واستشهد المحاضر بأفكار صامويل هنتنغتون حول وجود علاقة ما بين الديمقراطية ومجمل الإنتاج القومي السنوي، حيث يرى أن "الدول الفقيرة لا تنتج أنظمة ديمقراطية".
وعن "الجيش والسياسية"، لا يخفي براني انحيازه للتجربة التونسية، وقول إن "تونس صنعت جيشا لم يلعب دورا سياسيا أو اقتصاديا، ولم يقم بانقلابات طوال تاريخه، على عكس الجيوش العربية عادة، لذا يستخلص من التجربة التونسية أن الجيش لم يكن مشكلة في طريق تحولها الديمقراطي".
وأضاف براني أن "الثورات لا تأتي بأنظمة انتقالية تولد الديمقراطية، وكقاعدة فالدمقرطة متعلقة بالإصلاح وليس الثورة، والديمقراطية تأتي بالتفاوض بين الحكام ومن يقاومون حكمهم، وهي عملية مستمرة وليست هدفا، وليس هناك مثال يعطى لدولة ديمقراطية مثالية"، لافتا إلى أن "النرويج والسويد والدول الاسكندنافية تبدو أفضل الديمقراطيات، ولكن من السهل أن تكون ديمقراطيا عندما تكون غنيًا وليس لديك جيش كبير".
وأورد أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس، في السياق، مقولة لرئيس الوزراء البريطاني الراحل، ونستون تشرشل، الذي قال في مجلس العموم عام 1947 إن "الديمقراطية هي أسوأ أنظمة الحكم، وهي فوضوية بالعادة".
واستطرد قائلا: "الديمقراطية قدمت لنا في أميركا الخيار المأساوي بين هيلاري وترامب، ما يعني أن الديمقراطية لا تكون جيدة أحيانا، لكن من المهم أن نتذكر أن المؤسسة الوحيدة التي يمكن أن تدمر البلاد هي الجيش".
وتحدث براني عن إحدى "القضايا المهمة"، وهي أن "الجيش بالأساس من المجتمع، سواء كان نظامه طوعيا أو إجباريا، والتجنيد أمر مهم للدولة الديمقراطية لتكوين الهوية القومية، وليست هذه فكرة سيئة، وثمة بعض الدول التي ألغت هذا النظام ثم عادت للعمل به، وبعضها الآخر ألغته تمامًا".
وقال المتحدث ذاته إن "الجيش هي المؤسسة الأقل ديمقراطية، لأنها مبنية على طبقية وهرمية وعلى اتباع الأوامر، وقليلة هي الجيوش في العالم التي تقبل بالمبادئ الديمقراطية. والسيطرة على الجيش لا تكفي لجعله جيشا ديمقراطيا، فالمعيار الأساسي بالنسبة للسيطرة المدنية أن تتم عن طريق السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وأن يكون هناك قانون راسخ في الدستور حول المسؤول العسكري الأكبر، وهل يقدم تقاريره لوزير الدفاع المدني"؟
وذكر أن "في الدساتير الأوروبية غير مسموح للجيش التدخل في القضايا الداخلية، سوى المساعدة في حالة حدوث كوارث طبيعية، كما أن موازنة الدفاع لا بد أن تكون شفافة بشكل كبير، وموازنات بعض الجيوش يمكن معرفتها عبر موقعها على الإنترنت".
تجارب عربية
وقدمت في الجلسة الأولى، التي أدارها أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، محمد المسفر، أوراق حول "الجيش والقوى غير النظامية"، من خلال دراسة ثلاث حالات، تتعلق الأولى بالتجربة العراقية، بعد الاحتلال الأميركي، وتحدث عنها الباحث العراقي المتخصص في دراسة سياسات الأمن الوطني، علي المعموري، والتجربة الصومالية، ومعوقات بناء جيش وطني في مجتمع منقسم مناطقيا، وتحدثت عنها الباحثة الصومالية، سمية شيخ محمود. أما الورقة الثالثة في الجلسة، فكانت للباحث المصري المستشار السياسي في مركز أمية للبحوث والدراسات في إسطنبول، بدر الشافعي، والذي تطرق خلالها إلى إشكاليات العلاقة بين الجيوش الوطنية والشركات العسكرية الخاصة.
