الحرب والقتال، وتترقب الأيام المقبلة لمعرفة مزيد من النتائج للمفاوضات التي تقودها الحكومة التركية، في ظل رفض مواقف الغرب لمطالب تركيا.