تتحدّث مجموعة من التقارير والتسريبات عن مشاورات تُجرى بين السعودية ومصر بالإضافة إلى الكويت والإمارات، لإنشاء تحالف عسكري لتنفيذ عمليات مشتركة ضد الجماعات التي تعتبرها هذه الدول تهديداً للمنطقة، وتحديداً في اليمن وليبيا.
وبثّت وسائل إعلام تابعة لبعض هذه الدول الأربع، تحليلات ومقالات تبرّر مثل هذا التدخّل. وتعزّز ذلك أخيراً، بتقرير لوكالة "أسوشييتيد برس" أشارت فيه إلى أن "حلفاء الولايات المتحدة من العرب، مصر والسعودية والإمارات والكويت يناقشون التوصل لاتفاق عسكري ضد المسلحين الإسلاميين، مع احتمال إنشاء قوة مشتركة للتدخل في أنحاء الشرق الأوسط.
وبينما أوضحت الوكالة أنّ "التحالف يمكن أنّ يمثل نوعاً من استعراض القوة لمواجهة المنافس التقليدي، إيران"، لفتت إلى أن التهديد المحتمل أمام التحالف، حسبما قال مسؤولون رفيعو المستوى في مصر، يكمن في بلدين هما ليبيا واليمن".
كما نقلت الوكالة أن "هناك خلافات بين الدول في شأن حجم كل قوة، وتمويلها، ومقرها الرئيسي، وحول ما إذا كان يجب السعي إلى الحصول على غطاء سياسي للعمليات"، مشيرةً إلى أنه "إذا لم يتم الاتفاق على إنشاء قوة مشتركة، فسيقوم التحالف بتنسيق تحرك عسكري، يهدف إلى شنّ عمليات سريعة ومحددة ضد المسلحين بدلاً من المهمات الطويلة، حسب ما أوضح المسؤولون".
تدخّل غير مستبعد
هذا التطور بات يثير تساؤلات عديدة حول السيناريوهات المحتملة لتطورات الأوضاع في اليمن، وخصوصاً بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيون) على صنعاء ومحافظات أخرى، وهي الجماعة التي تصنفها الرياض "جماعة إرهابية" وتتهمها بتلقي الدعم من خصمها الإقليمي إيران.
ويتيح دخول اليمن تحت "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، فرض عقوبات عليه، بما فيها التدخل العسكري، وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن 2140 الذي أقرّ في فبراير/شباط من العام الجاري.
ولا يستبعد مراقبون يمنيون احتمال التدخل العسكري السعودي بدرجة أساسية، بسبب المصالح الواسعة التي تربط اليمن والسعودية اللذين يجمعهما أكبر شريط حدودي برّي. وهناك سوابق تدخّل سعودي مصري، في ستينيات القرن الماضي، حينما تدخلت السعودية لمصلحة الملكيين الذين أطاحت بنظامهم ثورة 26سبتمبر/أيلول 1962، وتدخلت مصر على الضد وأرسلت قوات بشكل مباشر لدعم الجيش اليمني وتثبيت النظام الجمهوري.
وتختلف طبيعة التحالفات الآن عنها قبل نصف قرن، فقد كانت السعودية إلى جانب الملكيين (الإماميين) الذين يُعد الحوثيون امتدادهم السياسي والعسكري، وكان ذلك ضمن ما يمكن وصفه بتحالف "الملكيات" ضد النظام الجمهوري المدعوم من مصر بقيادة جمال عبد الناصر. أما هذه المرة، فإن مصر والسعودية في خندق واحد على العكس مما حدث قبل أكثر من ستة عقود. فتوجس الأطراف العربية هذه المرة يأتي من سيطرة الحوثيين المتهمين المرتبطين بإيران. وكانت السعودية قد دخلت على خط المواجهة ضد الحوثيين إلى جانب الجيش اليمني أواخر عام 2009 وأوائل 2010.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر يمنية مطلعة أن السعودية عرضت على الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، بعد سقوط محافظة عمران في يوليو/تموز الماضي في أيدي جماعة الحوثيين، الدعم المادي والعسكري لمنع سقوط صنعاء.