وأبرز الباحث العراقي، علي المعموري، أن "هناك إشكاليات رافقت بناء الدولة العراقية الحديثة، إذ إن الدولة في العراق ولدت ضعيفة، بسبب عدم وجود إجماع اجتماعي حولها، بسبب انقسامات طائفية وإثنية، صعبت إمكانية احتكار الدولة للعنف".
وأرجع المعموري حلّ الجيش العراقي، بعد الاحتلال الأميركي، لخوف الفاعلين السياسيين الجدد من الجيش، وكذا لـ"إدخال فاعلين جدد في تشكيلات الجيش العراقي الجديد، ورافقت هذه العملية عدة خطوات سلبية، ساهمت في مشكلة ضعف الجيش العراقي اليوم".
أما سمية شيخ محمود فترجع فشل تشكيل جيش قوي وموحد في الصومال إلى محاولة الدولة "الانفراد ببناء الجيش دون استشعار أهمية المجتمع"، حيث تؤأكد أن "مهمة بناء جيش قوي في الصومال يجب أن تكون مسؤولية الجميع، ويستشعر أهميتها الجميع"، مشيرة إلى أن "الحكومة الصومالية لا تتعامل بجدية مع مسألة بناء جيش وطني قوي"، على اعتبار أنها محمية من قبل القوات الأفريقية.
من جهته، أكد الباحث بدر الشافعي أن الشركات العسكرية الخاصة تضع الربح في عملياتها فوق أي اعتبار، وأن "الدول تستعين بها، بسبب سرعة وسهولة استخدامها، مقارنة بالجيوش الوطنية، أو القوات المشكلة أمميا من الأمم المتحدة"، وفسر ذلك بقوله: "بينما يتطلب تشكيل قوات دولية، من 6 إلى 8 أشهر، وتدخل القوات الوطنية، في النزاعات، يستغرق ثلاثة أو أربعة أشهر، فإن الاستعانة بالشركات الخاصة في النزاعات المسلحة قد لا يستغرق أكثر من 15 يوما".
وخلصت أوراق عمل قدمت في جلسة "الجيش والسلطة في حالات الجزائر وسورية والسودان"، التي أدارها منير الكشو، إلى أن "الجيش السوري تسوده أنماط من المراقبة والعقاب والهيمنة، تمارسها قنوات عسكرية وغير عسكرية داخل وخارج مؤسساته، وأن الحالة السلطوية الراهنة تجعل العسكر السوريين ينساقون إلى فلك السلطة"، فيما اعتبر حسن الحاج علي أن "الجيش السوداني شهد تغيّرا في العقيدة القتالية من قتال العدو الخارجي إلى قتال الحركات المتمردة، حيث أدى تأزم العلاقات الإقليمية والدولية مع السودان إلى زيادة حدة النزاعات الداخلية، وتراجع سيطرة الجيش على الدولة كلما تمددت المليشيات القبلية، والإشكالية تكمن في الاستخدام الفعلي لهذه المليشيات".
من جهته، قال الباحث عادل أورابح إنه "لن ينجح أي مسعى إصلاحي للانتقال الديمقراطي في الجزائر في ظل استمرار تحكم الجيش"، موضحا أن "تغول جهاز المخابرات أسس دولة داخل دولة، وبرز بغياب المؤسسات السياسية، وذلك أكسب الجيش الشرعية ببناء الدولة الجزائرية".
فيما رأى الباحث نوري دريس أن "الجيش الجزائري كسب شرعيته من حرب التحرير، مما منحه احتكار السلطة السياسية"، وقال إن "الجيش لا يبني دولة القانون، بل يحولها إلى أداة لممارسة السلطة السياسية".