أعلن قادة أحزاب سياسية وقوى مدنية ونقابات مهنية وتنظيمات طلابية وكيانات قيد التأسيس وشخصيات وكفاءات وطنية وناشطون عن إنشاء تكتل "القوى الوطنية للإصلاح"، في مؤتمر عُقد في العاصمة الجزائرية، اليوم الثلاثاء، وغابت عنه الأحزاب السياسية الفاعلة والمعروفة في البلاد.
وقال رئيس حركة البناء الوطني (جناح من إخوان الجزائر)، التي قادت التنسيق لعقد هذا المؤتمر، عبد القادر بن قرينة إن مبادرة "القوى الوطنية للإصلاح" تأتي "لتعجيل إطلاق مبادرة وطنية تجمع قوى وطنية نزيهة ذات مصداقية وامتدادات شعبية، للدفاع عن ثوابت الوطن وتحصين هوية الشعب وقيم المجتمع".
وأكد بن قرينة أن الشعب ما زال ينتظر، عقب الحراك الشعبي، تجسيد كل مطالبه في الديمقراطية الحقة، والتغيير السياسي العميق، وبناء دولة جزائرية جديدة.
وأضاف أنه "ما زالت البلاد تواجه تحديات ومخاطر صعبة في طريق استكمال مسار التحول الديمقراطي الآمن بسبب ما وصفه "إرادات وقِوى مضادة تريد أن تعرقل المسار الوطني للإصلاح، وتعمل على إعادة الجزائر إلى منظومة هيمنة العصب والفساد، وكذا مخاطر صحية واقتصادية، جراء جائحة الوباء والأزمة الاقتصادية وآثارِهِما الاجتماعية، وضعف الأداء والتركة المسمومة من النظام السابق، ومشكلات الجريمة والهجرة السرية بسبب البطالة وتردي القدرة الشرائية، ناهيك عن عوامل خارجية وتحديات إقليمية ومخاطر أمنية على الحدود".
وأشار بن قرينة إلى أن هذه الأوضاع "تفرض علينا جميعا سلطةً ومعارضةً، أحزابًا ونُخبًا ومجتمعًا مدنياً، التفكير لاستكمال مسار التغيير وحمايته، وإرساء دعائم الديمقراطية، وتلافي كافة المهددات والمخاطر القائمة أو القادمة".
وتتضمن أرضية المبادرة مذكرة المقترحات المشتركة لوثيقة تعديل مشروع الدستور، ووثيقة مقترحات في المجال الاقتصادي والاجتماعي ووثيقة مقترحات للتكفل بالوضع الصحي في ظل جائحة كورونا، وعَرّفت الورقة السياسية المبادرة بأنها "إطار وطني للقوى الوطنية النزيهة الوفية للثوابت الوطنية المؤمنة بالمسار الدّستوري والتحول الديمقراطي الآمن، من أجل التنسيق والتشاور والتعاون، لتسهم بقوة اقتراحها في الخروج من الأزمة الراهنة، بما يحفظ وحدة الشعب واستقرار الوطن وأمنه".
كما تنص المبادرة على "التأسيس لعمل وطني مشترك عبر آلية حوار جماعي دائم في إطار الحفاظ على المصالح العليا للوطن، يفضي لإرساء استقرار اجتماعي وسياسي كفيل بتوفير بيئة ملائمة لمباشرة إصلاحات عميقة، وتأطير الديناميكية التي أفرزها الحراك الشعبي، وضماناً لفتح الساحة السياسية لمنافسة حرة ونزيهة".
وتتطلع الكتلة السياسية المشاركة في المؤتمر إلى لعب دور "في تقريب وجهات النظر وفتح قنوات الحوار بين الشركاء الوطنيين ومكونات الساحة من أحزاب ومجتمع مدني ونُخب وطنية، التي قد تختلف في مقارباتها ورؤيتها للإصلاح بما يحقق انخراطاً جماعياً في مسار التحول الوطني، ويؤمن البلد من أية احتقانات أو تصدعات في الجبهة الداخلية".
وقُدمت، خلال المؤتمر، ورقة تتضمن مقترح إجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية تسمح بتجاوز الوضع الراهن، ولمعالجة آثار "التركة الثقيلة التي خلفها الفساد المعمم بالإضافة إلى الآثار المزدوجة للأزمة الطاقوية، كالإسراع في إنشاء المناطق الحرة لما لها من دور في خفض الأعباء على المتعاملين الاقتصاديين، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لتحريك الشراكات الاستثمارية الأجنبية وحضور الأنشطة المحلية بالخارج، وتثمين الخبرات والطاقات الجزائرية داخل الوطن وخارجه، وإشراك الجامعات ومراكز ومخابر البحث".
