فتح موضوع عرض أحدث أفلام المُخرج الأميركي، ستفين سبيلبرغ، في لبنان، معركة مُكتملة الأركان بين دُعاة منع عرض الفيلم بعد أن ثبت دعم سبيلبرغ لإسرائيل مادياً خلال عدوانها على لبنان عام 2006، وبين رافضي الرقابة على أي شكل من أشكال الفنون في لبنان. يتبنى الطرفان وجهات نظر بعضها منطقي، ولكن يكفي أن ينطق بها الطرف المُقابل لتُصبح محط استنكار ورفض كامل من الآخر في لبنان. وهي سمة مُعظم النقاشات المُرتبطة بالشأن الداخلي أو بالشؤون العامة حول العالم.
ولم يزد تطرق الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، إلى هذه المسألة إلا من تعقيد الأمور. لأنه، وإلى جانب موقعه السياسي، فهو يُمثّل المرجعيّة الدينية لمُعظم الشيعة في لبنان، وقراراته مُلزمة دوماً في إطار "التكليف الشرعي". عند هذه النقطة يتعطّل النقاش مع أنصار الحزب في أي موضوع، ويصبح التخوين والتهديد أسهل وسائل التواصل.
وعلى الضفة المُقابلة، يبحث مُعارضو "حزب الله" عن أي شكل من أشكال الانتصار المعنوي عليه، بعد أن فرض طوال العقد الأخير خيارات سياسية عديدة على اللبنانيين، بقوّة سلاحه، وبواقع تقدّم المشروع السياسي الذي يُعبّر عنه ويقاتل من أجله على أنقاض العديد من الدول العربية وأقربها إلى لبنان، سورية. يواجه ممثلو هذا التيار أي طرح "رقابي" من قبل الحزب أو حلفائه، بانتقادات واسعة، تبدأ عند "انتقائية مقاومة التطبيع"، ولا تنتهي عند رفض "تغيير وجه لبنان". والحاضر الغائب دوماً هي الدولة اللبنانية التي باتت تنحاز تلقائياً إلى ما يُعبّر عنه "جمهور الممانعة" في لبنان بعد أن بات لبنان في عهد الرئيس ميشال عون، أقرب إلى المحور الإيراني منه إلى المحيط العربي المأزوم.
ومن المفيد التذكير أن السلطة الأمنية المُخوّلة منح أذونات عرض الأفلام والمسرحيات في لبنان هي جهاز "الأمن العام" المحسوب على الثنائية الشيعية (حزب الله وحركة أمل)، والتابع لإدارة وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي شكّلت دعوته لمسؤول "وحدة التنسيق والارتباط" في "حزب الله" وفيق صفا، إلى اجتماع أمني رسمي، أبرز محطات مسيرته السياسية الحافلة بالمواقف والخطوات المثيرة للجدل.
ومع تهديد بعض الوجوه "الإعلامية" التي تدور في فلك "حزب الله" بمنع عرض الفيلم بالقوة في صالات العرض، تكاد سلطة الأمر الواقع أن تنتصر مُجدداً في لبنان.