ومع أن هذا العالم قريب، وربما لأنه قريب، فقد كان محكوماً بالصور النمطية على أساس ديني استعماري، عرف أقسى ترجمة للتنميط من خلال الحروب.
لذلك يقول بالارين إنه يذهب إلى الشرق بشكل حر، حتى يكتشف دون إكراهات سوء الفهم المزمن.
سبق للفنان ابن مدينة البندقية الإيطالية، أن اطلع على الكنوز البصرية التي تركها "الرسامون الرحالون" في القرن السابع عشر في الدول الأوروبية الأخرى التي زارها في ريعان شبابه.
ثم قرر أن يذهب بجسده مفرداً وبريشته إلى ما وراء المعروف والمألوف في عالم غامض يكرر نفسه أحياناً، لدى الناظرين إليه من الخارج.
هناك بعض القادمين من أوروبا يرسمون ما يتوقعون رؤيته، في قصدية بصرية ثابتة في المخيال الأوروبي، أو يرسمون ما لم يروه مدفوعين أيضاً بمغريات ذات المخيال عن الشرق الساحر الغامض وأحياناً المكروه.
يقول بالارين لـ "العربي الجديد" إن عبارة "إن شاء الله" التي غالباً ما نسمعها ونرددها، كانت مفتاحاً في الهواء الحر سواء على صخرة في جبل أو على رمال الصحراء الناعمة.
"لقد أذعنتُ لمشيئة الله، وأخذتُ أترجم هذا العالم الجميل من خلال لوحاتي".
هناك أحصنة في المعرض، غير أنها ليست خيول فرسان، بل مرصودة للتعبير عن زخرفات تجريدية، لدوائر مكتملة أو غير مكتملة، أو كأن أجسادها مرصعة بالزلّيج.
جال بالارين في دول عديدة بدأها برحلة طويلة منتصف التسعينيات إلى السعودية، إلى أن اختار أخيراً الاستقرار في إسطنبول التركية.
يحمل الفنان حصيلته الواسعة في الزخرفة الإسلامية، ويوظفها في تعبيراته البصرية الخاصة.
لكنه في لوحات الطواف حول الكعبة في مكة، أو صلاة المسلمين، أو الوقوف على جبل عرفات، يختار التصوير بعين الطائر، وعلى ارتفاع عال حتى يبدو الناس نقاطاً محتشدة، كلما ابتعدت بالرؤية ازدادوا وضوحاً.
بسته غورسو منظمة المعرض تقول "عندما نضع أمام أعيننا قيم الحياة الزمانية، والمكانية، والمعنوية، والاجتماعية القائمة في جميع اختصاصات الفن، يمكننا الارتقاء إلى فهم الفنان وفنه، وما يريد أن يشرحه، وينقله إلينا بشكل أوضح".
لكن لويجي بالارين -تضيف- الذي يعمل بعشق كبير على نقل الأراضي التي لم نقصدها، ولم نرها إلى لوحاته القماشية، يصور بشكل بارز، ويترجم المعاني التي وضعها في تعابيره المجسدة.
يعبر لويجي بالارين بشكل حميمي صادق. وتتشكل قوة الجذب نحو أعماله من ملامسة تلك الأحاسيس الفياضة التي تفوق كثيراً مفهوم مدرسة الاستشراق في عصرنا. نستطيع إدراك أن بالارين يعكس كل شكل، وكل لون، وكل ضربة من ضربات فرشاته على لوحاته بجسارة تنبض بالحياة.
الدائرة لديه ليست مقفلة، بل وفقاً له، تعبير عن تواصل أرضي سماوي، محمول على حركة الناس، وحكاياتهم التي تنسج في "ألف ليلة وليلة"، كل واحدة من الحكايات تؤدي إلى الأخرى، وفي رقصة الدراويش التي تدور وتدور، حتى تعثر على نقطة توازنها وتشكل محورها الروحي والجمالي.
يمكن للزائر أن يدخل في الليلة الثالثة من "ألف ليلة وليلة" ويلتقي تفاصيل الحكاية العالقة في الزخارف السابحة في الأزرق البحري.
بدأ لويجي بالارين رحلته في الرسم عام 1993، وشارك بأعماله في المعارض الفنية الجماعية المشتركة، إلى جانب معارضه الخاصة الشخصية في إيطاليا.
أنجز عدة معارض عقب رحلته إلى السعودية عام 1996 ومكث فيها طويلاً، فتأثر بلغتها.
افتتح مرسماً في روما بعد أن انتقل إليها قادماً من مدينته البندقية، وأطلق عهداً جديداً من فنه، عندما أعاد تأويل الأضداد الملونة للأجواء الإسلامية في أعماله الفنية التي أنجزها في روما ووصف أعماله بالقول "يمكنني القول إنه كلما رجعت إلى تلك الديار البعيدة حيث الهدوء والروائح والظلال ورمال الصحراء الناعمة، وزرتها، وعشت فيها اكتسبت تجربة كبيرة وفريدة.
اختار لويجي بالارين مدينة إسطنبول مقر إقامة، بوصفها مدينة مفتوحة يستطيع على أرضها رؤية نفسه، ورؤية من حوله بعيداً عن أي أيديولوجيا.