مشمش يرفض الطبقيّة

13 ديسمبر 2015
لم يقف مشمش طويلاً أمام المحل (Getty)
+ الخط -
يستفيق الشارع بصخب كلّ يوم عند تقاطع السوديكو في العاصمة اللبنانية بيروت. مراجعون كُثر يقفون أمام مقر الأمن العام، وعمال سوريون يتحدثون عن بلداتهم في سورية، وهم يسيرون باتجاه ورش البناء المجاورة، وسائق سيارة أُجرة مُسن يتجادل مع صبية جميلة كادت سيارتها أن تصدم سيارته.

في شارع مُوازٍ، يُعلن صوت الباب الجرّار لمحل بيع الحيوانات بدء يوم جديد. يهدل الحمام في الأقفاص الموضوعة قرب الباب، فيستفيق القط الذي لم يزعجه صوت الباب الجرار بقدر ما أزعجته ثرثرة الحمام.

يصفّ البائع الأقفاص على الرصيف بشكل آلي. تستغلّ الطيور المتزاحمة في أحد الأقفاص ضوء الشمس لفرد أجنحتها قدر ما تسمح لها المساحة المحدودة. يتناثر بعض الريش في الهواء بسبب تخبّط الأجنحة. لا تكترث هذه الطيور للضجة من حولها، فكأن الحياة تتمحور حول جمالها وألوانها الزاهية فقط.

لم يُنغّص يومها إلا تلك اليمامة الهزيلة، بألوانها الباهتة، التي حطّت فجأة على الرصيف نفسه. فردت جناحيها على وسعهما، بعكس تلك السمينات أسيرات القفص. التقت نظرات الطرفين لتبدأ معركة سريعة. بدا وكأنّ اليمامة لم تُدرك نعمة الحرية فرمقت الحمام "السمين" بحسد. وهم أرادوا طردها من الرصيف. طارت بعد قليل.

بعد نحو ساعة ونصف، يفتح محلٌّ آخر للحيوانات أبوابه في منطقة رأس بيروت. في زمن سابق، كان أحد المشايخ في المنطقة قد وصف أهالي رأس بيروت بـ"التيوس" خلال مهرجان انتخابي، تأكيداً على صلابة مواقفهم. حدث ذلك عندما كانت الانتخابات تجري في لبنان. أما اليوم فتكاد الاستحقاقات تُزاحم اليمام الهزيل في سرعة الطيران والاختفاء.

تستيقظ القطّة الاسكتلندية الصغيرة في القفص على رائحة الصابون، فقد أكثرَ الموظّف الجديد من استخدام مواد التنظيف بهدف تلميع أرض المحل، لتشغل الفقاقيع مُختلف الكائنات المستلقية في الأقفاص. ومع وصول صاحبة المحل، اكتمل المشهد. هزّت كلبتها اللئيمة ذيلها ابتهاجاً، وخرج قطها الفارسي الكسول من خلف المكتب لإلقاء التحية الصباحية. كان يجلسُ على السجادة الصغيرة قرب المحل، ويُراقب طلاب الجامعة الواصلين توّاً إلى صفوفهم.

بعد دقائق، يطل مشمش، قط الحي الأشقر الجميل. لا يكترث القط الفارسي لمواء مشمش. يدخل الزبون الأول إلى المحل، ويسأل عن سعر القطة الاسكتلندية. جذبه شكل أذنيها المطويّتين، فسأل عن سعرها. "500 دولار أميركي"، أجابت البائعة. لكأنّ مشمش فهم الحديث الذي دار بين البائعة والزبون. لم يستوعب كيف أن ثمن قطة صغيرة يُساوي كلفة إطعامه والاهتمام به طوال فترة حياته. لذلك لم يقف طويلاً أمام المحل. قضى حاجته قرب الشجرة.. ومشى.

اقرأ أيضاً: صاحب الكرش المهيوب
دلالات