لا تكفي كلمة "جحيم" لوصف الوضع الذي يعيش فيه آلاف المدنيين المحاصرين في بقعة لا تزيد عن كيلومترين مربعين في الأحياء المتبقية تحت سيطرة المعارضة السورية في حلب، مع استمرار القصف من النظام السوري والمليشيات على هذه الأحياء بمساندة طائرات روسية، فيما تنتظر عائلات بأكملها موتاً بات شبه محتم، فمن ينجو من القصف ينتظره مصير أسود على يد عناصر النظام والمليشيات. أمام هذه المذبحة، يقف المجتمع الدولي متفرجاً، معترفاً بالمجازر التي يرتكبها النظام وحلفاؤه، لترتفع أعداد القتلى منذ انطلاق الثورة السورية إلى 312 ألف شخص بينهم أكثر من تسعين ألف مدني، وفق حصيلة جديدة أوردها المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس. وبات ما يقارب الثمانين ألف مدني محاصرين ضمن مساحة لا تتجاوز الكيلومترين المربعين، في أحياء السكري، والمشهد، وجب جلبي، والعامرية، والأنصاري، والزبدية وأجزاء من حيي صلاح الدين والإذاعة، التي لا تزال بيد فصائل المعارضة.
الحياة في هذه البقعة التي لا تزيد مساحتها عن أربعة كيلومترات، تحوّلت إلى جحيم فاق سوؤه كل التوقعات، فالمدنيون الذين يزيد عددهم عن 80 ألف شخص ابتعدوا عن مناطق الجبهات في هذه الدائرة الضيّقة واتجهوا نحو عمق هذه الأحياء، وباتت قدرة تحركهم لا تتجاوز الكيلومترين، وتُركوا فريسة سهلة لنيران الدبابات والطائرات الحربية. فيما يعيش آلاف المدنيين الذين هاموا على وجوههم واضطروا للنزوح إلى مناطق سيطرة النظام حالة رعب من عمليات انتقامية قد تقوم بها قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة له، كالتصفية والاعتقال، وسط أنباء عن حالات إعدام ميدانية نفذتها تلك المليشيات، أول من أمس، في حي بستان القصر.
الحياة في هذه البقعة التي لا تزيد مساحتها عن أربعة كيلومترات، تحوّلت إلى جحيم فاق سوؤه كل التوقعات، فالمدنيون الذين يزيد عددهم عن 80 ألف شخص ابتعدوا عن مناطق الجبهات في هذه الدائرة الضيّقة واتجهوا نحو عمق هذه الأحياء، وباتت قدرة تحركهم لا تتجاوز الكيلومترين، وتُركوا فريسة سهلة لنيران الدبابات والطائرات الحربية. فيما يعيش آلاف المدنيين الذين هاموا على وجوههم واضطروا للنزوح إلى مناطق سيطرة النظام حالة رعب من عمليات انتقامية قد تقوم بها قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة له، كالتصفية والاعتقال، وسط أنباء عن حالات إعدام ميدانية نفذتها تلك المليشيات، أول من أمس، في حي بستان القصر.
وكان يوم أمس، الثلاثاء، وأمس الأول الإثنين، المرة الأولى منذ سنوات التي يعجر خلالها الدفاع المدني عن إصدار حصيلةٍ لأعداد القتلى أو المصابين، بسبب انتشار الجثث في الشوارع والعلاج العشوائي في مراكز غير رسميةٍ داخل المباني، وهي رواية أكدها المتحدّث باسم الدفاع المدني في حلب إبراهيم أبو الليث، الذي اكتفى بالقول إنّ لا حصيلة للقتلى، قبل أن يستطرد: "لم نستطع الوصول إلى أماكن المجازر بسبب كثافة القصف، وانقطاع الطرق وسقوط مناطقٍ في يد النظام" بعد قصفها مباشرة. فيما قال مدير الطبابة الشرعية في حلب أبو جعفر، لـ"العربي الجديد"، إن "الإصابات التي لا تُعالج كثيرة، إضافة إلى أن الجثث في الشوارع ولا يوجد أحد قادر على دفنها"، مضيفاً: "الجو بارد جداً وماطر والوضع أكثر من مأساوي".