وتحرص جماعة الحوثيين على إيصال رسائل طمأنة إلى السعودية إلا أن وسائل الإعلام الإيرانية، وبعض مناصري الجماعة لا يترددون في إطلاق تصريحات تعتبر صنعاء عاصمة جديدة بيد إيران وطريقاً إلى الرياض الجار الشمالي لليمن.
من جهته، كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد تحدّث في حوار صحافي قبل أيام مع صحيفة "عكاظ" السعودية، عن الوضع في اليمن، مؤكداً أن مصر، ومعها "الإخوة في السعودية وفي الإمارات العربية المتحدة وغيرهما مع إرادة الشعب اليمني الرافض للفوضى أو الذهاب باليمن نحو التشرذم والتقسيم".
وحول التمدد الحوثي، أشار السيسي إلى أن هناك أمرين، أولهما أن "معظم أبناء الشعب اليمني لم ولن يقبل بتغيير هويته الثقافية مهما كان الضغط شديداً والتدخلات الخارجية قوية لدعم الجماعة التي تتحرك الآن لتفرض واقعاً جديداً على اليمن لا يناسبه". وثانيهما أنه "لا مصر ولا المملكة ولا غيرهما من دول العالم المحبة للسلام والحريصة على عدم تعريض الملاحة الدولية للخطر على استعداد للقبول بأي تهديد لمصالح الجميع من أي نوع كان ومن أي طرف يجيء"، في إشارة إلى ممر باب المندب الدولي على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر والذي يمتلك اليمن أفضلية نسبية في التحكم فيه. ويبدو أن عين الحوثيين عليه منذ أن امتد توسعهم إلى مدينة الحديدة غربي البلاد. وجاءت تصريحات السيسي لاحقة ومتزامنة مع تصريحات مماثلة لقادة وخبراء عسكريين مصريين.
سيناريوهات التدخل
تُنفذ الطائرات الأميركية بين حين وآخر ضربات جوية في اليمن ضد المشتبهين بالانتماء لتنظيم "القاعدة"، غير أنه لا يبدو أن ثمّة توجساً لدى الولايات، ولدى الدول الكبرى بشكل عام، تجاه النفوذ المتزايد للحوثيين وتوسعهم إلى صنعاء ومحافظات أخرى، خلافاً للدول الخليجية. وهذا ربما ما يدفع الرياض نحو تشكيل تحالف عربي، بعيداً عن التحالف الدولي الذي نشأ في مواجهة تنظيم "داعش" في العراق وسورية.
ويرى مراقبون أنه، في حال اتجه الوضع في اليمن نحو مزيد من التعقيد، فإن موقع البلد الاستراتيجي والمشرف على باب المندب والبحرين العربي والأحمر، لن يجعله بعيداً عن تدخلات دولية قد تصل إلى تدخل عسكري، يمكن أن تشارك فيه دول المنطقة بالتحالف مع الولايات المتحدة ودول غربية، ولا يستبعد دخول دول عربية بتنسيق منفرد عن الغرب.
ومما يؤيد احتمالات التدخل العسكري الدولي في اليمن تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جين بساكي، قبل أيام، في معرض تعليقها على تقارير تفيد أن متحدثين في مؤتمر عقده الحوثيون في صنعاء أعلنوا عن منح الرئيس، هادي، مهلة نهائية لتشكيل الحكومة في غضون 10 أيام. وقالت بساكي إنها وزملاءها في وزارة الدفاع الأميركية يواصلون العمل مع شركائهم في التحالف الدولي، ليحددوا كيفية اتخاذ خطوات أفضل للرد على تهديد الدولة الإسلامية. مضيفة أن "هذا لن يكون بالضرورة متعلقاً بالدولة الإسلامية فقط، فمثلا يمكن أن يكون لليمن أيضاً".
ووفقاً لمعطيات الواقع اليمني، فإن أي عمل عسكري خارجي يمكن أن يأخذ العديد من السيناريوهات، أبرزها، التدخل بصورة غير مباشرة لدعم أطراف محلية بما يؤثر في موازين القوى في الواقع. والسيناريو الآخر هو حصول أي تطور يكون بمثابة شرارة لتحرك عسكري جوي على الأرجح، مثل سيطرة الحوثيين أو تنظيم القاعدة، على باب المندب، ليبدو اليمن مهدداً بالتحول إلى ساحة صراع دولية واحتمالات مفتوحة يصعب التكهن بمداها الزمني ونتائجها على الأرض.