الفلسفة بمثابة تحريض دائم على المقاومة
سعيد ناشيد
في نصه المنشور في العربي الجديد بتاريخ 15 فبراير/ شباط، والمعنون "ماذا يمكن أن تقول الفلسفة في زمن الزلازل؟"، وجه الكاتب والمدون المصري، محمد أمجد كرارة، سؤالا للفيلسوف والكاتب المغربي، سعيد ناشيد، وذلك على خلفية مأساة الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، بكلّ ما أثاره من أسئلة وجودية، حيث قال "أحسب أنّ الفلسفة سيكون عليها تقديم الكثير من الإجابات عمّا حصل، على الفلاسفة أن يُقدموا مواعظهم على جبل المعرفة، صادحين بالقول حتى يراهم ويسمعهم القاصي والداني. لا أزال أنتظر جواباً شافياً مِن الفيلسوف، سعيد ناشيد، يُثلج صدري من نار مُستعرة اصطليت بلظاها، جرّاء ما حدث في سورية وتركيا، وأتمنى منك أيها الحكيم، لو قرأت مدونتي، أن تُجيب عن ذلك السؤال: "أيُّ عزاء سنقدمه إلى هؤلاء المكلومين والضحايا، وأيّ عزاء سنتشبّث به نحن التائهين بين الأوهام والآمال، وما دام لا يوجد زمن آمن (كما يقول سينيكا) فكيف نثبُ إلى مرحلة ترويض الوحوش دون أن تتفشّى فينا عدوى التوّحش؟". هل لديك جواب أيها الحكيم؟".
"العربي الجديد" حوّل المدونة لصاحب "التداوي بالفلسفة" و"الوجود والعزاء"، والذي استجاب لنداء الكاتب وردّ بشكل سريع على أن يعود للمسألة لاحقا، بتوسع أكبر من خلال اشتغالاته وكتبه، وهنا إجابته:
قد أتجاوب مع النص بنحو أولي، ولعلي أعود إلى المسألة في زمن لاحق، على أمل أن يكون لي ما أضيفه إلى كتابي "الوجود والعزاء: الفلسفة في زمن خيبات الأمل"، وأيضا كتابي "لماذا نعيش؟".
والحال أنّ مطارحتي المحورية التي تؤطر الكتابين تقوم على الأساس/ القناعة الهادئة بأننا لم نُخلق في بيئة حاضنة للحياة، بل يمثل الكون بأسره بيئة معادية للحياة. الحياة مقاومة.. وكلّ ما نستطيع أن نحقّق فيها ومن خلالها هو تحسين شروط المقاومة رويداً رويداً، بأكثر ما يمكن من الحب، وأقل ما يمكن من الأمل. على أنّ أشكال المقاومة هي ثلاثة:
أولا، الحكمة، أي الفلسفة العملية، من خلال قدرتها على تقديم عزاء بلا أوهام، وتنمية المشاعر الإيجابية في كلّ الظروف، وبدون وعود قد تكون كاذبة، والحال أنّ كلّ الوعود كاذبة في الأخير.
الحياة مقاومة.. وكلّ ما نستطيع أن نحقّق فيها ومن خلالها هو تحسين شروط المقاومة رويداً رويداً، بأكثر ما يمكن من الحب، وأقل ما يمكن من الأمل
ثانيا، العلم، من خلال قدرته على تحسين شروط الحياة، ولو جزئيا عبر المعرفة والتكنولوجي.
ثالثا، الفن، من خلال قدرته على السمو الروحي بالإنسان داخل السياق الدراماتيكي لوجوده.
بالجملة أعتبر الفلسفة بمثابة تحريض دائم على المقاومة من أجل الحياة، إلى الرمق الأخير. ثم ماذا بعد؟ لا أعرف، غير أني متأكد بأن أبناء أبنائها بعد مئات السنين سيكونون مؤهلين للإجابة بنحو أفضل. ولأجل ذلك يجب أن نتيح لهم المجال للمجيء. هههه لعلي شوبنهاوري مُعَدَّل إذا!
مع مودتي الأبدية.