أما عضو مركز حلب الإعلامي عمار العبسي، فأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الاشتباكات هدأت قليلاً بسبب المطر. لكن الوضع في غاية الصعوبة، الجثث في الشوارع ولا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً". كما كشف الناشط الإعلامي فراس بدوي أن قوات النظام استولت على مخازن الغذاء الاحتياطية في الأحياء التي سيطرت عليها أخيراً بعد عجز المدنيين عن إخراجها تحت وابل قصف الطائرات، ليبقى لهم حصارهم وما بقي من مخازن الأحياء التي تكدّسوا داخلها. كما أن المياه لم تعد متوافرة لدى الأهالي منذ أن سيطرت قوات النظام على محطة المياه في حي سليمان الحلبي، وسارعت إلى قطع المياه عن كل الأحياء الشرقية في مدينة حلب، على ما يكشف أحد السكّان الذين كانوا محاصرين لـ"العربي الجديد".
وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته جبهات القتال بين المعارضة المسلحة وقوات النظام في حلب، ظهر أمس، بسبب الأمطار، إلا أن المدفعية وراجمات الصواريخ التابعة للنظام استمرت في قصف المنطقة المحاصرة، موقعة قتلى وجرحى مدنيين، فيما كان النظام يتوعّد "باستعادة" كل أحياء حلب خلال ساعات. ونقلت وكالة "رويترز" عن متحدث عسكري من قوات النظام قوله إن "الجيش يواصل التقدّم صوب حي السكري وما تبقى من حي سيف الدولة وجزء من حي العامرية وحي تل الزرازير"، متوقعاً أن "تسقط" تلك الأحياء أمس، الثلاثاء، أو اليوم الأربعاء. وأعلن أن المعارضة المسلحة ما زالت ترفض الانسحاب من المدينة.
في ظل هذا الوضع الميداني، يقف العالم متفرجاً ومعترفاً بتعرض أهالي حلب للإبادة. واتهمت الأمم المتحدة قوات النظام السوري بقتل 82 مدنياً على الأقل، بينهم نساء وأطفال، في أحياء حلب الشرقية التي استعادت السيطرة عليها. وقال المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان روبرت كولفيل، نقلاً عن تقارير، خلال مؤتمر صحافي في جنيف أمس، أن الضحايا وبينهم 11 سيدة و13 طفلا، قُتلوا "على الأغلب في الساعات الـ48 الماضية" في أربعة أحياء مختلفة من حلب. وأضاف كولفيل: "تم إبلاغنا أن قوات النظام تدخل بيوت المدنيين وتقتل الأفراد الموجودين هناك، بما في ذلك النساء والأطفال"، مشيراً إلى أن مكتبه يملك أسماء الضحايا. وقال نقلاً عن العديد من "المصادر الموثوقة": "الليلة الماضية، تلقينا معلومات تقول إن القوات الحكومية قتلت 82 مدنياً على الأقل، في أحياء بستان القصر والفردوس والكلاسة والصالحين". ورداً على سؤال حول هوية الذين ينفذون عمليات القتل هذه، قال كولفيل: "إنه مزيج: الجيش السوري ومليشيات". وأعلن أن بعض المدنيين "تمكنوا من الفرار"، لكنه أشار إلى تقارير عن "اعتقال آخرين وقتلهم على الفور، أو توقيفهم".
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال المحلل العسكري العميد أحمد رحال، لـ"العربي الجديد": "نحن في حلب أمام مجازر تاريخية، فمن الواضح أن روسيا تريد تحقيق انتصار عسكري ولا تريد تسوية سياسية"، مضيفاً: "كلنا تابعنا مشاهد إعدامات الطواقم الطبية والمدنيين، فيما الثوار من دون إمكانيات ولا خيارات، والمجتمع الدولي هو الوحيد الذي يتحمل مسؤولية ما يجري في حلب". وعن الأيام المقبلة في حلب، قال رحال إن "هناك 150 ألف مدني محاصر وبضعة آلاف من العسكريين، ووصلتنا منهم رسائل أنهم باقون ولن يستسلموا وفضّلوا الموت بكرامة على الاستسلام". ولعلّ أكثر ما يمكن أن يلخّص الحالة في المنطقة، الرسالة التي بثّها طبيب الأسنان في الأحياء المحاصرة سالم أبو النصر، الذي تمكن من النجاة مغادراً حي بستان القصر نحو أحياء أكثر أماناً، ولو إلى حين. تحدّث أبو النصر كيف "تكدّس المدنيون الذين تجمّعوا في رقعة حجمها كيلومترين، فوق بعضهم البعض في ما بقي من ركام المباني".