يحق لكل عاقل حصيف أن يتفق أو يختلف مع إرث الكاتبة نوال السعداوي الاجتهادي والمعرفي، ولكن هذا لا يعفيه أبدا من العرفان لدأبها المعرفي، وثباتها على الحق البين وفق منظارها، وعدم تبدلها عن مواقفها المبدئية في الانزياح الدائم للدفاع عن الفئات المستضعفة.
يشي الواقع التراجيدي بأنّ كل العرب، بمن فيهم الأشقاء المعذبون في أشلاء الأرض الفلسطينية المحتلة، لاهون مشغولون باحترابهم في ما بينهم، وتبذير ثروات المتنعمين منهم على تمويل حملات للعلاقات العامة لتبرير تكميم الأفواه وإغلاق الأقنية الفضائية العربية.
لا توجد إحصائيات حكومية معلنة عن نفقات الحرب في اليمن، لكن الصفقات السعودية لشراء أسلحة وذخائر وعتاد وصيانة قاربت أربعة مليارات دولار من بريطانيا فقط خلال السنتين الماضيتين بحسب ما أعلنت عنه الحكومة البريطانية ونشرته وكالة سي سي إن الإخبارية.
لمّا كان المسلمون الفقراء، غير القادرين على دفع الجزية لمحتسبي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هم الإصدار الأكثر معاصرةً في سلسلة أعداء أميركا، فقد يستقيم التوجس بأن أكثرهم معاناةً سوف يشكلون الحلقة الأضعف التي سوف تتوثب إدارة ترامب للانقضاض عليها.
أعلن وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، الذي طالما عرَّف عن نفسه بأنه "صهيوني شغوف" أن بلاده "على استعداد للانضمام إلى الولايات المتحدة في أعمالها الحربية في سورية، من دون الحاجة لتصويت من البرلمان البريطاني "لتدمير" تنظيم الدولة الإسلامية.
ظلت مكونات اليسار العربي الهجينة أسيرة عسر نضجها التاريخي الطبيعي الذي يفصح عن نفسه بأن كل عقائدها، لم تنم طبيعياً في البيئة الاجتماعية العربية، وإنّما تم استجلابها في مطلع القرن العشرين من منابعها الأوروبية الاشتراكية والفاشية.
لخص روبرت فيسك أسّ المحرك الذرائعي البريطاني في علاقتهم مع العرب واليهود، منذ وعد بلفور، بأنه "أعذار الأفعى السياسية البريطانية لتبرير مبيعات أسلحة للإسرائيليين والعرب، ليحتربوا بها، والتي تسمعها من الحكومات البريطانية المتعاقبة: إذا لم تسلحهم بريطانيا سوف يسلحهم الآخرون".
في كل كارثةٍ يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء، ويتم لصقها بظهر المسلمين حقاً أو مبالغة، تحقّق الإدارات الغربية فيها كسباً استثنائياً بإلزام المسلمين بالتراجع عن حقوقهم، مواطنين مكتملي الحقوق والواجبات، إلى إرغامهم على العمل لإثبات وطنيتهم بالمبالغة في إظهار ولائهم لمجتمعاتهم.
يختتم رئيس المخابرات الجوية السورية، جميل حسن، مقابلته مع روبرت فيسك، بإنكار مأساة "تقليع أظافر أطفال درعا الذين كتبوا على جدران حواريهم: الشعب يريد إسقاط النظام"، وقال إن ذلك كان محض دعاية سوداء، وأنها حكاية لم تحدث أبدا!
إنها بريطانيا منظّرة حقوق الإنسان على المستوى الكوني التي تحدث فيها محاولة انتحار واحدة على الأقل يومياً في معسكرات احتجاز المهاجرين من طالبي اللجوء الإنساني أوالسياسي فيها، لإحساسهم بأنها سلاحهم الوحيد لإنهاء معاناتهم المريرة مع نظام القهر البيروقراطي المتوحش.