وثيقة مقترحات دستورية
وتبنت "القوى الوطنية للإصلاح" تقديم وثيقة مقترحات مشتركة تخص مسودة الدستور التي طرحها الرئيس عبد المجيد تبون، وتتضمن "تعزيز اللغة العربية وإنهاء هيمنة استعمال اللغة الأجنبية في مؤسسات الدّولة، وحماية الأمازيغية كعنصر أصيل من عناصر الهوية الوطنية"، ما يعني إلغاء إقرارها لغةً وطنيةً ورسميةً.
كما تنص المبادرة على رفض أي نوع من أي استثناءات أو وضع قانوني خاص لأي إقليم يكون مدخلاً للتمييز بين الأقاليم، وتمكين الجيش من أدوات حماية أمن البلد والدّفاع عن الحدود والمساهمة في مهام السّلام وحفظ الأمن في إطار المنظمات الإقليمية والدّولية والاتفاقيات الثنائية.
كما تضمنت المقترحات إلغاء المادة الدستورية المتعلقة بتخصيص حصة للمرأة في المجالس المنتخبة، واختيار النظام شبه الرئاسي، مع وجود حكومة مختارة من أغلبية برلمانية ببرنامج يعكس إرادتها وهي مسؤولة أمامه في إطار الرقابة المتبادلة بين السلطتين، ورفض رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقضاء أو إخضاع هياكله للتعيين وإلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية.
وحضرت المؤتمر أحزاب فتية وليست ذات تمثيل بارز، على غرار جبهة المستقبل وحزب الفجر الجديد والحكم الراشد وحزب الوطنيين الأحرار، إضافة إلى قوى ناشئة قيد التأسيس كحركة عزم والسيادة الشعبية والتحالف الوطني للتغيير، وعلي جدي ممثلاً القيادات التاريخية في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، إضافة إلى نقابة القضاة وأرباب العمل والتجار والحرفيين.
ولم تشارك أبرز القوى السياسية الفاعلة في البلاد، إذ نأت حركة "مجتمع السلم" وجبهة العدالة والتنمية وقوى البديل الديمقراطي، كحزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، عن المؤتمر، كما انسحب حزب العدالة والحرية الذي يقوده المتحدث باسم الرئاسة محمد السعيد، وطلائع الحريات وإحدى نقابات التربية ، بعد مشاركتها في التحضير للمؤتمر.
إسناد للسلطة أم تموقع سياسي
وفيما يعتقد مراقبون أن استحداث تكتل سياسي يجمع قوى التيار المحافظ فرضته ظروف تكتل قوى البديل الديمقراطي من جهة، ومؤشرات تغول هذا التيار وبروز دوره في الخيارات السياسية التي تتوجه إليها السلطة، وتحسين الموقع التفاوضي للتيار المحافظ، فإن قراءات سياسية أخرى تضع المبادرة في سياق مختلف.
ويقرأ الكاتب والمحلل السياسي عمار سيغة في المبادرة محاولة لتنشيط الساحة السياسية من جهة وتحسين موقع التفاوض بالنسبة للقوى المشاركة من جهة أخرى ، مضيفاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "من وجهة نظري، أصحاب المبادرة من المرضي عليهم من قبل السلطة وممن سيكون لهم شأن في مستقبل المشهد السياسي بنفس منطق ذهنية تقاسم الكعكة، أغلب المشاركين يعيشون شيخوخة سياسية ولا ينتمون إلى الجيل الحراكي.
وتابع "طموح المجموعة لن يتخطى سقف ضمان معاش سياسي مريح بعد إحالتهم إلى التقاعد وتحييدهم من الساحة السياسية، و بتعبير أدق هم يلعبون آخر أوراقهم السياسية"، مضيفاً أن "الطبقة السياسية دخلت في سبات منذ انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019، بسبب ضبابية المشهد السياسي في البلاد، ثم بسبب وباء كورونا ومنع التجمعات، لكني أعتقد أن هناك رسائل مُررت من قبل السلطة لشخصيات وأحزاب سياسية ومنظمات لتحضير جو هادئ لدخول اجتماعي بشكل يساعدالسلطة، لا سيما أن الجبهة الاجتماعية تعيش على صفيح ساخن، ناهيك عن غليان شعبي من الأوضاع التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم".
وأشار إلى أن "تحرك أصحاب المبادرة جاء بعد حديث الرئيس تبون عن مؤامرات تستهدف الجهاز التنفيذي، ويمكن أن يُفهم أن المبادرة فيها نوع من إبداء حسن النوايا في التعاون والتموقع في خريطة باتت ملامحها تتكشف للعيان، وخياطة على مقاس توجه سياسي داخلي و آخر خارجي بتوجه مختلف عن الولاءات الخارجية التقليدية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ولاءات الخارج لها انعكاس قوي على المشهد السياسي داخلياً".